رؤيا قلب لا بصــر ! .

1.8K 159 53
                                    


تطايرت العصافير بشكلِّ جماعي ما إن مرت سيارة إطفاء مسرعة بألوانها الحمراء وصوتها الذي ينبئُ عن حصولِ أمرِ طارئ , كانَ الجوّ لا يزال صحواً والسحب البيضاء تنتشرُ وسط زرقة السماء الجميلة.
وعلى بعد كليو مترات ترى سحابةً دخانِ كثيفة تتصاعدُ من أحدِ الأبنية مكونةً رسمةً جانبية مخيفة في السماء.

وصلت سيارات الإطفاء إلى المبنى الذيّ يعجُ بالطلاب والذينَ قد انتشروا في ساحة المدرسة مبتعدين عن الحريق الذي حصلَ في أحدِ جوانبها حيثُ أخذ ينتشرُ بسرعة مذهلة ..
مما جعلَ بعضُ أجزاء المبنى المدرسي يتحطم , جميعهم تبدوا على ملامحهم الخوفُ الشديد , منهم من يضعُ يده على قلبه يحمد الله على نجاته والأخرى تبكي بجانبِ صديقتها .

هكذا كان الوضع ... المعلمين يحاولون تهدأ الوضع الطالبات في مشاعر مهزوزة مرعوبة
والطلاب كلٌ يفكرُ ويشعرُ بصعوبة الوضع , بينما المدير يحاولُ التأكد من ألا يكونُ هنالك أحد مفقود.

وبداخل المبنى تحديداً فوقَ طابقِ الحريق .. في غرفة المعدات والتي لم تعد الآن سوى أكوامٌ من الأشياء المتراصة والمبعثرة على الأرض حيثُ أجزاء من جدارها قد تهدمَ وسقط فيها .
يجلسُ وحيداً في الزاوية ضاماً ركبتيه إلى صدره ويدفنُ وجهه بدلالةِ منه على عدمِ الارتياح والضيق ،
كانَ الجو عنده شبه مظلم فها هو جزءٌ من الخزانة الحديدية قد سقطت واستقرّت بجانبه مانعةَ إياه من التحرك .
حاولَ مراراً وتكرارً أن يبعدها ولكنّها كانَت كمثلِ شجرةِ معمرة قدّ ثبتتَ جذوعها في الأرض منذُ زمن وتصلبت.

رفعَ رأسه فظهرت ملامحُ وجهه الناعسة كانَ بارداً نوعاً ما فرغمَ الخطرِ المحدقِ به إلا أنّه لم يخف ولم يرتعب بل أخذَ يحادثُ نفسه بضيق.
ـ ها أنا محتجزٌ هنا .. رائع ! .
قالَ الكلمة الاخيرة بنوعِ من السخرية التي يوجهها لنفسه .
أطلقَ زفيراً وطأطأ رأسه أكثر فانسدلت خصلاتِ شعره الكثيفة وغطت ملامح عينيه , ضمّ ساقيه إلى صدره بشدّة أكبره وبدأ يضعُ الاحتمالات ما يحصل له بطريقة ساخرة
ـ قريباً سوفَ يصلُ الدخانُ هنا .. وسأموتُ مختنقاً .. ..
ابتسمَ ابتسامة ساخرة:
ـ أو أنّ الحريق سيصلُ إليّ أولاً ثمّ يحترقُ جسدي..
أطلق زفيراً وأكمل كلامه :
ـ يا لها من حياةِ مملة التي عشتها .
أغمضَ عينيه وبدأ يسرد سيناريو حياته الروتينية والتي ستختفي بعد موته.
ـ عندما يعلم جاري جيمس بموتي سيأخذُ سريري وسيرتاح من عناء إيقاظي لكِ لا ينام على الأرض .
ضحكَ بشفقة على نفسه وتابع على وتيرة من السخرية .
ـ ولن ينزعج هيمين مني بل سيبقى يأكل الفطور براحة مع جيمس في غرفتي .
السيدة فريسيا المشهورة بتألقها الباذخ لن ترى وجهي البائس الذي يستقبلها كل صباح عندما أخذ أبنائها إلى المدرسة ستحصل على شخصِ أفضل منّي لأجله هذه المهمة .
أمّا أطفالها الثلاثة فسيجدو شخصاً أفضل مني يلبي طلباتهم لشراء الحلوى ولا يعاتبهم كل صباح مثلي ,
ولن تعدّ سيدة البناية نفسها لمعاتبتي على السماح لـ جيمس بالدخول لغرفتي
بل ستجده أخيراً ولن تتركه حتى يدفع الإيجار , أما هيمين فسيفرحُ كثيرا لأنه لن يستمع لنصائحي بترك اللعب وسيظلُّ طول الوقت يمرح مع جيمس .
أه أيضاَ .. حارس المدرسة فسيكونُ أسعدَ يومِ له هو يوم الغد لأنّه لن يرى وجهي ولن يكونُ ملزماً على إعادة كلامه عليّ مرارً وتكرارً
لن تكلف ميلا نفسها لإيقاظي كل مرة في الحصص وسوفَ يتخلص الأستاذِة من وجودي أيضاً .
هه من بقيّ كذلك .. فلاب !
ابتسمَ وظهرت أسنانة اللؤلؤية البراقة ليتابع :
هوَ وعصابته سيجدون الشخص الذي يمرحون منه أكثر مني.

رُؤيا قَلب لا بصــرْ ! حيث تعيش القصص. اكتشف الآن