عادة سيئة

64 9 13
                                    

لم أكترث في وقتً من الأوقات للناس من حولي، كانت الأمور التي تجذبني هي فقط تلك التي تخصني و تعنيني مباشرة.
الأشخاص من حولي كانوا عبارة عن أجزاء من الحياة و أمور تمُرُّ مسرعةً في ذاكرتي فتنسى بمرور الوقت.

لكن ما حدث معي في تلك المكتبة كان شيئاً غريباً بحق.

إلى الآن و أنا على فراشي لم تغب تلك الملامح الملاذكية عن ناظري، كانت صورتها تصدح في ذاكرتي و تشوّش على أي شيءٍ سِواها.

لقد كان البدر المكتمل من ليالي ديسمبر الباردة دافئاً كفايةً كوجه تلك الفتاة ، مؤنساً ليلي الوحيد و باعثاً بالدفء في فراشي الذي جمدته الأيام.

بعد كلام جورج عن تلك الفتاة و وصفها بـ”الملاك” أصبح لدي الفضول لأتعرف عليها.

تقرّر الأمر..
غداً سأذهب إلى المكتبة علّي أجدها هناك.
ولكن، هل هي تذهب لهناك باستمرار!؟
صحيحٌ أنّني أذهب لهناك دائماً، لكني أبداً لم أكن أعير أي أحدٍ أو أي شيءٍ من حولي.
كما قال جورج فعلاً.. أنا لا أعطي للأشياء أهميةً من حولي.
لقائي بتلك الفتاة وضع الضوء على هذه الصفة لدي
.
نعم، هناك أمور تستحق للإلتفات لها من وقتٍ لآخر.
هل كان الأمر هكذا دائماً!؟ 

أظنُّ ذلك.
.............
في صباح اليوم التالي استيقظت باكراً كعادتي، و ذهبت لأغسل وجهي.

خرجتُ من الحمام فرأيت الفطور موضوعاً على الطاولة.
أظنّ أنّ جورج فعل ذلك، و لكن هذه ليست عادته، دايماً ما أفتعل شجاراً حتى يستيقظ.
نظرت إلى الطاولة و التقطتُ ورقة مكتوبٌ عليها:

أنا ذاهبٌ لزيارة عائلتي ..
نسيتُ أن أُخبرك أنّ أختي رزقت بمولودٍ جديد ألبارحة
سيسمونه جورج.. بالطبع سيكون رائعاً مثلي
جهّزتُ لك الفطور لأني أعرف أنك ستذهب من دون أن تتأكل.

                                 زوجتك المخلصة ”جورج” لول

ابتسمتُ لتلك الرسالة الحمقاء من أكبر و أروع أحمقٍ عرفته.
حسناً، لا أتوقع أنّ حتى زوجتي ستعاملني هكذا.
تناولتُ فطوري و وضبتُ الطاولة و غادرتُ الشقة مباشرةً.

توجهتُ لحضور المحاضرة الأولى و الوحيدة لي اليوم من حسن حظي طبعاً.
لقد كانت مملة و طويلة لسببٍ ما..
انتهت المحاضرة و خرجتُ متجهاً إلى المكتبة.
دخلتُ بهدوءٍ للمكان المقدس بالنسبة لي، و الذي أعتبره جنّتي.
تنقلتْ عيناي بأرجاء المكتبة متنياً أن أجدها في زاوية من زوايا المكتبة الفسيحة.
لم أجدها.. يبدو أنها لم تأتي اليوم..
و لكن حقاً.. لما أنا مهتم بأن تكون هنا أصلاً!؟
حسناً يبدو أنّني سأذهب لأكمل قراءة كتاب ”بوابة العشق” الذي بدأتُ به البارحة.
تناولته من الرف، و حلستُ على طاولتي المعتادة.
فتحت الصف حيث وقفت آخر مرة عن القراءة..

“باب الحياة”
“إن تأثرت في الحياة بحلوها و مرّها ج، فأنت عاشقٌ لها”
“عشق الحياة سيعطيك الدافع للمبادرة و الإبداع و المقاتلة على الفرص”
“أنت تستيقظ كل صباح و تبدأ بالعمل و تبذل كلّ جهدك لتحقيق حلمك”
“هذا هو عشق الحياة”
“الحياة و في جزءها الأكبر تحمل عذاباً لك”
“سيعصتر قلبك ألماً، و تنزف عيونك دمعاً و دماً”
“و تغرق مختنقاً ببحر الآلام”
“و ستُنسى حتى الموت”
“و سيعتزلك الفرح و يصادقك الحزن كرفيق قديمٍ و مخلص”
“ولكن”
“أتعلم!؟ أنّ كل هذا يختفي بمجرد ابتسامة من تلك السعدة”
“إنها دافئة، جميلة، و ساحرة”
“بمجرد عناقٍ منها ستنسى كل شيء”
“الألم، الحزن، الدموع، و كل شيء يُدمي القلب”

أغمضتُ عيناي و استنشقتُ هذه الكلمات لتسكن في صدري و للأبد..
فتحتهما ببطءٍ ليترائى أمامي ظل الملاك الذي كنت أنتظره.

اقتربتْ من مكان جلوسي.
قالت بصوتها الناعم الموسيقي: لقد أنهيتُ قرائته.
كان في يديها كتاب ”ما بين الجحيم و الجنّة” الكتاب الذي أخذته حين كنتُ إريد قراءته.
(سأتذكر في ما بعد أن أشكر هذا الكتاب).

أعتذرُ منك لأني أخذتُه منك و أنت كنتَ تَهمُّ بقراءته.
أنهتْ كلامها خافضةً رأسها معتذرة.

نهظت من على كرسيّ و قلت لها: لا عليكِ، الأمر لا يستحق الاعتذار.

رفعت رأسها فتدلت خصلة من شعرها على عينيها، فأرجعتها إلى الوراء مبتسمة.
و مدّتْ قائلةً: إسمي هو سوزي.

مددتُ يدي و صافحت يدها الحريرية الناعمة الباردة كقطعة من الثلج الأبيض النقي .

أحسستُ أنَّ  الدنيا توقفتْ للحظات على يدينا، و لم تعود للدوران إلا حين مرّ صوتها كاسراً الصمت كريح ربيعية حانية تُضفي على القلب الشعور بالسكينة قائلةً: أنا آتي إلى هنا دائماً، و لطالما كنتَ موجوداً هنا في مكان ما.
و تابَعتْ بابتسامة مشرقة: لكن أشكُّ أنَّك كنتَ تشعر بأحدٍ من حولك.

أجبتها مبتسماً : لا أشعر بأي شيء من حولي عندما أبدأ بالقراءة،إنها عادةٌ سيئة لدي.

(لكن ليس بعد الآن)...

يتبع...

حُب، سعادة، حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن