11- استهتار

23.7K 1.3K 56
                                    

عدت بعد الظهيرة للشقة مفصولة من العمل و يدي مجروحة . كنت شاردة الذهن و انتهى بي الامر ان كسرت كومة اطباق   كنت  ارفعها بعد ان انتهيت من غسلها ثم حاولت جمع الشظايا مما سبب جرح يدي. لكني لم ألم العجوز على طردي لاني كنت سيئة جداً في عملي .رغم اني لم امكث سوى ايام قليلة ,الا انني كنت اتأخر  في قدومي للعمل و اعمل ببطء بالاضافة للكوارث التي كنت اصنعها التي كان اخرها كسر الاطباق.

استلقيت على الاريكة في غرفة المعيشة دون ان اخلع حذائي او اضع حقيبتي جانباً . كان انشغالي بحال بيتر قد ارهقني.
و مع ذلك لم استطع ان اتوقف، بقيت قلقة افكر ان كان بيتر سيفي بوعده . ارسلت رسالة تلوى اخرى لأتأكد من انه كان على ما يرام ، لكنه لم يرد عليّ .
بفعله ذلك دفعني للخوف اكثر  بينما الشكوك بدأت تلعب بتفكيري.ان كان لا يزال في العمل ام انه كان في مكان ما يحاول قتل نفسه.

في الساعة السابعة كنت على وشك ان افقد صوابي , مر الوقت زاحفاً يثقلني بالهموم . كان موعد عودته لكنه لم يعد ، اتصلت به و لم يجبني في المرة الاولى .
لذلك نهضت مغادرة المبنى و انا اتوقع الاسوأ .
حاولت في المرة الثانية الاتصال به مجددا و ما ان اجاب مكالمتي حتى تكلمت بسرعة " بيتر اين انت ؟ لقد وعدتني ..انت لا تفعل شيئاً احمقاً الان .." قاطعني صوته ببرود " انتِ تبالغين . انا في العمل سأتأخر "

انا مشككة في كلامه " أستطيع الوثوق بكلامك صحيح ؟" لم استطع حقا لكن لم يكن باليد حيلة سوى ان اصدقه.

صمت للحظات قبل ان يتكلم " انا لا اخلف وعودي انسة جاين " قالها بنبرة حازمة و واثقة مما جعلني اطمأن .

كان قد انهى المكالمة دون أي انذار , فظ كعادته ،لم يدرِ كيف انني خلال تلك الساعات المنصرمة كنت قد عشت و مت عدة مرات في الشكوك والتوجسات.

عدت لاستلقي على الاريكة مسترخية و انا اقلد صوته  البارد " انا لا اخلف الوعود انسة جاين " ثم اضحك بتوتر , نعم كنت مجنونة بعض الشيء لكن لا بأس بذلك فمن منا لم يمر بلحظات جنون من نوع ما!

***

انتظرت ليلتها عودة صديقي الانتحاري بعد ان ركنت الى وعده و زال تخوفي . كان   قد اصابني ملل شديد بمرور الوقت فغفوت. استفقت على صوت باب الشقة يُفتح  فجريت نحو بيتر و درت حوله اتفقده ان كان بخير بقلق .

بيتر تكلم " انتِ تتصرفين كضبع جائع .." تقدمت اليه و قلت متجاهلة تعليقه الظريف " هل انت بخير؟"

عندها وضع اصبعه على جبيني و دفعني بها بعيداً عنه، ربما لانني كنت قد اقتربت اكثر من المفترض دون شعور مني " لقد اخبرتكِ ان لا تتصرفي كزوجتي"

نظرت اليه بحقد ثم تحركت مبتعدة. جلست على الاريكة بهدوء و قد آلمني جبيني لدفعه لي بقوة و بقيت أتحسسه و انا لا اعلم ان كان اصبعه ام كلامه ما جرحني اكثر .
ساد الصمت للحظات قبل ان يجلس الى جواري . خفت للحظات مما كان ينوي عمله للسخرية مني مجددا, عندما ادركت انه كان يحدق في يدي   ينظر بعينين متألمتين ,كنت قد نسيت اني جرحت يدي سابقاَ .  ثم قال " بدلاً من القلق بشأن الاخرين لمَ لا تبدأي بالقلق على نفسكِ ؟ حمقاء"

انا مبررة كالاطفال عند وقوعهم في مشكلة " كل هذا بسببك ! لقد كنت مشغولة بالقلق على سلامتك عندما اسقطت الاطباق.." توقفت عن الكلام عندما رأيت نظراته المخيفة . لقد كان غاضباً فقررت ان اتوقف .

لكني لم اتمكن من الصمت لوقت طويل فقد كنت اود ان اعرف ما وراء بؤسه الذي كان يحمله معه في كل مكان و يشعرني بالعجز عن مساعدته.

تكلمت بكلمات لطيفة حاولت له ان اظهر صدق نيتي قدر الامكان  " بيتر .. بأمكانك اخباري بما يزعجك , ربما املك حلاً لما تواجهه .." اجابني بصمته المعتاد. و لم يقل شيئاً ..  بعد لحظات من الترقب الطويلة نهض مغادراً الى الغرفة كما لو انني لم اكن موجودة!

شعرت بالحزن على حال صديقي المكتئب بدى كما لو انه يختنق بآلامه دون ان يستطيع البوح بها لاحد  . في يوم كان يعاني فيه و اراد البقاء مع نفسه ولم يرد الذهاب للعمل   الا ان الامر انتهى به هناك و يعمل لساعات اضافية ايضاً.

تذكرت عندها البحث الذي قرأته عن حالته و قررت ان لا ادعه وحيداً , قفزت الى باب غرفته اقرع الباب و انا اخبره مكررة عرضي  انه يجب ان يتكلم ليشعر بالراحة و انني ساستمع اليه بعناية و لن افشي بما يخبرني لاحد، لكنه لم يستجب لي بأي صوت .

اخبرته انني سأنتظره الى ان يفتح الباب و لن اتحرك من هناك حتى يخبرني بما كان يجري . لكن مرة اخرى لم يجب عليّ بشيء . و كان يتجاهلني بكل بساطة.فتنفست بعمق فقد بت ادرك انني معه كنت اتعلم الصبر و الحلم، لذلك فلا ضير من مزيد من الانتظار . ربما ان بقيت انتظره سيشعر في الاخير ان احدهم حقا معه و يهتم لامره . ربما حينها سيفتح قلبه و يدعني اساعده .

جلست انتظر امام باب غرفته حتى غلبني النعاس دون ان اشعر. حتى شعرت بارتطام راسي على الارض ثم ادركت ما كان يجري. فتح بيتر باب غرفته الذي كنت نائمة مستندة عليه , و رفعت رأسي لارى ارجلاً طويلة فوق رأسي  تنتهي بوجه بيتر. وقفت بسرعة اشعر بالاحراج .

بيتر" انا استمر بالتفاجؤ من تصرفاتكِ المجنونة بلا توقف!!"

بقيت صامتة لا ادر بماذا اجيب كوني كنت لا ازال نعسة . ساعدني بيتر على النهوض للذهاب الى غرفتي لكنني كنت اكسل من ان اصل اليها لذلك ارتميت على الاريكة و قد صممت على النوم هناك .

استمر بيتر بجري لانهض الى غرفتي لكني اخبرته ان يدعني و شأني و هو في النهاية استسلم و عاد الى غرفته.

كان لحسن حظي انني نمت في غرفة المعيشة ليلتها مما مكنني من الاستيقاظ عندما سمعت اغلاق باب الشقة . نظرت الى النافذة و كان الظلام حالكاً فعلمت ان بيتر ليس ذاهباً للعمل و اسوأ الفروض قفزت الى رأسي عندما انطلقت بسرعة البرق ورائه .

انتظرت لوقت بدى كالابد قبل ان يفتح المصعد و اتجهت فوراً الى الشارع الذي كان فارغاً ثم خرج من المرآب بيتر بسيارته منطلقاً و لم يلاحظ حتى وجودي . جريت وراء السيارة التي كانت تبتعد اكثر فأكثر عندما كادت سيارة ورائي تدهسني , توقفت و نظرت الى السائق الذي   كان يبدو عليه الخوف لكنني  لم املك الوقت و لم اكن مستعدة لخسارة بيتر لذلك وسط دهشة السائق الشاب قفزت الى المقعد بجواره و امرته بأن يلحق بسيارة بيتر التي كانت قد بدأت تختفي عن ناظري .

انا صارخة في وجه الغريب بنبرة آمرة " إلحق بالسيارة الفضية , اياك ان تدعه يفلت ، هيا اسرع !!" بدى الشاب متوتراً و هو يقول في حالة من اللاتصديق " هل انتِ مجنونة ؟"

©ManarMohammed

مــن  انـت ؟ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن