الفرنجة - في سبيل الآخرين

29 2 8
                                    


توقّفتُ عند المُنعطف أشدّ بطرفِ جُبّتي كيْ لا أسقُط ، وأنَا أردّ الهواءَ الىْ رئتايْ بِسُرعة  فاجأنِيْ أحد منَ الوراءْ بضربةِ علىْ الرأسِ فارتميتُ أرضًا

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.

توقّفتُ عند المُنعطف أشدّ بطرفِ جُبّتي كيْ لا أسقُط ، وأنَا أردّ الهواءَ الىْ رئتايْ بِسُرعة فاجأنِيْ أحد منَ الوراءْ بضربةِ علىْ الرأسِ فارتميتُ أرضًا .... فتحتُ عينايْ بصعُوبة أشقّ منْ وراءِ يدايْ للرّؤية فوجدتُ جِسميْ البَاليْ مربوط فيْ ذلك الكُرسي اللّعينْ ، بالكادِ أدري أينَ أنا وحتْفي فيْ هذا السّجنْ لن يطُول .. رموْني بقِدرِ منَ الماء وبِتّ مبلُولة منَ الرّأس الَى أخمصِ القدمِ ، ما لآ يُدركه هؤلاءِ الحمْقى أنّ الوطنْ أغلى منْ زلّة لِسانْ يرُوح ضحيّتُها الملايينْ من الشّهداء كُنتُ قدْ أقسمتُ على حِفظِ مكانِهم مهْما كانْ ، اقتَرب منّي الجِنرالْ المدعُو ب *الأفعى* وذلكَ لأنّه يحمل وشمًا على ذراعه تجتاحه هذه الحرشفية... اسْتلزم لهُ مدّة من الزَّمنْ وهُو يتفحّصني بنظراتِ قذرة ، محاولاً اكْتشافَ نُقطة ضُعفيْ لِيهاجمنِيْ بها ، رفعتُ رأسي فتلاقتْ أعيننا مشكّلة احتداما عصفَ بالقاعة ،عليّ أن أبقى قويّة فأنا لا أريدْ أنْ يُسيطرَ عليَّ القلقْ وأنْهارْ فيْ الوضعْ الَّذيْ يجبُ أن أحتضنَ نفْسي فيهْ ، جلسَ علىْ كُرسيّه الهزّاز بتمهُّل يُلوِّح بِسيجارتَه الغالية بعْد أنْ قامَ بالنَّفخِ في الهواءْ لترْتفع شظايا الدُّخانْ راسمةً ثُراها فيْ الرُّقعة المُحيطة بنَا ثمَّ وجّه أصبعه نحويْ قائلاَ: " كُلّ ما فيْ الأمر أنْ لا تكُونيْ عنيدةَ كسابقِ أقرانكْ ، الحياةُ جميلة خصُوصَا انْ قُمتِ بعيْشها فِيْ أحدِ مناطقْ أوروبا أو أمريكَا اللّاتينية ، تدْرين جيّدا مالّذي أقُوله والأفعىْ لا يكذبُ أبدًا اضافة الىْ أنّكِ ستكُونين محميّة على ذمّتي فلا تخافيْ أبدا ، انّما عليكِ الخوفْ ممّا سيحدُث لكِ انْ رفضتِ " ، بقيتُ صامتةً أحدّق في السّقف للحظات ، أغمضتُ جفونيْ وتنهّدتُ بلُطف وكأنّي سلّمت رُوحي لخالِقها ،وطرحتُ السّؤال الَّذي زارنيْ لحظتها :" لمَ المُستعمرُ وقح هكذا" ، استأذنته برؤية زوْجي الّذي يعملُ كملازم ثاني وخائن أوّل ،أدخلوه بعدَ أن أخلوْ لنا الجوّ للحديثْ ، غير أنّي بقيتُ مقيّدة حتّى عندَ حضُوره ، تملّقني منْ بعيد دُون أن يُحرّك ساكنًا

"اقتربْ وفُكّنيْ هيّا ، ماذا تنتظرْ أتريدُ أن يقتلوني مع ابنك " أجابنيْ قائلاً وهُو لآ يزالُ فيْ مكانه:" أنتِ منْ ورّطتِ نفسكِ عزيزتِيْ ،قدْ سبق وحذّرتكِ أنّ الوقوفَ بجانبِ الوطنْ سيُكلّفكِ غاليًا ، أنا لآ أريد الموتْ الآنْ أمّا أنتِ فحُرّة فيْ اختياركِ "

"مهلاً ماهذهِ الشّعوذة التّي تنطقْ بها ، زواجُك بيْ كانَ من الأوّل سَخافة وأنت أدرى بذلكْ ،شاب صالحْ ، مواطن بريء ، أريد تأسيس بيت، أريد أطفالاً ، هذه وقاحة أليس كذلك ،أخرجُ لشراءِ الخضروات من أجل طبق " الكُسكس" فأجد نفسي ملاحقة من قبل بعض الأوغاد ليستجوبونني هنا وأنت لا تحرّك ساكنا تجاه زوجتك ، أتمنّى لك الموت بطريقَة أسوء منّي حتّى تشعُر بمدَى الألمِ الّذيْ يسْتحوذني الآن"، انْصرفَ بعْدها دُون النّظر الىْ الوراء ولكنْ قلبهُ التفتْ.... لمْ يستطعْ أنْ يُخبرها كمْ هُو حزين لما يحدُث لها ، لمْ يستطعْ أنْ يتفوّه بعباراتِ الاشتِياق الّتي آسرتهُ منذ شهرِ لغيابِها ، طلبَ منْ الجنرالِ أنْ يحتجِزها دُون المساسِ بها أوْ بطفلهْ الّذي لمْ يخرُج للحياة بعْد لكانَ قدْ غمغم من قساوة هذهِ الحياة ورداءتِها، كانتْ قدْ اسْتسلمتْ للموتِ حينهَا ، استلقتْ على الحائطِ تُفكّرُ مليّا فما ذنبُ الجنينِ الّذي بأحشائها، تساؤلاتْ طرحتْها أرضًا فغفتْ لآ اراديّا مِنها وانّما أُرغمتْ علىْ حملِ هُمومِ أكبرَ منْ سنِّها.

فُتحتْ بابُ الزِّنزانة بقُوَّة محدثةً صوتًا رهيبا جعلنيْ أهيمنُ لحمايَة نفْسي بيديْ ،ارْتجلتْ عنِ الزَّاوية محاصرةً الأنَا بكَيانِ حائرِ لما سيحدثُ لذاتِي المُتنافرة وخلايا مخّي المشتّتة ، بعْدها دخلَ الجنرالْ معَ مجمُوعة جنود بيدهمْ آلة راضَّة ومجمُوعة منَ الأدواتْ الحادَّة لمْ أتذكَّر سوى الفأسْ الَّذي كانَ يُمحلقُ بهْ أمام ناظريْ ،اقْتربَ منِّيْ وهيَّأ المِشنقَة للقاءِ حتْفيْ، وأخيرًا سألحقُ بعائلتيْ وسألقىْ طفليْ هُناكْ ،وها أنَا أتقدَّم بخطواتِ ثابتَة أرتِّلُ ما أحفظه منَ الآياتْ الكريْمة الىْ أنْ... انفجرَ الحائط الّذي يفصلنا على بُعد خطوات من بابِ الزنزانة وصارتِ النّيران تطلقْ في حادثة لمْ أشهدها من قبلْ اذ لا تعرف من القاتلْ ومن المقتول ،انْبطحتُ فيْ رُكنِ بعيدْ منَ الدَّمارْ أشاهدُ المعركَة بِخوفِ وهلعْ ،سادَ الصَّمتْ فجأةً وانْعدمتْ الرؤيَة بسببِ الغُبارْ الكثيب الَّذي غطَّ المكانْ ،نادُوا باسْميْ فساعدوني علىْ الهُروبْ ،ركبتُ السّيارة التي كانتْ من نوع شفروليت موديل 1959 ، مررنا بانخماصاتْ الجبال فيْ الجرجرة وحتّى يتلطّف الجوّ من الكارثة الّتي حدثت منذ قليل ابتسموا لي وطمأنونيْ أنّ كلّ شيء قد انتهى و أنّ النصر قريب، وما انْ وصلنا الىْ "بالتيفيناغ" كانَ الجميعُ مُتراكمْ تعلوا وجوهُهم قطرة السّواد ،تقدَّمتُ نحو التَّابوت لألقي نظرةً علىْ الميّت فاِذا به زوجيْ الرّاقد داخله... شعرتُ بتوقّف الدّم في عروقي خصوصا عندما اكتشفتُ أنّه كانَ عضوًا ناشطا فيْ جبهة التّحرير الوطني وليس خائنًا أو جاسوسا كما ظننته ....

وفيْ هذا الجوِّ الغائمْ الكئيبْ الَّذيْ يُنذرُ بالأحزانْ ،اسْتُشهد مزيان بقطعِ شرايينِ عُنقهْ وحبسْ مجرىْ التَّنفسِ العُلويْ أسْفلَ الحُنجرة ، قبَّلتُ جبينَه وودَّعته الىْ الأبدْ   

في صبيحة يوم الجُمعة الموافق ل 1من شهر يناير عام 1960

ولد الصّبي الذي انتظرته ، ليكُون اسمه مزيان .....

ولد الصّبي الذي انتظرته ، ليكُون اسمه مزيان

Oops! This image does not follow our content guidelines. To continue publishing, please remove it or upload a different image.
You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Dec 16, 2017 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

الفـــرنجـــةWhere stories live. Discover now