إنهم من ذات البلد

13 1 0
                                    

عند صادون:

وظهر السيد سمحون بظهره المنحني ووجه المقيت، بدا وكأنه يكشر عن أنيابه في وجه صادون ولم ينطق بحرف التزم النظر إلى الحائط بدا لوهلة وكأنه يتأمل حائطا يراه لأول مرة في متحف لا جزءا من بيته، وعندما ركز صادون عليه مذهولا فهم أنه يتمتم الجمل على الحائط، على الفور قرر صادون أن يتكلم: هل يمكنني أن أرى عينون؟؟

بدا الذهول الشديد والإندهاش على الوالد، إنه مصدوم من الذي يسأل عن فتاة ضائعة، لم يعرف بمَ يرد، بدأ يرتجف ظن صادون أنه فتح جرحاً في نفس السيد سمحون، إنما الأمر أشد من ذلك لقد فتح صادون كهفا كريهاً، إنه الإرتجاف الذي يشعر به الأمر في حضور ما يبغض بشدة، ولكن صادون لا يعلم ذلك.

صاح السيد سمحون بجمل مفهومة جدا بذات اللغة ولكن رغم ذلك صادون لا يفهمها، ولكنها لا تؤثر به، رغم الصداع الذي صعقه جرائها، فكر السيد سمحون في نفسه إن هذا لن يجدي نفعا طالما أنه من خارج الحدود. سمعه صادون وردد: حدود!! استشاط صادون غضبا وهاجمه بشكل غريب فهو ليس برجل مهاجم: إسمع أيها اللعين إني هنا أقاسي الأمرّين كي أعود إلى حياتي الطبيعية بسبب فتاة ما من مكان ما لا علم لي بها وإن خيّروني فلن أهتم لها، ولكن يبدو أن راحة بالي مرتبطةٌ بقدَرها، إن كنت تريد أن تفتح فمك فافتحه بالأجوبة أيها اللعين، فلستُ من خارج الحدود أنا جاركم ومن ذات البلد أنا فقط قدمتُ من البلدة المجاورة من شارعٍ ليس ببعيد عنكم أيها المَقيت، وانهال عليه بشتائم لا مبرر لها، فقد كان الضغط العصبي هو المبرر الوحيد.

صادون اختلط عليه صداعه وإحساسه بالغربة والصدمة الدائمة بالنبذ التي تعرض لها في حياته، صادون نفسه ليس بذلك الرجل السعيد الذي يوزع الابتسامات، كلمة السيد سمحون (خارج الحدود) حركت فيه شيئا التئم في قلبه منذ زمن ولكنه اختلط بخوفه وضياعه الحاليين، إنه الآن يخاف أن يُحبس إنه يخاف أن ينسى اسمه!! هكذا يفكر وهو يسترجع شعوره بالدونية بين أنداده في المدرسة ولم لا فقد كان هو الوحيد الفقير، لم يكن يُنادى باسمه فقد كان يُنادى بالولد من الركن المتسخ، فقد كان بيتُهم وكأنه يقع في زاوية حادة بجانب مكب القمامة، وكان آخر همّه أن يهتم للإسم، كانت أقصى أحلامه هواء نظيف وطعام، رغم محاولات والدته الدائمة بأن تغسل الملابس النظيفة له ولإخوته دائما، إلا أن الرائحة الكريهة لا تزال، كجوعه الذي بدا وكأن لا حد له، الآن وهو يتذكر ذلك، فعلا لم ينادني أحد باسمي لسنوات حتى خرجت من تلك الزاوية ولم أكترث، والآن أكترث بكل جوارحي، الآن كل همي أن لا أفقد اسمي ما هذه اللعنة!!

في هذه الأثناء سقط والد عينون أرضاً وظهرت بقية العائلة الأم والأخت، ردد صادون في صدره: آه يا إلهي إنها فعلا وجوه مقيتة!!

اقتربت الزوجة من زوجها السيد سمحون هامسة بأمر ما، فرد عليها سمحون: ليس لدي أي خيار فكما تعلمين – كاد أن ينطق كلمة خارج الحدود- إنه لن يؤثر به، حدقوا به ثلاثتهم وكأنهم ينتظرون منه الخروج طائعا، قال صادون ممتعضا بشكل ساخر: هل هم مصابون بلعنة التحديق ؟؟

وأخيرا تكلمت الزوجة: ماذا تريد؟؟

رد صادون: الآن تودون الحديث، سأل بشكل مباشر: كيف أخرج عينون من الغرفة؟ سقط السؤال على قلوبهم كالصخر الثقيل، لم يتوقعوا أن يكون بهذه المباشرة والسرعة، لم يخالوا أن له علم بوجودها لا وفوق هذا يعلم أنها محبوسة، استطرد صادون: تعلمون أنكم لا تستطيعون مناداة الشرطة فلا أحد يقترب منكم على كل حال، وليس منكم أحد بقادر على طردي بقوة الذراع، وتمتماتكم لا تؤثر بي، فالأفضل لكم أن تجيبوا أو على الأقل أن تحاولوا ذلك.

تظاهرت الأم بالبكاء والدراما مرددة: آه ابنتي عينون، وتبعتها ابنتها كأي نمط سخيف يمكن استغلاله وفق الظرف، نظر صادون قائلا لذاته يا إلهيييي كم هذا بغيض أكاد أقسم أن هذا تمثيل! تكلم صادون: إذا ابنتك هذه هل خطر لك أن تشتاقي إليها بعد مجيئي أو قبل مجيئي؟ من الواضح جدا أنهما تماطلان لأمر ما، بدأت الأم تتظاهر بقصّ أحزانها ومتاعبها مع عينون وكيف أن الحياة ظلمتها وظلمت ابنتها، لم يعجب الكلام صادون ولم يعرها أذناً، قاطع حديثها: خذيني إلى غرفتها وإلا فجرت البيت! أحسوا بالهلع جميعا حدثت بينهم بلبلة، وصادون لازال حذرا فهو لا يزال يفكر في مفهوم الكاتب. اعتراه شك للحظة هل هو رجل أم مخلوق أم رمز!! هل هو والدها اين يمكن أن يكون، فبهذا الشكل والضعف لا يمكن أن يكون هو الكاتب.

وانطلق صادون يذرع البيت ويصعد الأدراج للأعلي إنه مبنى يعتبر كبيرا نسبيا وعلى ما يذكر فإن الغرفة إلى الجانب الأيمن من الطابق الثاني في الوسط. صعد الأدراج وهم يصرخون عليه توقف توقف أيها الرجل، هنا بالُ صادون المشغول يفكر بحُمّيّة شديدة: آه إنهم يقولون الرجل حمدا لله لم أعلمهم باسمي، فأثمن شيء هنا هو الهوية الأولى والأغلى على الإطلاق.. الإسم.

انطلق بشدة أمامه ممر الآن، يمشي بسرعة حتى شعر أنه يعبر فراغا وكأنه عيناه أُغمضتا عُنوةً فجأة في وسط الممر، وكأنه قفز!!

فهم صادون هذا فراغ الغرفة المنزوعة! إنه المكان المختوم، إنها الأرض الذي ضاعت فيها الهوية وحُبست.. عالم السماء المحبوسة!!

نظرإلى الخلف لم يعد يسمع أصواتهم، كيف أتصرف الآن هل أحاول أن أعبر من هنا من جديد؟آه بالضبط أريد بابا.

وحُبست السماء في الغرفةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن