1_عشية الحرب (2)

43 1 0
                                    

قبل ان أبدء عليكم العودة وقراءة البارت السابق لتكتمل الاحداث وتربط مع بعض😉✌.

فلنبدأ....

وقبل أن نقسو في الحكم عليهم، علينا أن نتذكر الدمار الوحشي الكامل الذي ألحقته
أجناسنا ليس فقط بالحيوانات — مثل ثيران البيسون وطيور الدودو المندثرة — بل
أُزيل التسمانيون — بالرغم من تشابههم مع البشر — من الوجود تماما في حرب إبادة شنَّها المهاجرون الاوربيون على مدار خمسين عاماً.
ُ. هل نحن رُسل رحمةٍ إذن لنبدي تذمرَّاً إذا ما شن المريخيون علينا حربًا للغاية نفسها؟
ُّ يبدو أن سكان المريخ قد أعدوا حسابات غزوهم بدقة مذهلة — فمن الواضح أنهم
متفوقون علينا كثيراً في علم الرياضيات — وأنهم أعدوا العدة بإجماع تام. لو أسعفَنا
ما لدينا من معدات، لربما رصدنا منذ أن كنا في القرن التاسع عشر النائبة التي توشك
أن تحل بنا. شاهد بشر أمثال الفلكي سكياباريللي الكوكب الأحمر — إنه لأمر غريب
ً بالمناسبة أن يظل كوكب المريخ على مدار قرون عديدة رمزا للحرب — لكنهم أخفقوا
في تفسير الظهور والاختفاء المتعاقب للعلامات التي خططها المريخيون بإتقان بالغ. من
المؤكد أن المريخيين كانوا يعدون العدة طوال ذلك الوقت.أثناء اقتراب المريخ من الأرض عام ١٨٩٤ شوهد ضوء هائل فوق الجزء المضاء
ً من قرص الكوكب؛ أولا في «مرصد ليك»، ثم على يد بريُّوتني من «مرصد نيس»، ثم من
ِ تلاهما من الراصدين الآخرين. علم القراء البريطانيون بهذا الأمر للمرة الأولى من مجلة
ُ «نيتشر» في عددها الصادر في الثاني من شهر أغسطس. أجدني ميَّالاً إلى الاعتقاد في أن
هذا الوهج كان إطلاق المدفع الضخم — داخل الحفرة الفسيحة الغائرة في كوكبهم —
الذي أطلقت منه طلقاتهم صوبنا. شوهدت علامات غريبة — مستعصية على التفسير
— قرب موقع ذلك الانفجار في الاقترابين التاليين للمريخ من الأرض.
هبَّت العاصفة علينا منذ ست سنوات الآن. فمع دنُو المريخ من الأرض، بعث لافيل
من مرصد «جافا» برقيات تحدث فيها عن الأخبار المذهلة الخاصة بتدفق كميات هائلة
من غاز متوهج على سطح الكوكب. حدث ذلك قرب منتصف الليل في اليوم الثاني عشر
من الشهر، ورصد المنظار الطيفي الذي هرع إليه على الفور كتلة من غاز متوهج —
هيدروجني في الأغلب — تتحرك بسرعة هائلة نحو كوكب الأرض. اختفت تلك الكتلة
النارية نحو الساعة الثانية عشرة والربع. وقد شبَّهها بهبَّة لهب مهولة انبجست فجأة
وبقوة من الكوكب؛ «مثلما تنبعث الغازات المتوهجة من المدافع.»
ُ وقد أثبتت هذه العبارة دقة فريدة من نوعها فيما بعد. غير أن صحف اليوم التالي
خلت من الحديث عن هذا الأمر باستثناء تعليق موجز في صحيفة «ديلي تليجراف»،ومضى العالم في طريقه جاهلا بأحد أسوأ المخاطر التي تهدد الجنس البشري. ربما لم
أكن لأسمع عن الانفجار مطلقًا لولا أني التقيت أوجيلفي — عالم الفلك المعروف — في
«أوترشو». كان يشعر بإثارة بالغة إزاء هذه الأنباء، ووسط فرط إثارته دعاني إلى جولة
معه تلك الليلة لإلقاء نظرة عن كثب على الكوكب الأحمر.
ورغم كل ما حدث منذ ذلك الحين، فلا أزال أذكر تلك الليلة بوضوح شديد؛ المرصد
الساكن المعتم، والمصباح الذي يلقي ضوءًا خافتًا على الأرض في الزاوية، والدقات المنتظمة
لآلة ضبط التلسكوب، والشق الصغير في السقف ... شق عميق مستطيل يتخلله الغبار
النجمي. تحرك أوجيلفي في المكان دون أن أراه لكني سمعت صوته. عندما نظرت من
التلسكوب، رأيت دائرة من الزرقة القاتمة والكوكب المستدير الصغيى يسبح في الفضاء.
ً بدا جسماً ضئيلا، بالغ السطوع والصغر والسكون، تظهر عليه خطوط عرضية باهتة،
ومستوياً قليلا في المنتصف. لكن بقدر ما كان صغيراً، بقدر ما كان متوهجا. بدا وكأنه
كان يرتجف، لكن الحقيقة أن التلسكوب هو الذي كان يهتز بفعل حركة آلة الضبط
التي كانت تبقي الكوكب في مجال الرؤية.
وبينما كنت أشاهد بدا أن الكوكب يكبر ويصغر، وأنه يتمدد وينحسر، لكن غاية
ما هنالك أن عيني كانتا مجهدتين. كان الكوكب على بعد أربعين مليون ميل منا؛ أكثر
من أربعين مليون ميل من الفراغ. قليلون من البشر يدركون ضخامة الفراغ الذي يسبح
فيه غبار العالم المادي.
أذكر أني رأيت بالقرب منه ثلاث نقاط باهتة من الضوء؛ ثلاث نجمات ضئيلة
على مسافة شاسعة، وفي كل مكان حوله ينتشر الظلام الذي لا يُسبر غوره والذي يميز الفضاء الخالي
ُ. تعلم كيف يبدو هذا الظلام في ليلة صقَعة تضيئها النجوم؟ إنه يبدو أكثر
عمقًا عند النظر إليه باستخدام التلسكوب. ثم ظهر «الشيء» الذي كانوا يرسلونه إلينا؛
الشيء الذي من المفترض أن يجلب لسكان الأرض الكثير من الصراع والنكبات والموت. لم
أره بوضوح بسبب بعده وصغره الهائلين، لكنه كان يطير بسرعة وثبات نحوي عبر تلك
المسافة الشاسعة ليقترب بمعدل عدة آلاف من الأميال كل دقيقة. لم يسبق لي قط أن
تخيلته على هذه الصورة وقتها، بل لم يكن لأحد على وجه الأرض أن يتخيل تلك القذيفة التي لا تخطئ وجهتها.

حرب العوالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن