صباح جميل، شمس مشرقة و قطرات الندى على أوراق شجرة الصفصاف القديمة. من نافذة مطلة على تلك الشجرة أخذت أشاهد ذلك العصفور الذي عاد الى عشه ليطعم صغاره و أصوات الزقزقة الجميلة. كم وددت أن أعيش حياة ذلك العصفور الحر و لو ليوم واحد بعيدا عن مرضي و متاعب الحياه. جاء الليل، نمت و أنا أفكر بذلك العصفور أمام نافذة غرفتي ، التي لم أفارقها منذ سنين لعجزي و مرضي. أيقضني صوت العصافير الصغار " أبي... أبي" , فتحت عيني بإستغراب لما سمعت نظرت إلى الأسفل، إذ بالكتاكيت تحت جناحي، تسألني عن الطعام. طرت فزعا من هذا المشهد .
''إني أطير ... إني أطير آه، يا لهذا الحلم'' ، قلتها و أنا أحوم بالسماء، لم تطيل الفرحة لإصطدمي بالغصن وكان الامر موجعا .علمت ان خطب ما حدث لي فتحولت إلى عصفور .
توقفت عن الكلام أخذتني غريزة العصفور لتبدأ متاعبي نحو إيجاد طعام لهؤلاء العصافير الصغار. في لحظة وجعي و فرحي أخذت بحذر النظر مما حولي، محاولا ايجاد طعام أستطيع العودة بها إلى العش. "غريزتي آه غريزتي!!! " . شدني نظري إلى شجرة عليها حشرة , إنسانيتي تبعدني عنها ولكن إحساس العصفور أمرني بالإنقضاض على تلك الحشرة كأنه كابوس بالنسبة لي .
إندفع جسد العصفور كالأسد نحو الفريسة, إنتهى المطاف بالحشرة هاربة مني , يالخيبة الأمل.
عقدت العزم على الحصول على أي شيء لإطعام تلك الصغار لكن دون جدوى، "كأنسان لم أستطع العيش والمساعدة وها أنا طير ولا أقوى على عمل شيء، ياربي ساعدني". يركلني سنجاب لأنزعاجه لصوت نحيبي وبكائي. أخبرني أني طائر بري يجب أن لا أتصرف هكذا.
أخذ ينسيني مهمتي لكثرة ثرثرته في تلك الساعة. "يجب أن أذهب فقد سمعت الكثير من النصائح منك,نتحدث فيمابعد, شكرا على المحادثة'' . انهيت كلامي معه وأكملت طريقي أسابق الريح وأعبر الحدائق والمتنزهات بحثا عن وجبة لأسد رمق وجوع تلك الكتاكيت .
طرت والرياح تهب مباشرة إضطررت أن أتوقف عن ما أنا مقدم عليه حتى تخف تلك الريح. إنتهى بي المطاف حاط بجسد العصفور على شباك غرفة، "غرفتي!!! ذلك الرجل العجوز , أنا راقد هناك ?" .قلتها والأستغراب في وجهي على ما رأيت. دخلت زوجتي من الباب ثم قبلت جبين ذلك الجسد، كلمة واحدة أثرت بي قالتها وهي تبكي "افتقدك" . أيقنت إني في غيبوبة. قلبي أخذ يخفق بشدة عندما لمحتني زوجتي , نظرت مباشرة إلي ، حزنت لعدم إستطاعتي قول "أنا هنا ,لاتقلقي يازوجتي العزيزة".
أخذتني العبرة والبكاء ينزل كهطول المطر في فصل الخريف.
طرت وفي فكري شي واحد يجب أن أنهي هذا اليوم و أساعد أولائك الصغار , عسى ربي يرجعني إلى ذلك الجسد أو أن أتحرر من هذا العالم المادي، لتحضن روحي ذراعي الخالق مليئة بالدفئ والحنان. إنطلقت خاطفا بعيدا عن تلك النافذة متوجها صوب مصيري. شيئا فشيئ أخذ تفكيري ينصب نحو إيجاد الطعام لتلك الصغار , أبحث من هنا وهناك عن الطعام .
مرات عديدة آتي بالطعام لهم و يا لهذا الشعور الجميل. " توقفوا عن الصراخ... هؤلاء الصغار لاتسكت منادية بماقير وأفواه جائعة، طعام.. طعام.. المزيد.. المزيد..." . إن التعب والوهن غطى جناحي لكن السعادة تغمرني لرؤية تلك العصافير الصغيرة وهي تأكل تلك دودة التي سحبتها من التفاحة بالقرب من سلة المهملات بحديقة المتنزه العامة ، أيضا تلك الحشرة التي شاهدتها، خدعتني للوهلة الأولى لتمويها بالاختباء بجذع شجرة المطاط القديمة, مواقف مضحكة أيضا زالت تعبي أجملها، العلكة التي إلتصقت بشعر كلب و تبرزت على رأس جاري الذي لم أراه منذ خمس سنين لازال كعادته يصرخ على إمراته رغم كبر سنه. أمور جميلة قد بينت لي كيف إن الإنسان هو الذي يجعل حياته لا تطاق .
"سمعت صوت صافرة إسعاف... وقفت السيارة بالقرب من بيتي ".
ليتني أعرف ما السبب, طرت من العش نحو النافذة و إذ بالأسعاف يحاولون أنقاذ ذلك الجسد , إنقاذي من غيبوبتي . في تلك اللحظة جاءت زوجتي فتحت الباب و الدموع تنهمر لسماعهم بحالة زوجها الخطرة . همت صوب النافذة فاتحة إياها و أخذت بالبكاء و الدعاء من الخالق ليساعد ذلك الجسد ليشفى مما اصابه.
أيقنت حبها و رغبتها , وجهت رأسي نحو السماء مناديا بأعلى صوت نداء طلب العفو والمغفرة . " أنت ربي عالم بكل شي موزع الأرزاق و واهب الحياه . تحيي من تشاء و تميت من تشاء. كل شي عندك بميزان و ما كان طلبي إلا أن أعيش حياة هذا العصفور , أستغفرك ربي و أدعو منك العفو و إرجاعي إلى ذلك الجسد الفاني".
ضياء أسطع من الشمس يتوجهج بعيني و إذ بثانية واحدة أفتح عيني المتعبتين و قناع الأوكسجين مثبت في وجهي , رفعت يدي كي أخبر زوجتي إني حي .
بعد الحضن الكبير لعودتي إلى وضعي الطبيعي , منحني ربي الصحة و عشت عشرة سنين بعدها , سخرت نفسي لمساعدة الطيور , محمية الطيور الطبيعية لازالت قائمة حتى الآن.
ملاحظة : تحتفل المحمية بعيدها 120 الكل سعيد. تتوسط المحمية تمثال يخلد العمل الذي قمت به و العصفور على كتفي.
أنت تقرأ
يوم في حياة عصفور
Fantasiaقصة رجل عاجز إستفاق في الصباح، ليجد نفسه يعيش حياة عصفور ليوم واحد. التجربة أثرتْ على حياته ......... أستمتع بالقراءة.