أخي المسلم : إن الصبر عن المعاصي من أرفع درجات الصبر، وهي درجة عالية .
والنفس دائمًا ترغب في هواها فمن استطاع عصيانها، وصبر على مطالبها، فقد ارتفع بلا شك إلى تلك الدرجات العالية .
قال ميمون بن مهران رحمه الله : «الصبر صبران : الصبر على المصيبة حسن، وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي» والصابر عن المعاصي نهايته إلى فلاح ونجاح، ويجد أثر ذلك في الدنيا قبل يوم القيامة، وفي يوم القيامة سيكون جزاؤه الجنة قال الله تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" [آل عمران: 200] .
قال الإمام ابن الجوزي : «ولو أن شخصًا ترك معصية لأجل الله تعالى لرأى ثمرة ذلك، وكذلك إذا فعل طاعة» .
وقال سفيان الثوري رحمه الله: «عند الصباح يحمد القوم السُّرى وعند الممات يحمد القوم التقي» .
وقال الإمام ابن القيم رحمه الله : «ذُكر للصبر عن المعصية سببين وفائدتين: أما السببان فالخوف من لحوق الوعيد المرتب عليها، والثاني الحياء من الرب تبارك وتعالى؛ أن يستعان على معاصيه بنعمه، وأن يبارز بالعظائم، وأما الفائدتان: فالإبقاء على الإيمان، والحذر من الحرام» .
فيا راكب الذنب هل تفكرت في عواقبه ؟
وهلا علمت حسراته ؟! فإن لذة المعصية تذهب كوميض البرق، ولكن تبقى مرارتها جاثمة جثوم الصخرة !
وإن امرءًا باع جنة عرضها السماوات والأرض بلذة ساعة لحري أن تطول حسرته !!
يحكون أن امرأة راودت رجلا فقال لها : «إن رجلا يبيع جنة عرضها السماوات والأرض بفتر ما بين رجليك لعديم البصر بالمساحة !» .
وعن عبد الرحمن بن محمد القاري رحمه الله قال جلس إلي يومًا زيادة مولى ابن عباس، فقال لي : يا عبد الله , قلت : ما تشاء , قال : ما هي إلا الجنة والنار ؟! قلت : لا والله ما هي إلا الجنة والنار ! قال : ما بينهما منزل ينزله العباد ؟! فقلت : ما بينهما منزل ينزله العباد , قال : «فوالله لنفسي نفس أضن بها عن النار، وللصبر اليوم عن معاصي الله خير من الصبر على الأغلال في نار جهنم» .
إن أفضل ما في الصبر عن المعاصي من الآثار التي يجدها الصابر في الدنيا قبل يوم القيامة أن يجد لذة الإيمان وحلاوته في قلبه؛ فيزكو القلب ويطهر، وإذا طهر القلب ففي ذلك صلاح العبد في أمره كله..
قال صلى الله عليه وسلم : «ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا الله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يُقذف في النار» (رواه البخاري ومسلم) .
قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية : «وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب، وكذلك ترك المعاصي؛ فإنها بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن ومثل الدغل في الزرع» .
ويحكى مسمع بن عاصم عن عبد الواحد بن زيد رحمهما الله تعالى، قال : قال لي عبد الواحد بن زيد : من نوى الصبر على طاعة الله صبره الله عليها، وقواه لها، ومن عزم على الصبر عن معاصي الله أعانه الله على ذلك، وعصمه عنها .
قال : وقال لي : يا سيار أتُراك تصبر لمحبته عن هواك فيخيب صبرك ؟ لقد أساء بسيده الظن .
قال : ثم بكى عبد الواحد حتى خفت أن يغشى عليه .
ثم قال : بأبي أنت يا مسمع، نعمه رائحة وغادية على أهل معصيته فكيف ييأس من رحمته أهل محبته ؟
أخي المسلم : هكذا كان الصالحون يحاسبون أنفسهم ويجاهدونها دائمًا على ترك المعاصي , وإن المسلم الذي نظر في مصلحته حقًا هو ذلك الذي هجر المعاصي وصبر عنها، وعكف على فعل الصالحات .