رأيتُ فتىً من بعيد
عيناهُ يملؤهما الحزن، بل الخوف أيضا
و بالرغم من كل شيء في لحظة ابتسم الفتى
ابتسامة دافئة، بسيطة لكنها مُريبة بعض الشيء
رأيتُ فتى من بعيد
ظننتُ أنه مشتاق لأحدهم
و إذا بنظرة واحدة جرَّدني حجابي
بأحاسيسه الواحدة تلو الأخرى
لم أرى قلبا مثل هذا من قبل، أو هكذا حب
الآن سيكبر الفتى يوما بعد يوم
و داعب كلَّ أحزانِه الواحدة بعد الأخرى
للاختباء داخل أملٍ غامض و عابس بعض الشيء
رأيتُ فتى من بعيد
طفوليٌّ قليلا، ناضج قليلا ولا يعبر عن أي أحد بعض الشيء
في يديه باقات مر عليها الزمن
اختار طريقا جديدة لم يسبق له أن اختبرها
رأيتُ فتى من بعيد
الغد في إحدى يديه و الأمس في الأخرى
يبدو مستاءً قليلا بسبب تقدمه في السن باكرا
نظر إلى حال الدنيا و ضحك مبتعدا
لم أرى قلبا مثل هذا من قبل، أو هكذا حب
الآن سيكبر الفتى يوما بعد يوم
و داعب كلَّ أحزانِه الواحدة بعد الأخرى
للاختباء داخل أملٍ غامض و عابس بعض الشيء
( سيزن أكسو - أحببت طفلا )
###
اكتشفت ميرا صباحا انها مسجونة في قارب ، انها لا تعلم اذا كان يسير ام متوقف ، انها تشعر بأن حياتها توقفت الليلة الماضية ، كانت تنظر إلى البحر من الزجاج في صمت و هي جالسة على الأرضية ، عيناها متورمتان و لم يعد لديها دموع أكثر و لكن قلبها يريد البكاء ، يجبر عيناها التي جفت ان تذرف المزيد في صمت و عمر يعذبها أكثر بتلك الأغاني التي تبث من السماعات ، كل الأغاني الحزينة التي تحمل ذكراه و رائحته حتى ( ستمر - اذهب - انت تعلم..) صوت سيزن أكسو يعم في الأرجاء و هي تسند رأسها على الزجاج فقط و لكن عندما سمعت كلمات أحببت طفلا بدأت تنتحب ، كانت تشعر بأنها أم فقدت ابنها الأكبر ، ابنها الذي عانى كثيرا في عدم وجودها ، ابنها الذي وجدته متأخرا جدا و الآن ذهب مبكرا جدا
فرحات ذلك الطفل الذي أصبح قاتلا لقاتل والده في الثانية عشر ثم دخل الأحداث و بعدها إلى الجيش ليفقد كل رفاقه هناك ، فرحات الذي تركته أمه ضحية لهذه الحياة ، فرحات الذي تألم جدا لدرجة أنه يخشى الحب و يهرب منه ، تبكي و تبكي و تبكي...
صغيرها الذي تمنت لو أنها داعبت وجنتيه في حنو ، لو أنه فعلا كان طفلها لحملته على قدميها و ربطت حذائه و مشطت شعره و ضمته إلى صدرها حتى إلى الأبد و حتى بذلك القدر لم تكن لتمتلأ روحها من رائحته
إنه فقط لا يكفي، انها رأت ما لم ئر الناس فيه تقبلته و تعلم جيدا أنه تقبلها هو الأول و الأخير في حياتها و هي تعلم جيدا أنها بالنسبة له ليست نزوة و ليست فقط جسدا..
" ليحضر أحدكم خاتم زوجي . لأغلبن على رقبتي للنهاية..إلى أين أخذتم صغيري ؟ ماذا فعلتم به ؟ لماذا..لماذا.." همست لنفسها و انهارت من البكاء مجددا لم يكن يبدو أنها ستصمد لوقت طويل
###
" ايه ماذا سنفعل الآن ؟ " سأل فرحات و هو يقود بأقصى سرعة
" أنا سأنزل لأتفاوض معه و رجالي سيشغلون رجاله و أنت ستذهب للمكان الذي علمنا أنه وضع الطبيبة فيه ! ان شاء الله تكون هناك و ان لم تكن يكون هو تحت قبضتنا لا تقلق..ما نمسكه عليه ليس بهين.." قال كرم في قلق حقيقي و حزن لحال فرحات ذاك
" ايه والله " قال فرحات في موافقة و امتنان لم يساعد غضبه و قلقه على إظهاره
###
نزل كرم لمقابلة عمر و انطلق فرحات متبعا محدد المواقع بأقصى سرعته ، كانت مسافة بعيدة و كان قلبه يحترق في كل خطوة منها
وصل أخيرا و نزل مثل المجنون يبحث في القوارب و يسأل الناس حتى وصل إلى القارب المنشود ، لم يكن هناك أحد حوله و كان ذلك مثيرا للشك لذلك أشهر سلاحه الخاص و دخل مسيطرا على أعصابه بصعوبة كي لا يصرخ باسمها في الأرجاء
دخل يتفقد المكان ببطء ليفتح غرفة المعدات اولا و لا يجد أحد ثم يفتح غرفة القيادة التي كان يتحكم فيها عمر بكل شئ ، ليجد شاشات المراقبة التي يراقب بها غرفتها ليرى حالتها تلك فيخرج كالمجنون مشهرا سلاحه مرة أخرى متوقعا أي شئ
كسر قفل الباب برصاصة فانتفضت هي و أمسكت كوب الماء الذي كان بجوارها في محاولة يائسة لتحمي نفسها و طفلها لتجد أن فرحات هو الذي فتح الباب و اتجه إليها في سرعة لتفتح هي فاها غير مصدقة و لكن حركتها المتقهقرة و هي جالسة توقفت و لكن جسدها لم يقو على رفع نفسه بنفسه فنزل هو إلى مستواها و رفعها إليه " فرحات؟!" قالت و هي تبكي فرحة هذه المرة و ليس حزنا ، هذه المرة الحب جعلها عمياء ، لم تسأل اذا كانت حية أم ميتة ، لم تسأل اذا كان هذا حقيقة ام خيالا فكل ما أرادته أن تكون بجواره حتى و إن كان في كذبة في حلم او في وهم
" أنت بخير لا يوجد بك شئ أليس كذلك ! " قال في خوف و قلق بدا أنه قسوة بعض الشئ و لكن ارتجافة صوته و هو يحملها أوضحت كل شئ
مررت يدها الناعمة على وجنتيه بهدوء و رقة كما يٌفعل للأطفال لتصل يدها إلى مكان جرحه " من فعل بك هذا ؟ " قالت و هي تبكي مجددا ليتوقف هو " لا تبكِ هل سمعتني ؟ لا تبكِ و لا تخافِ أنا موجود بعد الآن..لم أكن موجودا و لكن انتهى انا هنا " قال معتذرا و رومانسيا بطريقته
فوضعت رأسها هي على صدره في صمت و استسلام و أحاطت طفلها في صمت ، تحمد الله كثيرا على عودة فرحات و لكنها لا تعرف كيف ستخبره
###
خرج فرحات بميرا في يديه من القارب ليجد أن رجال كرم قد وصلوا بالفعل ليخبروه بأن كرم سيلقاه غدا ليخبره كل التطورات و ليعطوه مفتاح الغرفة في أحد فنادق كرم القريبة لأن المسافة للمنزل أصبحت بعيدة جدا
وضع فرحات ميرا في الكرسي بجانب السائق للتأوع هي قليلا و لكن تحاول أن تكتم ذلك و بطبيعة الحال فرحات لاحظ ذلك
انطلق فرحات بالسيارة و عّم الصمت لفترة هي تنظر إليه فقط و هو مركز على الطريق لا يريد لآهاته و آلامه و دموعه و أنينه أن يخرجوا
وضعت ميرا يدها على رحمها في حركة تلقائية لينتبه فرحات و يتذكر كلمات عمر كيف أنها خائفة من أن تجعله يعلم ، ليتذكر هو كلماتها كيف أنها تخشى عليه من نفسها و من طفله
وصلوا إلى الفندق أخيرا و أمسك فرحات بعضدها طوال سيرهم حتى يضمن أنها لن تترنح و لن تقع حتى وصلوا و فتح الباب
خلع معطفه و ما ان بدأت هي في خلع معطفها حتى قال " توقفِ. أعطني هذا.." قال و هو يخلع عنها معطفه و هي تحرك جسدها في صعوبة فما حدث قد أرهقها جسديا و نفسيا و هي لم تتعافَ بالفعل
أعطته إياه و حاولت الهروب من هذا الموقف الذي قد يعلم فيه فرحات عن طفلهما ، شئ ما بداخلها يخبرها لو تتعودين على الفقد لو تتعودين على الترك !
هزت رأسها في محاولة نفض هذه الأفكار " لنبحث عن الإسعافات الأولية و نداوي جرح رأسك.." قالت هاربة منه و لكنه كان أولويتها الأولى و الأخيرة حتى في هذه الحالة و لكنه لم يتركها تهرب أحاط خصرها و وضع يده على رحمها تماما لتتسمر هي في مكانها لا تعلم ما الذي عليها أن تقوله " لماذا أيتها الطبيبة ؟ لماذا " قال و هو ما زال لا يتركها تذهب و لا يتركها تلتفت لتواجهه وجها لوجه فترى دموعه التي بدأت تنزل قطرة قطرة و صوته القاسي الذي بدأ يهتز و ينكسر " لماذا ماذا ؟ " سألت في جهل و لكن قلبها كان يخبرها بأنها تعلم سؤاله ، في الحقيقة لم يكن يريد أن يسألها هذا يل كان يريد أن يسألها ان كانت رأته او سمعت ضربات قلبه ، كان يريد أن يسألها ان كان طفلهما بخير و حي أم أنه اصبح قاتل ابنه أيضا
" لماذا تحتفظين بطفل قد يقتلك ! لماذا تحتفظين بطفل رجل قاتل ؟ " قال و عروقه تصبح بارزة و يضغط على أسنانه في ألم في محاولة ألا ينهار انهيارا كاملا " انا احتفظت بما يشفيني ! احتفظت بطفل حبيبي " قالت في استسلام تام ليحوطها بقوة أكبر " هل رأيتيه ؟ هل هو بخير ؟ يعني لا توجد مشكلة أليس كذلك ؟ " قال بعد فترة من الصمت دون أن يتواجها و دون أن يفلتها
أغمضت عينيها تفاعلا مع كلماته و انهياره اما هو فقد كانت كلماتها تعطيه أملا و تهدئ من ذلك الانهيار الذي عاشه و لا يستطيع الخروج من تأثيره
" لم تتسن لي الفرصة ! فقط علمت بوجوده و لكن لم ألحق أن اطمئن عليه ، كما أنني لم أرد أن أفعل بدونك و في غيابك..كنت أظن أنك ربما ستأتي و تسألني ماذا ستفعلين هل ستحتفظين به أم ستجهضينه و انا لم أرد أن اسمع تلك الكلمة منك ! خفت كثيرا " قالت و انهارت في البكاء فجعلها تستدير و ضمها إليه بقوة " انه..انه طفلي و أنا لا أفرط بأحدكما هل سمعتني ؟ أنتما حياتي لا أضعكما بأيدي الآخرين " قال و تشارك كل منهما الأنفاس
" هيا استعدِ و لنذهب " قال و مازال رأسه مستندا إلى رأسها
" إلى أين ؟ " سألت و ابتسامة صغيرة على وجهها و هي ما تزال متغضنة العينين
" لنرَ الصغير.." قال و هو يتركها تذهب لتتجهز
###
وصلوا إلى المشفى ليفلت يدها فقط عندما أخبروه بأنهم سيجهزونها ثم سيدعونه للدخول ، قضى ذلك الوقت ذهابا و ايابا امام الغرفة و كأنه ينتظر ولادته و ليس رؤيته فقط
دخل في حماس و خوف حاول اخفاءهما ليجدها ممدة هناك فيقف بجانبها في صمت لتسأل الطبيبة " حسنا هل أنتما جاهزان لنرى ماذا يفعل صغيركما في الداخل " أومأت ميرا برأسها إيجابيا اما فرحات فشبح ابتسامة مر على شفتيه معلنا تشوقه و خوفه و قلقه ، يقولون ان الآباء لا يصبحون آباء إلا بالممارسة و لكن ميرا قد غيرت كل مفاهيمه ، قد تسللت إليه و كأنه لم يضع حصونا أبدا ، قد تسربت إلى داخله رويدا رويدا و تأثرت به و جعلته يتأثر بها حتى أصبحت هي حصونه و كيانه و روحه ، تمسكها بطفله ذاك جعله يتساءل لو أن أمه تمسكت به عندما أخذه خاله و جعله قاتلا ألم يكن الأمر الآن قد تغير ! لو أنه امتلك امرأة مثل ميرا منذ زمن ألم يكن كل هذا العذاب انتهى قبل أن يبدأ ..
" حسنا.." قالت الطبيبة و بدأت صورة الصغير تظهر على الشاشة
" لترحبوا بطفلكما..هل تستطيعين الرؤية إنه هناك و لكن إنه يتحرك كثيرا يبدو أنه متوتر مثل والديه " قالت الطبيبة باتسامة و كل من فرحات و ميرا يمعننان النظر لرؤيته
" هل يمكننا أن نسمع ضربات قلبه أيضا ؟ " سألت ميرا في حماس و هي ترى طفلها لأول مرة
تبادلت النظرات مع فرحات الذي كان متشوقا أكثر منها لهذه المعجزة التي حدثت حتى أن المعجزة الأكبر هو انه استطاع إظهار تقبله لطفله بهذه السرعة و لكن ماذا يفعل هذه الحياة التي علمته القتل عنوة الآن تعلمه الحب عنوة أيضا
" هل هو بخير ؟ " سأل فرحات في خوف و تردد و قلق فهو لا يعرف متى تعلم أن يسأل مثل هذه الأسئلة
" حسنا مرحليا انه كذلك ! انه فقط صغير قليلا بالنسبة لعمره و لكن أنا سأعطيها بعضا من المقويات و نظاما عذائيا أيضا ففي النهاية يعتبر أن ما حدث معجزة ! يعني الإناث السليمات قد تطول الفترة بهن حتى يحدث حمل و لكن زوجتك شجاعة جدا حيث أنها حملت و احتفظت بالطفل في حالة مثل هذه..حاليا لا أريد أن أقلقكم و لكن ربما في مرحلة ما قد نلجأ لولادة مبكرة نظرا لحالتها الصحية فرغم أنها أم شجاعة و لكن كما رأيت هي خرجت من حادثة ثقيلة و الحمل بالتأكيد سيؤثر على شفائها كما أن هذا الحزن و التوتر اللذان عاشتهما لم يكن جيدا أبدا و نحن ندعوا ألا يؤثر ذلك عليه و لكن أشياء كهذه ليس لها قواعد ثابته لذلك عليكم أن تنتهبوا من الآن فصاعدا و لكن لهذه الفترة فيبدو كل شئ بخير " قالت الطبيبة ليقلق كل من فرحات و ميرا مجددا
" ايه والله نتنبه أيتها الطبيبة " قال فرحات و هو في انتظار أن تجعلهم يسمعون ضربات قلبه ليطمئن بعض الشئ لتفتح الطبيبة الصوت و تبدأ نغمة دقات قلبه في الظهور ، لقد كانت سريعة جدا و كأنها تخبرهم بأنه في سياق مع الزمن ليصل إليهم ، لتخبرهم بأنه عنيد و متحمس و يحمل دم والده الثائر و أنه متمسك بالحياة إلى النهاية
" طفلي.." همست ميرا و أغمض فرحات عينيه و قد بدأ أخيرا في فهم ماذا يعني أن له حياة أخرى بداخل ميرا ، قد بدأ أخيرا يصدق و يتقبل و لكن خطر ذهاب هذه الحياة مازال قائما و ذلك يخيفه و يقتله أكثر من أي شئ في هذه الحياة..

أنت تقرأ
حب ابيض اسود...(الحب القرمزي)
Fanficالقصة دي زي ما أتمنى ان شاء الله يعني هتكون fanfiction لمسلسل حب ابيض أسود..هتكون ٣ أشكال الشكل الأول ( الحب القرمزي ) هتكون البطلة من اختراعي ( مش أصلي يعني ) و هتكون في احداث شبه الي اتعرض من المسلسل و بعدين هتمشي الحكاية بطريقتي انا الجزء التان...