قصتي مع الجن

146 4 0
                                    

" لم أرهم بعيني .. لكني لمستهم ، وشعرت بهم يلمسون جسدي .. وأستطيع أن أقسم بالله على ذلك "

لازلت مراهقا ساذجا .. وهذا الشارب الأخضر فوق شفتي يثبت لي كلما رأيته أنني لم أعد طفلا كالسابق .. كنت في الصف الثاني الثانوي في أحد مدراس المدينة المنورة .. لطالما بدوت مختلفا عن مراهقي جيلي متعددي الهوايات الكريهة .. هم يكتبون أرقام جوالاتهم في أوراق ويرمونها عند قدمي أول عباءة نسائية يرونها .. هم يتشاجرون لمجرد الشجار .. و الشجار في جيلنا كان أشبه بصراع الديناصورات.. مجرد تدافع ليس له نهاية ولا يتطور.

أما أنا فكانت لي هوايتي الأكثر كراهة ، هويت كل ما يتعلق بالجن والشياطين .. كنت أقرأ كل كتاب غال أو رخيص ينزل في الأسواق عنهم من طراز - الجن بين الحقيقة والخيال - أو - حوار مع جني مسلم - أو أي شيء من هذا القبيل .. أذكر أنني اقتنيت سلسلة شرائط تسجيل دينية مرعبة .. بعضها يتحدث عن السحر، وكيف تصير ساحرا.. وبعضها يتحدث عن الجن ، يصف حياتهم وأشكالهم وقصصهم وأنهم موجودون بالفعل في كل مكان .. وبعض الشرائط كانت تتحدث عن العين والحسد وكيف أن العين الواحدة لها القدرة على هدم عمارة كاملة بما فيها ومن فيها.

قرأت ذات مرة أن المستغرق في مثل هذه الأمور مُعرَّض في النهاية للجنون أو الخبال العقلي وأن تلك الكتب و التسجيلات خطرة جدا لأنها تشكل عنصر جذب للعديد من الحمقى أمثالي.

ظللت أقرأ عنهم وأسمع حتى جاء ذلك اليوم المشئوم عندما أغلقت على نفسي باب غرفتي وبدأت أكلم نفسي - كعادتي - بصوت عال .. تكلمت مع شخصي المتواضع في كل شيء وناقشنا أمورا خطيرة ، وبينما أنا أحدثني إذ أتيت على ذكر موضوع الجان هذا .. وهنا أصبحت أتكلم موجها الكلام لهم - للجان - قلت لهم أنهم أضعف من أن يؤذوني لأنني أعرف كل الأذكار التي تمنعهم حتى من التفكير في مجرد فعل هذا .. طلبت منهم أن يظهروا أنفسهم لي حالا إذا كانوا حقا موجودين في هذه الدنيا .. وظللت أنظر حولي كالأبله منتظرا أن يتفضل علي واحد منهم ويظهر .. لكن شيئا من هذا لم يحدث .. ظللت أواصل الحديث معهم ، ثم أضحك كالمعتوه .. وأضحك وأضحك .. هل جننت؟ أنا أعرف نفسي جيدا .. أنا عاقل و لست من الطراز من البشر الذي يجن .. لكنني كنت مغرورا .. وكاد غروري هذا أن يقتلني رعبا في يوم ما.

كنت أتصنع الشجاعة أمام نفسي .. لكنني كنت أضبطها خائفة - نفسي- عند دخولي الحمام بالذات .. لأنني سمعت أنه غرفة معيشتهم .. ظللت على هذه الحال حتى جاء يوم خرج فيه أهلي كلهم لمكان ما وظللت وحدي في شقتنا الواسعة .. لم يكن الوقت ليلا .. فلسنا في فيلم رعب هنا .. بل كنا في وضح النهار .. دخلت غرفتي وأغلقت الباب علي .. تمددت على السرير وسرحت بعيدا في نقطة اللاشيء .. لم أكن من النوع الذي يستطيع النوم في النهار مهما بذلت في ذلك من جهد .. لكنني في ذلك اليوم شعرت بوعيي ينسل مني داخلا بي إلى عالم الأحلام .. جفناي يتثاقلان وينغلقان تدريجيا حتى يطبقان على بعضهما .. لم أكن مرهقا .. لكنني نمت بلا سبب واضح .. ثم فهمت كل شيء عندما استيقظت.

قصتي مع الجن حيث تعيش القصص. اكتشف الآن