في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات انطلقت ثورة الكف الأسود في فلسطين، وتمّ إخضاعها تماماً والقضاء على عناصرها خلال 4 شهور، فقضوا ما بين شهيد وأسير وطريد. في تلك الفترة أيضا انطلقت في فيتنام محاولة للحزب الشيوعي لإطلاق ثورة، تم قمعها هي كذلك وتم إنهاء الحزب الشيوعي تقريباً.
المهم في الأمر أنه على إثر تلك الثورتين انطلقت ثورات من أفضل ما قدمته البشرية لنا: ثورة الكف الأسود التي كانت أحد أهم عوامل ثورة 1936 وثورة الحزب الشيوعي كانت أحد أهم عوامل الثورة الفيتنامية على الفرنسيين، إذ تعلمت القيادات من الأخطاء وقاسوا عليها وصوبوا الخطأ.
لم يزهد الناس وقتها في خيار الكفاح المسلح ولم يجتروا الخطاب الاستعماري بأن الكفاح المسلح لا طائلة أو فائدة منه، بل راجعوا التجربة وحلّلوها وانطلقوا لثورات أخرى ليتفادوا أخطاءهم. في المقابل، يجتر الفلسطينيون مقولة أن الانتفاضة الثانية قد جلبت الدمار بحيث أصبحوا يزهدون في أي انتفاضة قادمة خوفاً من نفس النتائج.
ولا أدري متى جلس الفلسطينيون ليقيموا نتائج الانتفاضة الثانية بشكل علمي بحت، وليقيموا نتائج التجربة العسكرية لها. عادة عندما تسمع أحدهم يتكلم عن الدمار والويلات والخسائر وعدم وجود فوائد، هو يقوم بإعادة إنتاج البروبوغاندا الصهيونية لكن بلغته. والبروبوغاندا هذه لها آليات عمل متعددة تبدأ في تغيير الفضاء الفلسطيني ولا تنتهي عند الدعاية الرسمية للسلطة (مقولات محمود عباس)، وحتى الآن الحرب علينا لم تتوقف والعنف الرمزي والقمع الخفي هو سيد الموقف، وعادة الذي يحدث عند فشل أي تجربة يقوم النقد على مراجعة كيفية التطبيق وليس النظرية أو الايديولوجيا التي تقف وراء التجربة.