الفصل الثالث
قام أخيرا بزيارتها وقد أحضر لها زهورها التي تحبها ليتفاجأ بشحوب وجهها وهالات عينيها السوداء ، وكدمات وجهها التي لم تختفي بعد ، فقد حروف اعتذاره وهو يحاول جمع شتات نفسه وهو يرى نظراتها الجامدة وتجاهلها التام له ، لم يستطع مواجهة عينيها فغادر بصمت وهو يشعر بالألم والحزن ليبقى ليلته تلك في الشركة .
في احد الأيام وبعد أن تأكدت رولا من وجود زوجها في الشركة ، وقد قررت تنفيذ خطتها فهي ظنت بأن زياد تلك الليلة نام في منزله مع لبنى ، فبقت طوال الليل تخطط لتفريقهما وقد أعمتها مشاعر الغيرة والحسد والكره .
استغلت غياب حماتها التي كانت مسافرة لعدة أيام خارج المدينة لحضور عرس أحد أقربائها .
اتصلت بزياد وأخبرته أنها ستدعو لبنى وتصالحها ، تصرفت بمكر وخبث شديد ، وضعت شباكها التي حاكتها بنيران الغيرة والحسد .
أرسل لها باقة من الزهور كعادته منذ ذلك اليوم وأرفقها برسالة يؤكد دعوتها لتناول طعام الغذاء في منزل والديه ، قررت الرفض إلا أن ريم شجعتها لتذهب وتستعيد زوجها .
اتجهت لمنزل عمها الذي عاشت به منذ وفاة والديها لها ذكريات سعيدة بين جنباته ، دخلت إليه بقلبها النقي لتواجه سواد قلب أحرقته نيران الغيرة والحقد .
استقبلتها ضرتها بالترحيب حتى أنها عانقتها مما أثار استغراب لبنى ، إلا أنها لم ترفض عناقها ، جلست تنتظر حضوره ، فهو لم يعلم بأن رولا قد أخبرته بموعد يزيد ساعة عن موعد حضور لبنى .
لا تعلم لما تشعر بالتوتر والتوجس يملئان قلبها ، فكرت أن تذهب لمساعدة رولا في المطبخ إلا أنها قررت الابتعاد عنها فهي لا تريد مشاكلا أخرى .
اقتربت من المكتبة لتخرج ألبومات صور العائلة ، أمضت معهم أيام سعيدة تنعمت فيها بحنان عمها ودلال زياد رغم شدته في التعامل معها والتي كانت تظنها حبا لكنها الآن أدركت أنها مشاعر تملك وليست حبا ، تعامله الأخير معها أثبت أنه يتوقع منها تنفيذ أوامره الظالمة بلا نقاش وكأن لا شخصية لها ، لولا ريم وتشجيعها لما أتت لتصلح ما بينهما رغم صعوبة الموقف الذي هي فيه .
في هذه الأثناء قامت رولا بتجهيز نفسها حسب الخطة التي وضعتها مع والدتها للتخلص من ضرتها وابعادها لتحصل على تلك الشقة الفاخرة وتسكن بها بعيدا عن حماتها وتتنعم بمال زوجها .
وصل زياد للمنزل وتأكد من مجيئها حين رأى سيارتها ، ابتسم بسعادة وقد شعر بالنصر فصغيرته كما توقع لم تستطع الابتعاد عنه دخل للبهو ليتفاجأ برولا واقعة على الأرض مغمضةً عينيها وقد تخضبت ساقيها بالدماء وهاتفها ملقى على الأرض بجانبها ، ركع أمامها يمسك برأسها يربت على خديها وهو يناديها : رولا حبيبتي .... ما بك ... رولا .. دلفت حماته للمنزل وبرفقتها امرأة غريبة وهي تصرخ : طفلتي .. أرجوك أيتها الطبيبة ساعديها ... نظرت لصهرها ... أين تلك المجرمة التي تريد قتل حفيدي؟ اقتربت لبنى وقد شدتها الأصوات المرتفعة لتفاجأ بذلك المنظر أمامها ، هجمت والدة رولا عليها لتصفعها بشدة وحين حاولت صفعها مجددا أوقفها زياد بحدة : توقفي من أنت لتضربيها ، ماذا فعلت ؟
صرخت به : أتدافع عمن قتلت طفلك إن رولا حامل وهذه اللعينة ضربتها لأنها حسودة .
ذهلت لبنى وهي ترى حدة نظرات زياد التي تتهمها ، أمسكها من كتفيها يهزها بشدة ويصرخ أخبريني أفعلا أردت قتل طفلي ، هل أتيت لتنتقمي منها ... ها أخبريني ما ذنبها هي منذ الصباح تعمل من أجلك أهكذا تكافئينها ... ما ذنب طفلي ؟
بدأت رولا تتأوه ليدفعها عنه ويسرع إليها بينما وقفت لبنى ذاهلة وكأنها ترى فلما أمامها لا واقعاً سيؤلمها
زياد : طمئنيني دكتورة كيف حالها هل هي بخير ؟ وطفلي أخبريني أرجوك .
هزت الطبيبة رأسها بأسف : أنا آسفة لقد أجهضت الطفل بسبب الضربة ووقوعها على الأرض ، هي يخير تحتاج للراحة والغذاء المناسب .
بدأت رولا بالبكاء وهي تشتكي له : أردت أن أفرحها بحملي وبأنها ستشاركنا الطفل .. لكنها أرادت قتله إنها مجرمة ، أخبرتني أنها لن تسمح لك بالحصول على طفل.. أمسكت يده برجاء .. أخبرتني أنك ستطردني من هنا ..
هتفت والدتها : أنت حاقدة لعينة أشكر الله الذي أفقدك أطفالك فمن هي مثلك لا تستحق الأمومة .
ساد سكون للحظات لم يسمع فيها إلا بكاء رولا .. سألها بنبرة خطرة : أخبريني لبنى هل فعلتي ذلك ؟
نظرت له بألم : أتصدقهم أنسيت من أنا .. أنا صغيرتك .. زوجتك ورفيقة دربك .
صرخ بها : جاوبيني أفعلت ذلك .
خانتها الكلمات وخنقتها الغصة لتتصاعد الآهات ليطعن قلبها بسهام عينيه وكلماتهم المسمومة فماذا ستقول بعد ما قيل ، نظرت له : لم أفعل صدقني .. قاطعتها رولا : إنها تكذب أقسم هي من ضربتني .
نظر لها بصمت يتأمل وجهها الباكي وحالتها البائسة : لبنى هل تقسمين على المصحف بأنك لم تؤذيها .
لبنى بكل ثقة : نعم سأقسم .
صرخت رولا وقد كادت تفقد صوابها : وأنا سأقسم فهل ستصدقها أم تصدقني أنا .نظر لهما بعجز قبل أن يقول لحماته : ساعديها على الاغتسال سأنتظركم في المكتب ، لم يستطع النظر للبنى فاكتفى بقوله : توضئي والحقي بي .
أسرعت إلى الحمام وقد خانتها دموعها نظرت للمرآة تبكي على حبيب خانها ، وفقدان آلم روحها وأدمى فؤادها .
دخلت للمكتب فرأته واقفا بتوتر وقد علت ملامحه تعابير الغضب .
لبنى : زياد صدقني لم ... قاطعها زياد : لا تتكلمي ... ولا حرف .
بقيا على حالهما عيونه تجلدها بقسوة بينما عيناها ترجوه وتخاطب حبه لها .
دخلت رولا تتكئ على والدتها وهي تصدر تأوهات متألمة ، ليقترب ويساعدها على الجلوس بكل حنان .
أمر لبنى وهو يضع المصحف أمامها : هيا ضعي يدك عليه ، والآن أتقسمي أنك لم تؤذي زوجتي رولا لتقتلي طفلها .
اختنقت وهي تقول : أقسم لك أني لم أفعلها .
نظر لرولا التي واجهته بتحدي وثقة : وأنا أقسم أنها من قتلت طفلي ، طفلك الذي تمنيته ورغبت به .
وضع المصحف ببطء فهو في موقف لا يحسد عليه فمن يصدق نظر لثقة رولا وقارنها بارتعاش لبنى ورجفتها ليتخذ قراره .
نظر للبنى باتهام : لما تنكرين أوصل حقدك لهذا الحد ، كيف تريدين أن أصدقك وأنتِ عاجزة عن الإنجاب ، فرولا لن تؤذي طفلنا ... أخبريني كيف .
صرخت : أتصدق سارقة الرجال تلك ، لما أخبرني ... لما تعايرني بعجزي ألست أنت من تسببت به ، أخبرني تبا لك ولحبك .
صفعها بقوة لتقع عند قدمي رولا التي كانت تبتسم بشماته .
زياد : اعتذري لها ستكونين خادمة تحت قدميها ، عسى أن تسامحك وتشفع لك ما فعلته بها .وقفت ببطء واقتربت منه :خسئت أنت وهي .. تبا لك ولعدلك أتضربني أنت لست رجلا وفي....
صرخبشدة : أنت طالق .
ذهلتوهي تسمعها منه ، أهذه هي رصاصة الغدر انطلقت لتصيب قلبها الممزق أم هي طعنةالخيانة .
أبعدنظره عنها : غادري لا أريد رؤيتك بعد اليوم ، لم تعودي فردا في عائلتي بعد اليوموأرباحك من الشركة ستنزل في حسابك البنكي ، وأحذرك من المجيء إليها .
نظرتلهم بقهر : أتطردني ، أتصدقهم وتكذب من ربيتها على يديك ، أنسيت أني أمانة في عنقك... شهقت تكتم دموعها ..أتعلم لم أشعر بأني يتيمة حتى هذه اللحظة بعتني بأبخسالأثمان ... ضحكت بجنون ... سيأتي يوما ستندم به على كل هذا الألم الذي يحرقنيستندم صدقني .
نظرتلنظرات الشماتة في عينهما لتقول : حسبي الله ونعم الوكيل ، حسبي الله ونعم الوكيلفيكما ، إنه يهمل ولا يهمل سلمته أمري ورفعت إليه ظلمي و أتمنى ألا أراكم أبدا ..لم تقصر معي يا ابن عمي ، لم تقصر أشكيك لواحد أحد .
وغادرت بعد ان زلزلت كلماتها كيانهم .
نظرلرولا التي تتأوه وهي تبكي وتستدر عطفه عسى أن تنسيه إياها ، ليحملها إلى غرفتهاويواسيها رغم عنه وعن قهر قلبه .
وصلتلمنزلها وارتمت على فراشها تبكي وتنوح لم تظنه بقادر على قولها
باعهابأقسى اللحظات أقسمت له ولم يصدقها ، من هو ليس من أحبته ووهبته قلبها وكل ما تملك .
*********************