1- ليزا وريك

8.8K 145 1
                                    


ظهر البيت عند منعطف في الطريق , محاطا بقوسن من الأشجار مربعالشكل , من الحجر الرملي الدافئ اللون وفي تصميمه لمحة من الفن الأغريقي .
وكانتالشمس حارة تغرق واجهته , فبدأ شامخا متينا . ولم تتبين ليزا الكسور في أحجاره , واختفاء بعض أجزاء نوافذه , ومظاهر الأهمال فيه , الا عندما خرجت من دائرة ظلالالأشجار , وتتبعت منحنى الطريق أمام المواجهه . لقد بدأ المكان كله مهجورا . 
ووقفت لحظة عند بداية السلم الحجري المؤدي الى الباب وأخذت تخطط في ذهنهاالعبارات الوصفية الأولى . كان عليها في هذا التحقيق ان تختار بحرص كل ما شأنه انيجذب اهتمام رئيس التحرير , دون ان تتعرض كثيرا للناحية الفنية التطبيقية لهذاالأثر الذي يعود تاريخه الى القرن السابع عشر .
هزت ليزا فجأة كتفيها النحيلتين : أي فارق حقيقي بين ان يكون التحقيق مقبولا او مرفوضا ؟ انهم بالتأكيد لايمكن انيدفعوا لها خمسمائة جنيه , وهو المبلغ الذي كان عليها ان تعثر عليه لو ارادت انتنتشل ريك من المشاكل التي تورط فيها بسبب ادمانه المقامرة . هذه المرة كان قد أغرقنفسه تماما ! ففي بحر عشرة أيام كان المحاسبون سيطلعون على دفاتر الشركة وحينئذستظهر الحقيقة مالم يستطيع ريك ان يعيد ما كان قد أخذه ولكن خمسمائة جنيه ؟ أينيمكن العثور على هذا المبلغ في مثل تلك الفترة الزمنية القصيرة ؟
وعادت بهاالذاكرة وهي واقفة في مكانها . الى عصر اليوم السابق , في غرفة الجلوس الصغيرة فيالشقة التي يشاركها أياها أخوها والى عيني ريك الزرقاوين اليائستين حينا كان يسألهاالعون قائلا :
" علي ان ادبر المبلغ بأية طريقة – ان ماكبين سيقدمني للمحاكمة . انا اعرف انه سيفعل الا تعرفين احدا يمكن ان يقرضنا المبلغ ."
" ريك لا اعرف حتىمن يمكن ان يقرضني اقل بكثير من هذا المبلغ حتى لو عرفت فيجب ان اعطي تفسيرا لذلكلا أستطيع ان اخبر أحدا أنني في حاجة الى ذلك حتى أحول دون دخول أخي السجن . مالذيجعلك تأخذ هذا المبلغ ؟ ومالذي فعلته بكل هذه النقود ؟ "
وهز كتفيه , وشاح عنهابوجهه الوسيم الذي تقلصت ملامحه قائلا :
" ما جدوى ذلك الآن ؟ يبدو انك لنتساعديني ."
" انت تعرف يا ريك انني لو كنت أملك المبلغ , او اعرف أية وسيلةللحصول عليه في الوقت المناسب لكنت حتما بادرت الى مساعدتك ".
القى ريك بنفسهفوق المقعد. وأتكأ بمرفقيه على ركبتيه وأسند رأسه بين يديه وقال :
" بذلتالمستحيل من أجل الحصول على قرض ولكن محاولاتي فشلت ."
قالت ليزا بتردد :
" تستطيع ان تذهب الى السيد ماكبين وتعلمه بالحقيقه قبل وصول المحاسبين , وأعرض عليهالمبلغ استقطاعا من مرتبك , أستطيع ان أساعدك في ذلك سأذهب معك في الصباح أذا شئت ."
ورفع ريك رأسه ونظر اليها بدهشة كبيرة ثم انفجر قائلا :
" لابد انك تمزحين ! أخبر ماكبين ؟ لابد انه سيستدعي الشرطة في الحال ."
" انها فرصه. على الأقل قديشعر نحوك بشئ من الأحترام لشجاعتك في اللجوء اليه أرجوك يا ريك أرجوك افعل ذلك ."
قفز من مكانه وقال وهو يتجه نحو الباب :
" اذا كان ذلك أفضل ما يمكن فعلهفلا جدوى من وجودي هنا علي ان افكر لأجد مخرجا ."
أسرعت خلفه وأمسكته بذراعهوسألته :
" هل ستعود ؟ "
ووقف ويده على المقبض وقال وهو يهز كتفيه في عدممبالاة :
" تقصدين اذا كنت سأهرب من المأزق ؟ فكرت بالفعل في ذلك , ولكنني لااتخيل حياة قائمة على الفرار ثم ان ماكبين لن يهدأ له بال حتى يقدمني الى العدالةأنسي الأمر ياليزا سأجد مخرجا لاتسهري في انتظاري ."
ولكنها كانت بالطبع ستسهرفي انتظاره . فكرت في ذلك وهي واقفة في مكانها حيث تركها وأغلق الباب خلفه. كانتحتما ستنتظره كما انتظرته مرات عديدة في قلق وحيرة لأن ريك هو كل ما بقي لها منالعائلة .
كانت ليزا في الثانية عشرة وأخوها في العاشرة , عندما قتل والداها فيحادثة منذ أحد عشر عاما وكانت العمة التي تولت تربيتهما تحاول ان تكون رقيقة معهمالكن طبيعتها القاسية كانت أقوى ولم تجد ما يدعوها الى اخفاء مشاعرها عنهما ولذلكحولت ليزا كل طاقاتها العاطفية نحو أخيها الصغير أحبته وعملت على حمايته الى حدتحمل التأنيب على سوء أفعاله , لأنها لم تكن تحتمل رؤيته حزينا .
وفي السابعةعشرة , اتخذت الخطوات الأولى نحو تحقيق طموحها في التخصص المهني في الهندسةالمعمارية لكن موت العمة اليزابيث بعد عام انتزع هذا العزاء عن حرمانها , ولأنهاأصبحت وحيدة تماما في هذه الدنيا فقد رحلت مع ريك الى لندن على أمل ان يجدا فيالعاصمة المستقبل الآمن الذي كانا يسعيان اليه , وأن اختلفت سبلهما ووجدت ليزا عمللقاء راتب يفي بحاجاتهما معا : عملت خطاطة في شركة هندسية معمارية , لكن الشهورالأولى كانت صعبة حتى انها عجزت عن اقتراح بديل حينما أعلن ريك رغبته في تركالمدرسة في نهاية الفصل الدراسي ووجد لنفسه عملا .وعندما بلغ ريك الثامنه عشره اصبحشخصا مختلفا عن الفتى الذي عرفته منذ عاميين. كان ساخطا على عمله وعلى حالتهالماديه وعلى كآبه الحياه بصفه عامه ووجد طريقه الى موائد القمار واصبح مشدودا بلاوعي الى عجله الرولت معتقدا ان المقامره ستحل مشاكله الماديه.
ولسوء حظه انه كان محظوظا في البدايه ذلك انه حتى بعدما اصبحيخسر بصفه مستمره كان يقنع نفسه دائما بأن الدوره التاليه للعجله ستعوضه, وفي ذلكالوقت بدأت ليزا تكتب كصحفيه غير متفرغه اضافه الى عملها الاخر مستغله معلوماتها فيالهندسه المعماريه وحبها للتاريخ وكان كل ما تكسبه يذهب الى ريك ويساعده على الخروجمن العثره تلو الاخرى ويحول بينه وبين الغرق. ولم يكن الكلام معه يجدي. لكن ليزاكانت تغري نفسها بأن رضاها ولم يفعل شيء خارجا على القانون لكن الوضع الانتبدل.
" آنسه فارل... " 

من اجل حفنة جنيهات - كاي ثورب - عبير القديمة حيث تعيش القصص. اكتشف الآن