عشية الحرب (3)

12 1 0
                                    

قبل ان تبدأ القصة عليكم العودة وقراءة البارت السابق لكي تربط الاحداث وتفهموا القصة✌😀

فلنبدأ..

تلك الليلة أيضاً انبعث الغاز مرة أخرى من الكوكب البعيد. رأيته بنفسي؛ وهجا
ضاربًا إلى الحمرة على الأطراف، وذلك مع إعلان الميقاتي أنها منتصف الليل
وهنا أخبرت أوجيلفي، وأخذ مكاني. كانت ليلة حارة وكنت أشعر بالظمأ، فتمشيت قليلا،
ً متحسسا طريقي في الظلام نحو الطاولة الصغيرة التي يستقر فوقها المثعب، في حين
صاح أوجيلفي عند رؤية خيط الغاز القادم نحونا.
انطلقت قذيفة غير مرئية أخرى تلك الليلة في طريقها من المريخ نحو الأرض قبل
ثانية أو نحو ذلك من انقضاء أربع وعشرين ساعة على انطلاق القذيفة الأولى. أذكر كيف
َّ أني جلست أمام المائدة في الظلام تسبح أمام عيني بقع خضراء وقرمزية اللون. تمنيت لو ان معي ثقاباً كي أدخن بينما يساورني بعض الشك في ما يعنيه الوميض الدقيق
الذي رأيته وفي كل ما قد يجلبه لي في الوقت الراهن. استمر أوجيلفي في المراقبة حتى
الساعة الواحدة، ثم توقَّف، واشعلنا المصباح واتجهنا نحو منزله
في الأسفل تحت جنح الظلام  كان المئات من سكان «أوترشو» و«تشريتسي» يغطون في نومهم مطمئنين
كان لدى أوجيلفي تخمينات كثيرة عن حالة المريخ تلك الليلة، وتهكم من الفكرة
ً الشائعة عن كونه مأهولا ً بسكان يراقبوننا. كان يرى أن وابلاً من الأحجار النيزكية
ً يتساقط على الكوكب، أو أن ثمة انفجارا بركانيٍّاً مهولا. أخبرني كيف أنه من غير الوارد
أن يكون التطور العضوي قد اتخذ المنحى نفسه على سطح كوكبين متجاورين.
ً قال: «إن فرص وجود أي كائنات تشبه البشر على المريخ تساوي واحدا إلى مليون.»
رأى مئات المراقبين الوهج تلك الليلة والليلة التي تلتها نحو منتصف الليل، ثم
ً في الليلة التالية أيضا، وهكذا ظل الوهج يُرى كل ليلة على مدار عشر ليال. لم يحاول
أحد على كوكب الأرض أن يعرف سبب توقف القذائف بعد الليلة العاشرة. ربما تكون
الغازات المصاحبة لعملية الإطلاق هي ما أزعجت المريخيين. انتشرت سحب كثيفة من
الدخان أو الغبار — أمكن رؤيتها عبر تلسكوب قوي على الأرض كبقع رمادية صغيرة
متأرجحة — وسط صفاء الغلاف الجوي للمريخ وحجبت أشهر ملامحه.
حتى الصحف اليومية انتبهت إلى الخطر أخيراً، وشاعت المقالات في كل مكان عن
البراكين التي تثور على كوكب المريخ. أذكر أن مجلة «بانش» التي تجمع على صفحاتها
بين الجد والهزل استغلت هذا الحدث خير استغلال في رسومها الكرتونية السياسية.
تحركت تلك القذائف — التي لم يتخيل أحد وجودها — التي أطلقها المريخيون نحو
الأرض، وكانت تندفع الآن بسرعة عدة أميال في الثانية عبر الفضاء الخالي لتقترب ساعة
ً بعد ساعة ويوما بعد يوم. أكاد لا أصدق الآن كيف استمر البشر — رغم ذلك الهلاك
السريع الذي كان يحيق بهم — في متابعة شئونهم التافهة. أذكر كيف كان ماركام
مبتهجا لحصوله على صورة فوتوغرافية جديدة للكوكب من أجل المجلة المصورة التي
كان يرأس تحريرها في تلك الفترة. عادة ما لا ينتبه البشر في وقتنا هذا إلى وفرة صحف
ً القرن التاسع عشر وجرأتها. ومن جانبي، كنت مشغولا بتعلم ركوب الدراجة، وبمجموعة
من الأبحاث التي تناقش التطورات المحتملة للأفكار الأخلاقية مع تقدم الحضارة.
ذات ليلة (ربما كانت القذيفة الأولى وقتها على بعد ١٠٠٠٠٠٠٠ ميل)، خرجت
َّ في نزهة على الأقدام مع زوجتي. كانت ليلة يزينها ضوء النجوم، وحدثتُها عن علامات
َّ الأبراج الفلكية، وأشرت نحو المريخ، الذي بدا نقطة ضوء لامعة تزحف نحو السْمت،
َّ بينما يتجه نحوه عدد كبير من التلسكوبات. كانت ليلة حارة. وفي طريق عودتنا إلى المنزل، مرت بنا مجموعة متنزهين من «تشريتسي» أو «آيلزويرث» يغنون الموسيقى. كانت هناك أضواء في النوافذ العلوية للمنازل مع استعداد سكانها للخلود
إلى النوم. ومن محطة السكة الحديدية من بعيد، انطلقت أصوات القطارات المتحولة بين الخطوط رنانة مدوية، لتخفت مع ابتعاد المسافة حتى تكاد تصير دقات متناغمة.
أشارت زوجتي إلى بريق أضواء الإشارات الحمراء والخضراء والصفراء المعلقة قبالة السماء بدا كل شيء غاية في الأمان والهدوء.

حرب العوالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن