عند عينون:
قد توقفت عينون عن أي مجهود، فما دخل قلبها من عواطف كانت منسيّة وما لامس روحها كان أكثر مما تستطيع أن تقاوم، لقد أعياها ذلك وأضعفها لم تعد لها القدرة حتى على الوقوف، استلقت الفتاة المسكينة مستسلمة جدا، في حال سلام بائس، في صمت مذهول مسلمة أمرها للواقع، لقد تقبلت واقعها بحذافيره، إنها الآن تجدد روحها، هل تعيش هكذا أم تبدأ من جديد هذه المرة لا صعود، هذه المرة إن قررت ببذل أي مجهود جديد لن تحاول أن تقوم بأي فعل للوصول إلى السماء، ثم إن ذلك غير منطقي الآن وقد عاد لها رشدها.
تقيّم حالها وتحدث نفسها: أي إنسانٍ هذا الذي يحاول الصعود إلى السماء ما الذي كنت أحاول أن أجنيه ما الذي كنت أريد الوصول إليه، هل كنت أريد أن أقفز خارجا ثم كيف سأقفز من السماء إنها سماءٌ لا حائطَ أو سقفٌ به فتحة!! ثم ما هذا الغباء منذ متى وهناك ثقب ما في السماء، هنا نطت جالسة، آه ثقب، لقد تذكرت فقالت: إنها مجرد سقف لقد كانت في وقت ما مجرد سقف قبيح لا أتحمل النظر إليه وبه ثقب، نعم به ثقب لقد كان سقفا مهترئا يتسرب منه الماء من كل جانب عندما يتساقط المطر، ولكن كان به ثقب كبير يصب الماء صبا، عينون هنا اصفرت عينون هنا.....، هناك ثقب كبير وهو سقف وليس سماء، وهذا حقيقي متى نسيت هذا متى أصبح القبح سماءً جميلة.
تقول عينون هامسة لنفسها: هناك ثقب في السماء، وهناك باب يجب علي أن أجده، أين الرجل أريد أن أراه ، أريد أن أخبره نعم هناك باب أريد أن أجيبه نعم هناك باب.
عند المخلوقات:
المخلوقات لا تزال بذات الحال تحدق في عينون، وتسير باتجاهها ولكن وطالما أن عينون تفكر وتبكي ويبدو عليها أن قلبها يعتصر، فهذا يعني أنها لم تسر بعيدًا عن المخلوقات، وهذا يعني أنهم يسيرون ويسيرون وسوف يصلون لأنها لا تبتعد، لقد كانت مشغولة جدا وغاطسة بالتفكير لدرجة نسيت أن تسير بالاتجاه المعاكس لهم كما تعودت، والآن وبعد ساعات المخلوقات على وشك الوصول إليها، انهم على بعد خطوات بمفهوم الغرفة، إن هذا الأمر قد أربكهم جدا فهم لم يروا عينون عن قرب شديد، وحيث ان وظيفتهم التحديق عن مسافة فإن التفاصيل عن قرب سببت موجة كبيرة من الصداع وألم الرأس لديهم.
شرط المسافة المطلوبة والآمنة بينهم وبين عينون غير متوفر، وشرط ابتعاد عينون الدائم لم يتحقق، أعينهم تسكب دما هم الآن غير مبصرين، اقتربت منهم عينون أكثر زاد ألمهم بشكل أكبر، عينون لم تقترب لتزيد ألمهم اقتربت لتحَدثهم، ففجأة عندما انتبهت لقربهم الشديد منها قررت أنها لن تبتعد اليوم بل ستقترب وستجازف وسوف تسألهم وتحدثهم كما فعل الرجل لمَ لم تفكر في هذا من قبل!
ولكنها لاحظت بلبلة بينهم وارتجاجا واهتزازا في تشكيلتهم، حيث أن لهم تشكيلة غريبة يمشون بها باتجاهها دوما وكأنهم مُدرّبون عليها، اليوم فقدوها، وأجسامهم ترتعش وكلما اقتربت من أحدهم سالت عيناه دمًا، فتوقفت عينون، عينون قد اعتادت أن تكون حنونة جدا، تحرك هذا الشعور بداخلها وتذكرت كم كانوا دائما يصفونها بالحنونة هُزؤاً، توقفت عينون على بعد قليل من أحدهم من جانب التشكيلة كي تكون بعيدة من الجانب الآخر على الأقل، وبدأت بالحديث فهدأوا.
قالت: اسمعوا ما أسماؤكم؟؟ لم يجبها أحد، إذا قولوا لي هل تأخذوني معكم إلى بيتكم أريد أن أخفف عنكم تعب التحديق!!
لم يجب أحد، ولكن أحدهم قال بعد برهة: لا بيت لنا نحن نذهب ونعود من هنا إلى هناك، قالت أين هناك؟ أشاروا بأصابعهم إلى مكان خال، قالت وأين تأكلون إذا؟؟ أجابوا: ليس بعيدا عنك.
أدركت أن لا فائدة من هذا الحديث، خطر في بالها أن تسألهم عن الباب، ولكنها تخاف أن يسمع الكاتب كلمة باب، سألتهم إذا لم لا تأتون معي، اقتربوا أكثر فلدي طعام أجمل لم لا تأكلون معي، يمكنكم أن تقوموا بواجب التحديق بينما أطعمكم ما رأيكم؟
ابتسموا ولأول مرة تسير عينون ويسيرون خلفها، شعرت للحظة: إنها الآن تتحكم في حياتها.
وصلت عينون وأخرجت الطعام الجميل وبقيت على مقربة منهم وبذات الوقت بعيدة قليلا كي لا تؤذيهم، وبدأت بتنفيذ خطتها، أولا أمسكت بمجسم البيت آه ما أجمله كم يبدو دافئا، الغرفات فيه جميلة أنظروا هناك أيضا طاولة طعام صغيرة منحوتة بالداخل، مَدّوا رؤوسهم جميعا كي ينظروا مجيبين: نعم نعم قال أحدهم أنظري هنا موز هاهاهاهاها يشبه الموز الذي قدمته لنا.
ضحكت عينون فعلا وقالت نعم نعم كم أتمنى أن يكون لنا غرفة كهذه، ماذا عنكم، أجابوا بشكل عشوائي ضاحكين مستمتعين: نعم نعم إنها غرفة جميلة.
قالت عينون: انظروا وهذا سرير نظروا إلى سريرها نعم إنه يشبهه - واستمرت ضاحكة وكأنها تكتشف أحفورة أو غرفات بمدينة بعمر آلاف السنين قد طماها الزمن- وهناك أيضا مطبخ يشبه مطبخي نظروا فورا نحو مطبخها، حدثت نفسها يجب أن أستمر حتى أصل إلى الباب، ولكن أُنظروا إلى هذه الفتحة الصغيرة ترى فيم تستعمل نظروا جميعا إلى النافذة صامتين هذه المرة، قلب عينون يدق بشدة وأخيرا وجدت النافذة في الغرفة اللعينة، أصابها صداع رهيب ورعب شديد هناك نافذة لم أرها قط ولو مرة، أدارت رأسها وشعرت كأن رقبتها تصدر صريرا كالماكنة الحديدية القديمة إنها النافذة إنها فوق رأسي خلفي الان على جنب السرير، حقيقة أن هناك نافذة ولم ترها جعلت البرد يسري في عمودها الفقري، خطر في بالها: ماذا عن الباب متحمسة جدا منفعلة بالداخل هناك حرب الآن بداخل صدرها قائمة تكاد تخفيها، يا إلهي لحظات ويشيرون إلى الباب، هل من الممكن أنهم يعلمون مكانه، لازالوا يضحكون والطعام يكاد أن ينتهي، يجب عليها أن تجد مصطلحا مناسبا قد أشارت إلى النافذة بالفتحة، بماذا يا ترى تشير إلى الباب.
وفجأة قالت: ما رأيكم تخيلوا أنكم تسكنون هنا بالبيت الجميل (لا تستطيع نطق كلمة الداخل تخاف أن يفهم الكاتب الأمر) وتخيلوا أني سأجلب لكم الطعام فأنا سأمر من هنا أو ربما أنتم تمرون من هنا (وأشارت بإصبعها إلى الباب) ونظرت إليهم منتظرة ان يشيروا بأعينهم أو أجسادهم باتجاه الباب، ولكنهم فجأة توقفوا عن الحديث وكأن رعشة خوف دبت فيهم ونظروا جميعا إلى الأسفل.
تنهدت عينون: آه كم هذا متعب لقد استنفذت قواي العقلية على الأقل علمت أن هناك نافذة فوق رأسي.
ومررتإليهم الماء فعادوا لطبيعتهم وابتسم الجميع، ورجع كل شخص إلى مكانه، هي إلى سريرهاوهم إلى واجب التحديق!!

أنت تقرأ
وحُبست السماء في الغرفة
General Fictionإنها قصة روح تجهل أن هويتها قد غُسلت واستبدلت قصة فتاة تكافح بداخل غرفة مجهولة لا تستطيع الخروج منها قد حُبست عنوة ورغم أنه يوجد سماء ومدينة قد خصصت لها في غرفتها إلا أن هذا لا يعني شيئا إن كانت كالدمية بلا عقل وبلا اسم إنها الروح التي تتوق إلى ال...