لقاءٌ مُخْتَصر

71 10 10
                                    

هلْ شعرتَ يوماً أنّكَ تطيرُ في سماءِ اللّه الواسعة!؟ و أَنّكَ تَلْمَسُ الغيومَ بأناملكْ!؟

لقد كانتْ لحظاتِ الحديثِ مع تِلكَ الفتاةْ أشبهُ بذاكَ الشعورِ حقّّاً بالنسبةِ لي..
لقد سرقتْ إهتمامي و ناظريّ، و استحلَّتْ المكانَ أمامي بسلطانِ حُضُورِها، و الذي كانتْ تَبْسِطُهُ على المكانِ الذي يَعِجُّ بالأشخاصِ المنْسِيّينَ كتلكَ الكُتُبِ المهْجورةِ تحتَ أطنانِ الغبار.

هكذا تسيرُ الأمورُ عادةً..
أُناسٌ يعْبُرونَ  كظلالٍ  مشوَّهينَ في ذاكِرتنا لا ندري ما هيَ أسمائَهمْ..
أو يمرُّنَ  كرياحٍ صيفيّةٍ لا نَشعرُ متى أتتْ أو كيفَ كانتْ و كيفَ رَحلَتْ..

و أناسٌ يحفرونَ مكانَهُمْ في عقولِنا و قلوبنا كنهرٍ يَشُقُّ مجراهُ عابراً إلى بحْرِ الذكرياتِ العميق، تارِكينَ ورائَهمْ الدموع و ربما الابتسامات..

لا أدري إن كنتُ من هؤلاء أم من هؤلاء، أو بالأحرى لم أكنْ مهتمّاً بذلكَ.
............
تحدّثنا مطولاً عن بعض الكتبِ التي قرأناها..
كان هذا أفضلَ شيءٍ أستطيعُ التحدّثَ به مع أحد..
هو ميداني المفضَّل بعدَ كلِّ شيء..
أنْهَتْ كلامها -الذي لمْ أُرِدْ أنْ ينتهي- بسؤالٍ بابتسامتها المشرقة:
أصبحنا أصدقاء!؟...

بالطبع!!
جاوبْتُها بانفعالٍ زائدٍ فَرحاً.. بدا ملامِحَهُ على محيّاها المُبتَسِم إثرَ ردّةِ فعلي تلك..
أشحتُ نظري عنها مُتَدارِكاً الأمرَ قائلاً: أصدقاءُ الكُتُبِ هُم أصدقائي بكلِّ تأكيد.
رََّتْ بابتسامةٍ لسماعِها كلماتي..
سُرِرْتُ بعرفتِك آدم..
و أنا كذلك..
(و أكثَرُ منْ ذلكَ أيضاً)..

بعدَ أنْ أنهَيْنَا حديثَنا بالكلماتِ الروتينيةِ الرتيبة، غادرتْ سوزي المكتبةَ و لوّحتْ لي مودِّّعةً عند بابِها.
هذا اللقاءُ القصير فتحَ عينايَ على عيوبٍ لمْ أكنْ أرَاها من قبل فيّ.

إنَّ الأمورَ  التي تحدثُ مِن حولِك -صغيرةً كانتْ أم كبيرة- كفيلةٌ على أنْ تغيرَ الكثيرَ في حياتِك.
لعلّي لمْ أؤمن بهذا الكلام سابقاً و لكن ما حدثَ معي و ما سيحدُثْ أثناء سردي لقصتي هذه غيَّرَ معتقَدي هذا تماماً.

جلستُ على كرسيَّ الذي انتفضتُ منهُ كالمجنونِ العاقلِ سابقاً، و أخذتُ أبدأُ بالقراءةِ من جديد.

أين وصلتْ!؟ أه.. هنا..

أين ما كُنتَ في هذا العالم.. وعشقتَ هذهِ الحياة”
“فأنتَ تتشاركُ مع الكثيرينَ في هذا العالم بعشْقِها”
“و لكن عليكَ أنْ تَسْألَ نفسك.. هلْ ستَحتَمِل أشخاصاً يشاركونكْ بِها؟”
“هلْ ستحتملُ الأشخاصَ الذين يريدونَ لك الفشلَ، و يترقبونَ أي فرصةٍ لسقوطك؟”
“هلْ ستحتملُ أولائكَ الأشخاصَ الذين لا يفعلون شيئاً إلّا إحباطك؟”
“هلْ ستحتملُ من يريدُ قتلَ أحلامكَ في مهدِها؟”
“هلْ تستطيع تحمّلَ كلِّ هذهِ المصاعب؟”
“لأكونَ صريحاً.. فأنتَ ستتقبّلُ و تحتملُ كلَّ هذا و رغماً عنْك”
“ستسألُ لما!؟ لما عليّ تحمّلَ كلّ هذا؟”
“الجوابُ بسيطٌ جداً.. لأنَّك عشقتَ هذه الحياة”
“و كلّ عشقٍ ينبغي عليكَ تخطِّي مصاعبه”
“و لأنّك تريدُ الأفضل.. لأنّك تتوقُ للتحليقِ بعيداً بأحلامِك”
“لأنَّكَ تريدُ النجاح.. لأنَّكَ تريد الفوز.. لأنَّكَ تريد أنْ تغدو الأفضل”
“و لأنَّك تريدُ كلَّ هذا.. ستتخطّى كلَّ المصاعبَ مهما كانت”
“عِش حياتَكَ كاملة و بكلِّ تفاصيلها.. و كُنْ راضياً عن نفسِكَ و عنها”
“و صدِّقني ستكونُ على ما يرام”

شعرتُ بثِقلِ هذهِ الكلماتِ علي، و تنفّسْتُ بعمقٍ بعد أن أغلقْتُ الكتاب بنيّة إكمالهِ لاحقاً..

غادرْتُ المكتبة و توجهْتُ فوراً إلى قاعةِ المحاضرات.
مرّتْ المحاضراتِ سريعاً و انتهى معها يومي العاديّ لولا ذاكَ اللقاء.
عدْتُ إلى الشُّقةِ وضعتُ كتبي و بدّلتُ ملابسي و أعددْتُ الوجبة التي أحضرْتُها من مَقصفِ الجامعة.
أنهيتُ طعامي و بدأتُ بدراسة و مراجعةِ المحاضراتِ التي أخذتها اليوم.
حاولْتُ التركيز على الدراسة، و لكن كانَ هناكَ شيءٌ واحدٌ في ذهني:
(سأَذْهَبُ إلى المكْتبةِ غداً)...

يُتبع....

حُب، سعادة، حياةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن