تسللت خيوط الشمس الرفيعة إلى غرفة تيا في صباح اليوم التالي.. الساعة الخامسة .. استيقظت تيا والنشاط يغمرها..لقد كانت أول ليلة لها في ويروولد...
ارتدت حذائها وملابس العمل الشتوية.. استعدت لإعداد الفطور .. لكنها تذكرت أن جيما ستسافر في الساعة السادسة.. قد تكون مستيقظة الآن.. قالت في نفسها :" لأغتنم الفرصة وأجلس معها قليلاً "
في مكان اخر في غرفة جيما..
جيما:" عليَّ أن أترك كل شيء جاهز كي لا اتأخر على القطار...ولكن الساعة الخامسة..أخبرني هاري أن تيا عليها الاستيقاظ قبل السادسة..قد تكون مستيقظة الآن...سأبحث عنها وأجلس معها قليلاً.."
خرجت تيا مسرعة من غرفتها..صعدت الدرج..وعلى الدرجة الأخيرة من الأعلى...اصطدمت بأحد ما لتصرخ متألمة وتضع يدها على رأسها.. لكن عندما استوعبت ما حصل لاحظت أنها اصطدمت بجيما وقالت:" جيما!! ماذا تفعلين!؟"
ردت جيما :" كنت أبحث عنك! وأنت ماذا تفعلين ؟!"
ضحكت تيا وقالت:" وأنا كنت أبحث عنك"
ضحكت جيما وقالت:" لقد اردت أن اجلس معك قليلاً قبل سفري"
حدقت تيا مصدومة بجيما و قالت:" وأنا كذلك !"
قالت جيما:" هيا نجلس في الحديقة "
خرجتا الاثنتان معاً.. سحبت تيا كرسيان وجلستا في ظل الأشجار.. قالت جيما:" اتعرفين شيئاً تيا!؟ لم أرَ أخي بهذه الحالة من قبل!"
تفاجئت تيا قليلاً وقالت:" ماذا به؟! أهوَ بخير؟!"
قهقهت جيما وقالت:" هوَ بأفضل حال.. أعني لم أراه سعيداً هكذا.. أقصد بوجودك انت وفين بالطبع''
ابتسمت تيا وقالت:" وأنا سعيدة جداً.. لقد اعتدت منذ سنتين على وجود أحد بجانبي .. صديقتي أو أمي ...مع أن علاقتي بعائلتي ليست بتلك الصداقة القوية..."
تسائلت جيما بحذر :" أحصل شيء بينكم؟ "
ضحكت تيا باستهزاء على ذكرياتها واجابت:" كلا لم يحصل ولن يحصل شيء بعد الآن.. والدي ووالدتي قُتِلوا ضمن الحرب لأنني تركتهم وأخذت منزلاً في وسط لندن حيث توجد أغلب المناطق الآمنة.. تركتهم قبل بداية الحرب.. سكنت مع صديقتي المقربة.. التي توفت أيضاً .. "
شعرت جيما بحزن يغمر قلبها وقالت متأسفة :" أوه عزيزتي أنا اسفة جداً أنني ذكرتك بهذا الحادث المؤسف.."
قالت تيا :" لا عليك.. لم تعد تؤثر في مشاعري"
مضى الوقت و الفتاتان تتحدثان.. كانت جيما تروي لتيا قصص عن هاري عندما كان صغيراً و قلب تيا ينبض فرحاً..
دقت الساعة السادسة... ذهبت جيما إلى غرفتها لتخرج حقيبتها .. و اتجهت تيا إلى المطبخ لتعد الافطار ... كانت تحادث نفسها قائلةً :" خبز ، مربى ، عسل، حليب ... ماذا تبقى؟!"
ليرد شخص من خلفها:" أظن أن هذا كافي"
لتلتفت إلى الخلف وترى هاري يقف شامخاً مبتسماً...
ضحكت تيا وقالت :"صباح الخير سيد ستايلز .. هل أنت جائع؟"
اقترب هاري من تيا ليصبح مواجهاً لها وقال :" كلا.. انتهي بسرعة.. أمامنا طريق طويل"
استغربت تيا وقالت:" طريق إلى أين؟؟ أين سنذهب ؟!"
لم يجب هاري بل اكتفا بالابتسام وأردف:" هيا نودع جيما "
غسلت تيا يديها بسرعة و جففتها ولحقت به
وصل الاثنان إلى مدخل الملجأ ليروا جيما واقفة إلى جانب حقائبها.. فور رؤيتها لهم اشرقت ابتسامتها..اقترب الاثنان منها.. ضمها هاري بقوة وقال لها :" سأشتاق لكِ كثيراً .. أخبري أمي أنني مشتاقٌ لها كثيراً.."
واقترب اكثر وهمس في أذنها شيئاً لم تستطع تيا من سماعهِ...لكنها تجاهلت الموضوع.. اقترتب تيا من جيما وحضنتها وقالت:" أتمنى لو كان بإمكاننا أن نحظى بوقت أكثر.."
ابتسمت لها جيما وقالت:" وأنا أيضاً عزيزتي" غمزت هاري وأردفت :" لنا لقاء قريب "
ابتسمت تيا لها وعادت ادراجها إلى الملجأ...
بقي هاري واقفاً مع جيما وقال لها:" أتظنين أن تيا سمعتني عندما حدثتك عنها ؟؟"
ضحكت جيما وقالت:" وإن يكن" .. وأردفت :" ها قد حان الوقت.. عليَّ الذهاب إلى محطة القطار.." قال هاري :" انتظري انتظ..
لكن جيما لوَّحت له موعدة .. عاد هاري والابتسامة لا تسع وجهه... التقى ب فين عند باب الملجأ... ربَّتَ هاري على كتف فين وقال:" هيا كن مستعداً لدينا عمل ثلاثتنا" استغرب فين من كلمة "ثلاثتنا" في بادئ الامر لكنَّهُ استوعب ما قصده هاري...
وأردف هاري:" سأحضر تيا ونلاقيك عند الباب .. هيا" اومأ فين وذهب ليتجهَّز.. بينما أكمل هاري ليبحث عن تيا... صعد إلى الطابق العلوي ومن ثم إلى غرفة تيا.. طرق الباب .. اجابت تيا من الداخل آذنة له بالدخول .. فتح هاري الباب
دخل وقال:" هل أنتي جاهزة ؟ "
استدارت تيا وقالت:" نعم.. أعني تقريباً"
قال هاري:" حسناً لا تتأخري "
انتظرها خارجاً..
صدح صوت تيا في الغرفة وهي تغني أحد أغاني "تابيو راوتافآرا" .ولم تكن تدري أن هاري كان يستمع لها... ضحك هاري..لكنه عندما شعر أن تيا قادمة ابتعد وكأنه كان قادماً من الأسفل.. ابتسمت تيا وقالت :" هيا نذهب".. ضحك هاري وقال لها:" صوتك جميل"
نظرت تيا مصدومة وقالت:" ماذا؟!؟ أكنت تسترق السمع ؟؟"
ضحك هاري مجدداً وقال:" جدياً لا امزح...صوتك بالفعل جميل ."
ضربت تيا هاري على كتفه و قالت:" أيها اللعين!! كيف لك أن تسترق السمع..."
و أردفت :" حقاً ؟! صوتي جميل؟!!" اومأ هاري و قال :" نعم حقاً ... اريدك أن تغني لي اليوم ليلاً"
احمرَّت تيا خجلاً و قالت:" لا استطيع.. أعني لست معتادة على الغناء أمام أحد... أغني لنفسي فقط"
وقالت لنفسها:" حتى شيري "
لكن هاري أيقظها من شرودها وقال:" لا يهم ستغنين اليوم.."
ابتسمت تيا فهي لم تعتد ان يدعمها أحدٌ هكذا ..
التقى الثلاثي المرح معاً عند المدخل تماماً حيث اتفق فين وهاري ... القت تيا التحية على فين ومضى الثلاثة على خُطى هاري
كانوا ثلاثتهم صامتين هادئين طوال الوقت ...ساروا كثيراً حتى وصلو إلى منتصف ويروولد حيث المحلَّات العتيقة... لكن هاري قطع حبل الصمت وقال موجهاً كلامه لفين :" أتدري؟! تيا ستغني لنا اليوم !!"
ابتسم فين عجباً وقال بهدوء:" حقاً؟؟ لم أكن أدري أن صوتها جميل.. هذا رائع!!"
نظر إلى تيا و أردف :" ماذا ستغنين؟!"
ابتسمت تيا وقالت:" إن كنتم مصرّين سأغني toverukset ل تابيو "
اشرقت ابتسامة هاري وقال:" آه يا فتاة .. أنتِ عظيمة!! "
احمرَّ وجه تيا مجدداً و قال فين :" هذا مذهل!! هذه الأغنية عظيمة !"
قال هاري مقاطعاً ومغيِّراً موضوع النقاش:" انتظروني هنا .. سأعود على الفور "
قالت تيا:" حذ وقتك.. سنجلس أنا و فين على إحدى مقاعد الحديقة المقابلة "
أومأ هاري ودخل إحدى المحلَّات على الطريق..
بينما سارَ فين و تيا إلى الحديقة واتخذوا مقعداً مقابل الشارع كي لا يضيِّعهم هاري ..
قال فين محاولاً خلقَ حديث:" منذ متى و أنت تغنين ؟"
أجابت تيا بعد ان فكَّرت في السؤال جيداً :" لا أدري ربما منذ سنتين أدركت أن صوتي مقبول.. لكن لا أحد يعلم بذلك ... لكن هاري كشفني اليوم "
ضحك فين و قال :" ماذا فعلَ؟"
ردت تيا :" لا شيء فقط استرق السمع من باب غرفتي وأنا أغني "
قال فين ضاحكاً :" لا بأس لقد كشف عن مواهبك الدفينة.."
قالت تيا مشيرةً إلى الشارع:" ها قد آتى!"
عاد هاري مبتسما و يداه خلف ظهره .. قالت تيا:" ماذا تحمل في الخلف؟''
أخرج هاري يديه ليكشف عن طوقين من الخيوط ذات اللون الخشبي الجميل.. و في وسطها قلب بني صغير عليه الحرف الأول من اسم كل واحد منهم
أمسكت تيا باللذي عليه حرف 'T' مذهولةً و قالت:" هاري!! إنه جميل جداً جداً .. شكراً جزيلاً "
بينما فين الهادئ كان يتمعَّن بالطوق الخاص به.. ثم رفعَ رأسه و قال:" شكراً لك يا صاح.. لم أحصل بحياتي على شيء رمزي و جميل مثل هذا !"
ابتسم هاري و قال:" ليس عليكم شكري.. بل عليَّ أنا أن أشكركم لوجودكم معي وإعادتي للحياة الطبيعة بدون وحدانية وملل"
ابتسم الاثنان له... و أردف هاري:" هيا علينا الذهاب إلى محل الخضراوات لقد أمرتني السيدة ووكر ببعض الأمور.. لا يجب أن نتأخر .. إنها الثامنة الآن .. و فين لديه عمل عند التاسعة "
أومأ الاثنان وأكلموا طريقهم يتحدثون برهةً و يسود الصمت برهةً اخرى.. وصلوا إلى متجر الخضراوات .. قال هاري :" حسناً أنا سأجمع الذرة .. تيا أجلبي بعض حبات الطماطم و فين أحضر بعض الفيفلة الخضراء"
نفَّذَ الاثنان ما طلبه هاري .. و مرَّة اخرى.. التقوا مجدداً... دفع هاري ثمن الأطعمة وقال هيا:" لنركب العربة"
اوقف هاري إحدى العربات .. ركبَ الثلاثة و أقلَّتهم العربة إلى ملجأ ويروولد خلال بضع دقائق
دخل الثلاثة من الباب الكبير وافترق الثلاثة حيث تواعدوا أن يعاودوا الالتقاء بعد انتهاء عمل فين
دخلت تيا من المدخل الطويل متجهةً إلى غرفة ميس ووكر ... طرقت الباب وأذنت لها ميس ووكر بالدخول... قالت تيا:" ميس ووكر .. أيمكنني النوم حوالي ساعة فقط؟.. إنني متعبة جداً!"
زفرت ميس ووكر و أذنت لها بالنوم .. صعدت تيا إلى غرفتها... بدلت ملابسها وارتدت الملابس الشتوية المنزلية...ما إن استلقت حتى غطَّت في نومٍ عميق..
كان هاري قد بدَّلَ ملابسه و صعد للأعلى... طرقَ باب غرفة تيا بهدوء ...لكن .. لا إجابة
فتح الباب ودخل ببطئ .. ليرى تيا مستلقية على سريرها ... أمعن النظر بها وقال:" يا إلهي! وجهها ملائكي جداً"
°•°•°•°•
💙💙