تبقى الليالي ساكنةً حتى يأتي ذلكَ الحلمَ و يذبحُ هدوءَ الليلِ الغامرِ بسكّينةٍ منَ الفوضى العارمةِ التي تعمُّ أرجاءَ العقلَ،
مبعثرةً كلَّ أوراقَ المنطقِ و كاسرةً ركائزَ التفكيرِ السليم..دائماً ما نبني الحبَّ على بعضِ الكلماتِ الجميلةِ و الرقيقة.. و لكن الحبُّ أسمى من ذلكَ بكثيرْ.
هو شعورٌ يتخطَّى الزمانَ ، يعبرُ حدودَ المكان، و يخترقُ جميعَ الحواجزَ ضارباً بالمنطِقِ عرضَ الحائط.
مهما كانَ تعريفنا للحبِ، و مهما اختلفْنا بمعناه..
هناك شيءٌ واحدٌ نتفق فيه ..”حلاوةُ الحبّ”..ما كنتُ لأفهمَ ما معنى كلماتِ جدي حينَ أخبرني بها ردّاً على سؤالي ”ما هو الحبُّ جدي!؟”
ولكن و لسببٍ ما بدأتُ أستشعرُ معناها.......
.......................
تأخرٍتُ -و على غيرِ عادتي- بالذهابِ للنوم في تلكَ الليلة..
لقد كانَ التفكيرِ يأخذني بعيداً إلى ما وارءِ ذالكَ الثوبِ الأسودِ و يعيدني إلى مكاني الهادئِ و الرتيب على فراشي الدافئِ كما لمْ أعهدهُ يوماً..
غططْتُ في نومٍ عميقٍ و لم استيقظْ إلّا على صوتٍ يناديني..قُم.. قُمْ أيها الكسول.. منذ متى و أنتَ تنامُ إلى هذا الوقت..؟؟
آدم!! هل تسمعني!؟ استيقظْ.. لقد تأخرْتَ غلى محاضرتِكَ الأولى ..فتحتُ عيني ببطءٍ و كأنّ أجفاني التصقتْ ببعضهما البعض..
هذا أنت يا جورج؟جورج: ومن غيري؟ أم أنّكَ تنتظر فتاةً ما؟؟
أجبرني هذا على الضحك.. و قلت متثاقلاً: لقد عدْتَ إذاً!!؟
جورج: نعم لقد كان شيئاً مُمِلاً يا رجل..
لكن.. أتعلم!! ذلكَ الطفلُ كان غايةً في الجمال..
كلُّ شيءٍ فيه صغير و لطيف..
يا إلهي.. ما أجمله!!كان يقول هذه الكلمات و هو سعيدٌ للغاية .. كان منفعلاً و كأنهُ أبٌ لذاكَ الطفل..
(حسناً... أنا أتفهمهُ كثيراً لطالما كانَ يحبُّ الأطفالَ أشدَّ الحب)جورج: و الآن، قُلّ.. لما أنتَ متأخرٌ اليوم!؟ هل أنتَ مريضٌ أو ما شابه؟!
لا، لستُ مريضاً...
الأمرُ هو أنّني تأخرتُ حتى نمت...نظرَ إليَّ مُبتسماً بخُبث و قال: يبدو أنّ أحدَهم في ورطةً ما .. هل الأمرُ يخصُّ تلكَ الفتاة ”سوزي” !؟
تنهدْتُ مُتململاً من كلامهِ ذاك..
حسناً، إنَّ الأمر يتعلقُ بها بطريقةٍ أو بأخرى..جورج بعيونٍّ لامعة متلهفاً لبقيةِ الحديث: و ما الأمر !؟
لا أدري من أينَ أبدأ حقاً... ربما لأنَّني لا أفهمُ حقيقةَ ما يحدثُ معي..
كلُّ ما أعرِفهُ أنّي أريد رؤيتَها مجدداً و الحديثَ معها مطوّلاً، لا يهمُّ الحديث أياً كان.. فقط أريدُ تأمّل ذاك الوجه..
و السفرُ بعيداً في مروجِ تلكَ العيونُ الخضراء...نظرْتُ إلى جوج الذي كانت تملأُ وجهَهُ علاماتِ الاستغراب وِ التعجب..
معه حق.. حتى أنا كنتُ مُستغرباً مما أقول..جورج: هذا أمرٌ جميل!!. لمْ أصدقْ أنّك قد تتكلم في يومٍ من الأيامِ ستتكلمُ عن فتاةٍ بهذا الشكل..
ليسَ و كأنَّ الأمرَ بيدي...
لا أدري حقاً...
لماذا!!؟ و كيف!؟جورج: أكمل.. أودُّ أن أسمع كلَّ شيءٍ منك..
سأخبركَ بكلِّ شيء.. و لكن بعدَ أن تعدَ لنا الفطور..
جورج و متحمساً كالطفل: خمسُ دقائقَ و يكون الطعام جاهزاً.. إذهب أنت و اغسلْ وجهكَ و غير ملابسكَ و استعدْ..
على كلٍّ لن تستطيع اللحاق بالمحاضرة الأولى..معكَ حق.. سأذهبُ إلى الحمّام...
غسلتُ وجهي و بدّلتُ ملابسي و إذا بجورج قد أعدَّ الفطورَ و المائدة على الفور..
أنهينا طعامنا و وضبنا المائدة كالعادة.. و جلسْنا نتحدث..
كانَ جورج مُحملقاً بي مُتتبعاً انفعلاتِ وجهي أثناءَ الحديث.. كانَ مُذعِناً لكلِّ حرف قلْتُهُ و مُستلهماً لكلّ الحروفٍ التي لمْ أستطعْ إخراجها..
أنهيتُ كلامي بابتسامة على محيّاي قائلاً: و منذُ ذلكَ الحين.. أدمنْتُ المكتبةَ أكثر، و أصبحْتُ أتمتَّعُ أكثرَ بتفاصيلها الصغيرة..اختلطَ وجهُ جورج بعلاماتِ السعادةِ و الدهشةِ.. كنتُ أستطيعُ التنبأَ بكميةِ الأسئلةِ التي سينهالُ بها علي..
و لكن شفاههُ كانت منطبقةً تماماً مع ابتسامةٍ عريضة..تنهدَ قاطعاً صمتَ اللحظاتِ و قال: حسناً، لدينا أخبارٌ جديدة اليوم..
جورج: لا أستطيعُ أن أخبركَ بشيء.. أعطِ الفرصَ وقتها و انعمْ بهذا الهدوءِ الآني..
وشيءٌ آخر.. إذهبْ كلَّ يومٍ إلى المكتبة...انصرفَ جورج بعدَ هذه الكلمات.. تاركاً إيايَ بِحيرةٍ من أمري..
أكانَ هذا جورج حقاً!!؟ لم يثرثر كعادته.. هناكَ شيءٌ غريب..
و الآنَ عليَّ المغادرةُ أنا أيضاً ستبدأُ المحاضرةَ بعدَ ربعِ ساعةٍ منَ الآن..وصلتُ إلى قاعةِ المحاضراتِ قبل وصولِ البروفيسور بقليل.. جلستُ في مكاني المعتاد..
و بدأ البروفيسور المحاضرةَ بعدَ التحية..
انتهتِ المحاضرة التي كان يملؤها التثاؤبُ من كلّ الطلّاب الشاعرينَ بالملل منها.. على عكسي أنا الجالسُ مستمتعاً لها..
خرجتُ من القاعةِ بعدَ خروجِ البروفيسور..
و انطلقتُ لوجهتي المعتادة.. إلى المكتبة..
دخلتُ من بابِها الخشبيِّ الواسعِ الذي تزيّنهُ زخارِفَ هندسيةً محفورةً بإتقانٍ على طولِ البابِ و عرضِه.. يتوسطُهُ قبضةً نحاسيةً كرويةَ الشكل في منتصفها فتحةٌ صغيرةٌ للمفتاحِ الخاصِ به..
ألقيتُ التحيةَ على مُشرفِ المكتبة.. و مشيتُ في الممرِّ الطويلِ بين الكتبِ التي تحتضنني من كلِّ جانب..
الرفوفُ الخشبية.. اللوحات الكتابية.. الإضاءة، و الصوت كان كلّ شيءٍ جميلٍ أكثر من أي وقتٍ مضى..
نظرتُ للمقاعد الفارغةِ إلا من بضعة أشخاصٍ غارقينَ بعالمهم بين الحروفِ و الورق..
لمْ تكنْ موجودةً هناك.. ما عليَّ فعلهُ الآنَ هو الإنتظار..
سأنتظرُها بين السطورِ..
“بوّابة العشق” أخذتُ الكتابَ و بدأتُ القراءة حيثُ توقفْت...(ماذا ستخبرني اليوم!!؟)
أنت تقرأ
حُب، سعادة، حياة
Romanceبين أيديكم قصتي.. بين حبٍّ، سعادة و حياة.. سهم حبٍّ أصاب غير مكانه .. سعادة تملأ الدنيا و تلونها... تختصر بينهما معنى الحياة..