صباح اليوم التالي ، استيقظت خلود مبكرا كعادتها لتستطيع الإستمتاع بمشهد الشروق ، اليوم لن تذهب الي المدرسه فستذهب مع والدها إلي النادي الموجود بالقرب منهم..
مرت دقائق إلي ان اكتمل شروق الشمس وصعدت عاليا في السماء لتسرع خلود وترتدي ملابسها الرياضيه ثم تتجه لغرفة والدها أشرف وتطرق الباب:
- بـابـا.. يا حج أشرف انت لسه نايـم ؟!
فُتح الباب ليظهر والدها امامها قائلا بتعجب:
- ايه.. ايه يا خلود الإزعاج دا علي الصبح؟
- انهارده هتوديني النادي قبل ما تروح الشغل..
نظر لها والدها ثم قال:
- طب انتي مش بتروحي مع جارتنا كوثر.
أومأت برأسها ثم قالت:
- بس انا عايزاك تنزل معايا.
- طب افطري الاول.
- لا كوثر عزماني علي الفطار.. انت هتفطر برده في الشغل ؟
- آه ان شاء الله .. طيب استنيني هغير هدومي واجي معاكي.
- حاضر..
أبدل أشرف ملابسه ثم خرج برفقة ابنته ليمرا علي جارتهما كوثر ويذهبا الي النادي في حين سلك والدها طريقه للعمل..
دلفت الفتاتان من بوابة النادي و اتجهتا الي مقعدهما المفضل اسفل إحدي الشجيرات القصيرة والكثيفه..
*****
في نفس التوقيت كان "كريـم" يجلس علي طاولة بمقعدين وتجلس مقابله مندوبة شركة الـ "لورانس" الشقراء تلك ، يتبادلان الضحك بحفاوة الي ان التفت كريم برأسه لا إراديا ليلمحها بطرف عينه فيعيد النظر اليها جيدا ، رفع يده لينزع نظارته الشمسيه السوداء ثم يضع طرفها بين شفتيه وهو يسير بعينيه علي كل قطعة في جسدها الرشيق.. !
انتبهت الشقراء لما ينظر اليه لتقول بإبتسامة صغيره:
- ما الأمر أيها الوسيم ؟
عاد كريم بنظره اليها ليقول قبل ان يرتشب من القهوة الموضوعة امامه:
- لا شيء..
رفعت احد حاجبيها بمكر وهي تقول بإبتسامه:
- هل تعجبك ؟
ضم كريم حاجبيه ثم قال متسائلا:
- و من هي ؟
لتشير برأسها ناحية خلود وهي تقول:
- هذه .. تلك الفتاة ، هل وقعت في غرامها ام ماذا؟!
قهقه كريم بعلو صوته ثم عاد ليقول:
- عزيزتي انا لا أقع في حب انثي ابدا ، بالعكس انتن من تقعن في عشقي.. كلكن بلا إستثناء..
ارتدي نظارته مجددا ثم نهض لتقول بلهفه:
- الي اين ؟.. سأسافر بعد قليل.
- لا تقلقي سأذهب لإحضار شيء اشربه ، وفي كل الاحوال انت تعرفين الطريق الي المطار .. أليس كذالك ؟!
عادت بظهرها الي الخلف و عقدت ذراعيها امام صدرها متمتمة بسخريه:
- نعم اعلم .. ايها الشهم..
ابتسم كريم ثم قال و هو يهم بالرحيل:
- اشكرك .. اعلم هذا.
تركها وذهب لتزفر بضيق و غيظ ثم تحمل حقيبتها وتذهب و هي تتمتم:
- مغـرور .. !
*****
في هذه الاثناء كانت كوثر -التي تكبر خلود بعامين وتعيش في رفاهية اكثر منها ولكن لم يمنعها ذلك من مصادقتها- تجلس بجانب خلود وهي ترسم المناظر الطبيعية امامها:
- يا ست خلود سيبك من الرسم دا مش هيطير ، خليكي بس مع الاتنين دول الله شكلهم فركشو.. احسن احسن .. لا استني دا شكله داخل علينا..
ثم وبسرعة اعادت هندمة ملابسها وجلست بإعتدال تنتظر وصول كريم بينما خلود منشغلة في رسماتها وهي تقول:
- ملناش دعوه بحد ، سبيني انا عايزه اخلص الألبوم دا..
لتقول كوثر بلهجة غربية وهي تبتسم فلا يدرك من يراها انها تتحدث:
- لا خليكي باصه معايا عشان داخل..
نظرت اليها خلود بعدم فهم ثم قالت:
-مش فاهمه..
ثم تابعت ضاحه:
- انتي عامله فـ نفسك كدا ليه ؟!
وصل كريم الي المطعم الموجود بجانبهم تماما ثم اشار الي العامل بما يريد ثم استند بمرفقه علي المنضدة الرخاميه وظل ينظر الي خلود نظرات جريئه..
لاحظت كوثر نظراته لتقول بنفس لهجتها الغريبة وهي تبتسم:
- الحقي دا بيبص عليكي انتي ، سيبك من الرسم يا موكوسه وبصيله..
نظرت اليها خلود بتعجب ثم قالت:
- علي فكرة مش فاهمه ولا كلمه من اللي بتقوليها..
- وعلي فكرة الشجرة مش بتترسم كدا يا آنسه..
كان هذا صوت كريم لتنظر اليه خلود بتعجب وتزيد كوثر ابتسامتها البلهاء ثم تقول:
- والله بقولها كدا من الصبح بس هي عنيده شويه..
لم يأبه كريم بما قالته بل ظل يتفحص خلود عن قرب من خلف نظارته و هي تقول لـ كوثر بحدة:
- بس يا كوثر..
ثم وجهت حديثها اليه بحدة ايضا:
- افندم حضرتك ؟!
- الشجرة اللي انتي عملاها ، انتي راسمه نخلة مش شجره ! ساق النخله مستقيمه ، الشجرة لازم تكون نازله تمانيه ..
ثم تابع بلهجة مستفزه:
- بس برده رسمك مش بطال.
إعتاظت خلود مما قاله بينما صفقت كوثر وهي تبتسم ببلاهه:
- الله .. و علي كدا حضرتك رسام ؟
نظر اليها كريم و تجاهلها ليعود ببصره الي خلود التي قالت بضيق:
- مع احترامي لحضرتك بس انت ايه دخلك باللي برسمه ؟؟
رفع كريم احد حاجبيه ثم قال:
- والله واجبي اما اشوف حاجه ملوثه انضفها.
- ملوثه ؟!
نطقت بها خلود بدهشة ثم قالت بإنفعال:
- محدش قالك تيجي هنا وتبص علي الورق بتاعي ، وبعدين محدش اخد رأيك في حاجه يا ..
ليقاطعها كريم بقوله:
- كريم.. كريم سيف الدين ، صاحب اكبر شركات الأقمشه .. ودا الكارت بتاعي..
مد يده بكارت صغير لتنظر اليه خلود بتكبر ثم تعقد ذراعيها امام صدرها لتسرع كوثر بأخذه وهي تقول مبتسمه:
- شرف لينا طبعا يا استاذ كريم..
نظر اليها كريم بتعجب ثم نظر الي خلود التي قالت:
- شرف ليكي مش ليا..
ابتسمت كوثر بحرج لتقول معتذره:
- معلش اعذرنا اصلها مش في المود شويه.
- مممم
همهم بها كريم ثم قال موجها حديثه الي خلود:
- علي العموم يا آنسه آآآ..
لتسرع كوثر بقولها:
- خلود..
ثم تابعت ضاحكة وهي تمد يدها مصافحة:
- وانا كوثر .. اتشرفنا.
نظر اليها كريم ثم مد يده ليصافحها تحت انظار خلود المدهوشة والتي لاحظها كريم ليقول مبتسما:
- يظهر ان في حاجه مضيقاكي يا آنسه آآ..
ثم تابع مصطنعا النسيان:
- قولتيلي اسمها ايه؟
ابتسمت كوثر ثم قالت:
- خلود .. خلود أشرف..
لتنهض خلود فجأة وتلملم اغراضها مسرعة وهي تزفر ثم تقول بجديه:
- انا هروح حته تانيه يكون فيها طراوه الجو بقي حر فجأة .. اما تفضي ابقي تعالي..
ثم ذهبت مسرعة من امامهما وكريم يتابعها في كل خطوة تخطوها الي ان جلست علي مقعد آخر ثم زفرت مجددا واكملت عملها..
عادت كوثر تنظر اليه ثم قالت:
- هي كدا .. مبتحبش تختلط بحد اوي .. بس انا عكسها جدا علي فكرة..
ثم ضحكت ببلاهة ليبتسم كريم ابتسامة صغيرة مجامله ، لتكمل كوثر:
- اتمني اشوفك مره تانيه .. احنا هنا كل يوم سبت..
نظر اليها كريم بتركيز ثم قال بعد لحظات بتعالي:
- مظنش ممكن نتقابل تاني ، للأسف عندي مشاغل..
ثم نظر الي ساعته ليقول:
- مضطر امشي دلوقتي ..
ثم القي نظرة اخيرة علي خلود و تحرك بعدها ليتجه الي المخرج تاركا خلفه كوثر تتنهد وهي تحتضن الكارت المحتوي علي رقم هاتفه الشخصي .
اصتدم كريم بـ أشرف والد خلود الذي قال متعجبا:
- كريم بيه ؟! ..
نظر اليه كريم ثم قال:
- ازيك يا عم أشرف .. بتعمل ايه هنا؟
نظر أشرف حوله وكأنه يبحث عن احد ثم قال:
- بنتي خلود هنا هي وجارتها .. جاي اجيبهم..
قطب كريم حاجبيه ثم نظر الي خلود وقال:
- هي دي ؟
نظر اليها أشرف ليبتسم ثم يقول:
- ايوه هي.. انت لسه فاكرها ؟؟
- فاكر مين .. ليه هي مين دي ؟؟
ليهتف أشرف ضاحكا وهو يقول:
- خـلود .. دي البنت الصغيرة اللي كنت بجيبها معايا الشغل ، وكانت دايما تفضل معاك في المكتب وتدلق القهوة علي ملفاتك ، وكان عـ قلبك زي العسل ، بس دا كله قبل ما معاليك يتغير .. الصراحه مش مصدق انك مش فاكرها..
صمت كريم يحاول استيعاب ما قيل ثم قال بتعجب:
- خلــود .. هي دي ؟؟
- ايوووه .. هي دي البنت اللي كان عندها 6 سنين وانت تقريبا ايامها كان عندك 25 سنه .. ها افتكرت ؟
ليقول كريم بتمهل:
- آه افتكرت..
- عندها دلوقتي 18 سنه ، ربنا يحميها.. عن إذنك بقي اروحلهم.
- اتفضل..
اتجه أشرف اليهما بينما التفت كريم ليشاهدهما فوجد خلود تبتسم وتتجه اليه بسعاده ، بالفعل تمثل فيها اسمها ؛ فمن ينظر لعينيها يري الخلود ساكنا بهما يدعوك للعيش الابدي بين ثناياه..
مرت لحظات الي ان قال كريم :
- بقي دي خلود بنت عم أشرف..
انزل نظارته قليلا و نظر اليها ليجدها تلتفت وتنظر اليه لتختفي ابتسامتها وتشيح بوجهها ليلتفت ويقول بخفوت وهو يعيد نظارته مجددا:
- كدا الموضوع دخل دماغي .. وهتبقي نهايته حلوه اوي..