بدايات ثائر !

1K 19 9
                                    

فالبداية سأعرفكم بمن أكون فانتم سوف تشاركوني بعض مذكراتي وجزءاً من حياتي التي كتبت وسطرت بها الكثير من الأحزان و القليل من الأفراح ، الشقاء والكفاح و النظال كان مقابلها الأذال و الخضوع ومن ثم السقوط ، سوف تشعر وتعتقد حينما تقراء هذه الكلمات و المفردات بأنك تشاركني تلك المشاعر و اللحظات فتوقف عن فعل ذلك قبل أن تتملكك الأوهام وتسليم عقلك لخيالك الجامح ، فكل من شاركوني تلك المأسي قد هلكوا و أصبحوا نسياً منسيا ، فقد بدأت معاناتي و أوجاعي منذُ الصغر فقد ولدت لعائلة فقيرة في أحد القرى القريبة من المدينة ، وكانت الفروقات بين المدينه و القرية ليست بالمساحه و عدد السكان فقد كانت المدينة لا تختفي منها الأضواء و الصخب وبالنسبة للقرية فلم يكن هناك لا مأكل ولا مشرب و مريضاً بلا طبيب و فقير بلا طعام ، بل من الجيد بأن الأوكسجين و الهواء لم يكن يملك ويحبس ولا لتم بيعهُ على سكان القرى الفقيرة فلو حدث ذلك كان لأبد بأن نعمل تحت وطأة و رحمة تلك الطبقة المرفهه من الأغنياء من سكان المدينة من أجل أن تحصل أجسادنا على ذلك الهواء .
لقد كانت القرية التي أسكنها ممتلئة بالمجرمين و المتمردين العتاه ، فلقد كان الرعب يدب بها منذُ الصغر وأصبح رفيق و شريك طفولة أبناء وسكان القرية ، فكل تلك المباني المهجورة المتناثرة في ارجاء القرية لم تهجر لأن أصحبها ملكوا المال و رحلوا من هذه القرية ، كما كانت تخبرني بذلك والدتي من أجل تخفي عن أبنها ذلك الواقع القاسي فوالدتي مسكينه لم تستطع تغيير وأقع و مصير حياة أبنها ، فلم تملك سوى بأن تُغير خياله و وتخبره بأمل و حياة لا وجود لها هاهنا ، أنما هجرها أصحابها لأنهم هجروا الدُنيا بكل مافيها من الشقى فلا فرح هناك يجعلهم يتمسكون بالحياة من أجله .
لن أسهب و أتحدث كثيراً عن كيف كانت سنواتي الأولى في القرية فلا شيء كان يستحق بأن يذكر و يتلى ، فكل الليالي متشابهة فلا أختلاف بها فعند النهار التفرغ الجميع للعمل وحينما يحل الليل بظلمته نصارع الجوع و نحاولوا جاهدين جلب النوم الى أجفاننا و نسيان مانشعر به من الحاجة للطعام .
وربما لاتحتاج لخوض هذه المعركة في كل ليلة فالتعب يتكفل بأسقاطك دون حراك و النوم دون أدراك ، تلك كانت ليالينا جميعاً فالقرية فلا أستثناءات بيننا ، يجمعنا الفقر و الجوع أنا وسكان قريتي .
وبالرغم أنني لم أكن أختلط و ألتقي معهم كثيراً ولكن ذلك لم يمنعني من التعرف على البعض منهم و ربما تحولت تلك المعرفة الى صداقه ، فكان من بين تلك الصداقات التي نجحت في كسبها الصبية شروق والتي كانت تصغرني في عامين لا ثالث لهما ، حسناً لأكن صريحاً معكم منذُ البداية لقد أخبرتكم أنها كانت مجرد صديقة ولكن الأمر لم يكن كذلك فلقد كانت الصبية التي أحببتها منذُ أن شعرت بأن لدي قلب أو ربما علمت بأن لدي قلب حينما أحببتها ، الأمر لا يختلف كثيراً فقد ملكت ذلك القلب دون أن تطرق أبوابه ، سأذكر لكم لأي حد قد أحببتها ففي أحد الأيام  التي كانت تلهوى به شروق مع شقيقها فيصل و أبن عمها يوسف أمام سور منزلهم ، أما أنا فلم أكن شخصية أفضل اللهوى ، فكُنت أعيش في زانزانة من أفكار الطفولة و أحلام الصبا ، ولكن ليس هذا وحده من يجعلني أخرج من منزلنا المتهلك الإ سبب واحد وهو كافي عن الحديث عن بقية الأسباب ، فأذا كان القمر فالسماء فلن تُذكر النجوم ولن يتحدث عن جمالها أحد ، فقد كُنت أخرج من أجل مشاهدة ما يهواه القلب و تُحبه الأعين ، شروق تلك الوردة التي خرجت من وسط جحيم تلك المقبرة ، كانت جميلة فاتنة ساحرة ، فلا يشبها شيء فلا قمراً و لا نجماً يظاهي ذلك الجمال و الحسن ، فالقمر ينكسف و يختفي أذا ظهرت ليلاً ، فالكون لا يتسع لضياء قمرين ، كُنت اشاهد كيف تلهوى كيف تلعب كيف تمرح و تضحك كيف تخجل و تبتسم ، كان كل هذا الفقر وجحيم المكان لم يتغلب و يخفي و يطغى على جمالها أو حتى يلوث نقاء روحها .
في تلك اللحظات التي أستغرقت في أحلامي و خيالي معها أختفت عن نظري وهم عنها غافلون ورباللعب تأهون ، فالحي قد كثرت به الجرائم و المصائب والقتل و النهب فماعاد صالحاً حتى للشياطين فلا دأعي لوجودها ، فالفقر و الجوع قد حل هنا ، وحينما يحتل الفقر بلداً عاث به الخراب والدمار فلا حاجه للشياطين أن كان معلمهم و سيدهم هنا ، فلا يوجد شراً في هذا العالم الإ وكان الفقر سبباً به ، فهو يورث الطمع والرغبة بالخروج من ذلك الدرك الأسفل من بؤس و جحيم الحياة بأي أمر أن كان نهب أو قتل ، فهو بلا أدنى شك جالب الأمراض و الطغيان بين البشر فكلً منهم يحاول أن يحصل على مصلحته حتى وأن كان ذلك يتسبب بسحق و تدمير الأخر فلا خيار الإ هذا الخيار .
لقد كُنا في كل شهر نفقد أحد سكان القرية و نجده بعد أيام من البحث المضني و المتعب صريعاً قتيلاً غارق بدموعه و دمائه ، فحينما أختفت خشيت بأن تواجه مثل هذا المصير ، فالشرطة لم تكن تكلف نفسها عناء البحث عن القاتل و لا أيجاد أو نصرت المقتول ، بل ربما يتمنون بأن تزداد الأمور سواءاً ويحترق ويموت كل من هم في تلك القرية فلا ينجوا ويبقى أحد .
تحركت فوراً فرحت أركض و أصرخ بأسمها لكن لا مُجيب ولا مُستجيب !
بدأ وكإن أوكسجين العالم ينفذ فلم أكن قادر حتى على التنفس من التعب و الخوف على ذلك الملاك ، دخلت كل أروقت الحي الضيقة و منازله و دكاكينه فلا أثر لها ولا خبر ، لقد أختفت و تلاشت كما يتلاشى الليل بظلمته و عتمته أن حل الصباح بنوره و ضيائه ، ولقد كان في أخر قريتنا منزلاً كبير قد هجره أصاحبه و عمه الخراب وأصبح يحكى و تروى عنه الكثير من الحكايا و الخرافات فقد قيل بأنهُ  قد سكنته الأشباح و أسياد الجن والشياطين ، فلم يستطع أحد اقتحامه او الدنو منه ، فكيف يتجرأ أحداً على ذلك وفي أحد الليالي من كل شهر تعلق جثة لأحد الكلاب هناك بعد أن يسلخ جلده و يظهر عظمه ويختفي لحمه ، لقد كان ذلك المنزل مكاناً مخيفاً و مرعباً بحق ، فأصبح سراً لا يرغب أحدنا بأستكشافه .
ساعات الليل أتت و ظلامه حل و غطاء كل شيء حولي ، فلا بدراً يُنير ولا نجماً يلمع ولا ضوءاً يسطع ، لاشيء أدركه او أشعربه سوى فحيح الرياح و وقع الخطىء التي أخطوها ، تحركت وأتجهت نحو مسكن الشياطين ذلك المنزل المهجور اللعين ، كان المكان الوحيد الذي لم أبحث عنها به .
للمرة الأولى تتملكني الرهبة و الشعور بالخوف فبدأت أظن بأن قلبي يُريد بأن يسقط و ينفك من جسدي ، لم أكن خائفاً في ذلك الوقت من كل ماهو حولي الظلام و العزلة وفقدانها ،  فلطالما كُنت جائف المشاعر فلم أكن أشعر بأنني أشعر ، كل ماكنت أخشاه بأن أجدها هناك ، اللعنه! لا أريد حتى الحديث عنها بسوء ، كل ماريده بأن أجدها مبتسمه و احتضنها وأعاتبها لبعدها و أختفائها عن أعيني ، لكن أن كانت هناك كيف تبتسم وهي في جحيم الشياطين و مسكنهم !
لقد كنت أخشى بأن لا أجدها في داخل المنزل المهجور ، فأن لم تكن هنا فقد تم أختطافها من القرية ، فقد كانت حالات الخطف تحدث بشكل متكرر ، وكل مانعرفه بأن أجسادهم يتم تشريحها و بيعها للأغنياء بسعراً بخس ، هكذا كانت حياتنا احياء بلا أرواح وبلا مشاعر ، حياة بلا لون سوى لون الظلام و سواده و الدم و أحمراره و الكفن و بياضه ، سحقاً ما كل هذا الذي يحدث في هذا القرية ؟  فالشر و الأجرام يسيطر ويحكم قبضته على كل شيء هنا .
كنت أتمتم و أتوسل مردداً
- طفلتي جميلتي حبيبتي ملاكي قمري وكل عالمي أرجوكِ كوني بين الشياطين في دارهم و مسكنهم ولا تكن اقدارك بائسه و قادتكِ ألى البشر و شرورهم ، فالشياطن أضعف و ألطف و أرحم من البشر .
ركضت و تعثرت و تمزق ردائي و سالت دمائي ، نهضت لم أكترث ، فكيف يكترث و يشعر الجسد و قد أنفطر فؤاده و أختفى محبوبه عن نظره و وفقد أثره .
أستمرارت بالعدو وقد أصبحت اللهث كاكلاب الصيد ، وحينما وصلت ركلت باب المنزل المهجور بعد أن أصطمدت به بجسدي النحيل ، فأذا انا بداخل الجحيم بعد أن فُتح الباب فلم يكن محكم الأغلاق ، وقفت ونظرت و تمعنت في الذي أمامي فأذا بحبيبتي قد وقفت صامته وكانها لم تشعر بقدومي ولم تكترث لضوصاء و الضجيج الذي أحدثته عند وصولي ، لقد كانت متصلبه كالصنم بل أشبه بالمومياء كل ماكان بها ساكناً لكنها واقفه على قدميها لا تنبس ولا تتحدث ولم تنظر وتلتفت ألي .
لم يكن شيء قادر على أن يجذب أنتباهها فقد كانت شاخصه و محدقه بعينيها تنظر نحو تلك الجثة المتمدده أمامها و الثعابين التي ألتفت حولها من كل جانب ، لقد تعرفت سريعاً على صاحبة الجثة أنها بائعة لأحد دكاكين القرية وهي التي أختفت منذُ أسابيع فلم يعلم لها عن عنوان ولم يجد لها أي أثر .
لقد كان ذلك منظراً مُخيفاً مُريعاً ، نظرت فوراً ألى حبيبتي بعد أن شاهدت الموت والجحيم  وهي صامته لا تحكي فقط تتمعن و تنظر ، كنتُ أدرك بأن الصدمة والدهشه قد عقدت لسانها فهي التي تؤذيها نسمه و تجرحها كلمه و تغضبها مزحه و تسعدها بسمه !
لم أسالها عن سبب قدومها فقد أختلطت المشاعر بين السعادة للقيائها وبين الرهبة من مشاهدة مابداخل المنزل من الجثث و الثعابين التي تملىء المنزل .
أخذت بيدي ووضعتها على عيناها و أحتضنتها بشدة حتى كادت تتداخل أجسادنا أما قلوبنا فقلبي معها ولم يكن يوماً ملكي فقبلتها على ثغرها الصامت الذي عجز عن الحديث ، وأخذت أحدثها و أهمس لها و أقسم بأنني لأن أتركك لوحدك مرة أخرى و بأنه لن يمسك سوء ، وسأظل معك وسأبكي من أجل أن تضحكين و أتالم من أجل أن تفرحين و سأموت من أجل أن تعيشين ، فلا تخافي ولا تفزعي وهوني عليك ، فحملتها بين ذراعي وخرجت من المنزل ، لقد خرجت كشيطان يحمل كل أحقاد العالم ، لم أبكي ولم أبتسم بعد تلك الليلة أبداً ، كل ماكنت أحمله من مشاعر الأنسانية سقطت هناك ، كم تمنيت حرق كل هذا العالم في تلك اللحظة ، كانت تلك الشراره التي أوقدت النار بجسدي و عقلي ، نظرت خلفي الى المنزل المجهور لأجد رجل طويل القامة لم أستطيع تمييزه ولا معرفته وكان يحمل بيده ساكيناً و عيناه قد أحمرت واشتطت غضباً و غيضاً ، وكان يسير خلفنا و يتبعنا ببطىء ، ويختبي خلف الصخور كل ما أدرت ظهري لنظر اليه ، أنه القاتل الذي كان يقتل و يسرق وينهب سكان القرية المساكين ، اللعنه! فتلك لم تكن رائحة جثث الكلاب بل البشر و الضحايا الذين يجلبهم الى هناك ويتربص بهم ، يالا الشياطين المساكين فهم ابرياء من كل تلك التهم و الحكايات التي تروى عنهم وعن شرهم ، فقد استغل البشر ضعفهم و صمتهم و ألقوا عليهم تلك التهم وجعلوهم مجرمين دون شهود او قضاءه .
حينها كم رغبت بأن أعود و أحاول أن أقف ولا أهرب من أمامه و ربما أتمكن من قتله أو حتى مواجهته لكن سحقاً انا ضعيف ولا أملك سوى جسد هزيل و نحيل ، فلا فرصة لمقارعته ، فأنطلقت راكضاً و هرباً بها ، وحينها قد قطعت وعداً وعهداً  بأن لا أهرب قط ، مت ولا تستسلم ، قاتل و أقتل ولا تعلن خوفك و رهبتك .
وما أن أنتصفنا القرية حتى توقف عن مطاردتنا وأختفى بين المنازل فلم يعد له أثر خلفنا ، أحتضنتني حينها بشدة وبدأت بالبكاء وانا لازلت أسير بها ، لم تتحدث فقط أهات و دموع ، وماهي سوى لحظات حتى تجمع سكان القرية حولنا ، الذين كانوا خائفين من البحث عنها في ذلك الجانب المظلم و المخيف من القرية ، كل العالم الذي يطائه البشر هو مظلم ومخيف ياسادة ، أن البشر يضعون في أذهانهم و أفكارهم أماكن أكثر شراً و بؤساً في العالم حتى يظنون بأنهم فالمكان الذي ينعم بالأمان بالمقارنة بكل تلك الأماكن ، لكن كل هذا وهم و هراء وهروب من الواقع ومجرد سراب لا يكفون عن السعي خلفه و الأيمان به و تصديقه .
لقد كانت حبيبتي تبكي بكل رعُب و خوف من بعد الذي أبصرته عينيها من تلك الوحشية و الجثث التي أصبحت اجسادهم لقمة سائغة للثعابين ، وما أن توقفت و رغبت بالحديث و ألتقط أنفاسي وشعرت بأنها بأمان و أرتاح ذهني و عقلي و هداء قلبي و روعي ، حتى تقدم وألدي من بين الحشود الغفيره  فصفعني  و ركلني حتى سقطت ، أبعدتها حتى لا تجرح ولا تخدش ، وما كان من أبي الإ أن  أنهال علي وبعض سكان القرية بالضرب و الركل لم أستطع الحديث والتفوه بالكلمات ، فسالت الدماء ولم وحبست ولم تظهر الدموع ولم أهرب وقفت واجهت الظلم و المصير ، لم أتخلى عن وعدي وعهدي لنفسي ، ظللت أسقط و أقف ، هاتوا كل ماتملكون من القسوة فلن أستسلم و أهرب كما كنت أفعل في كل مرة  .
أما حبيبتي فقد أخذتها والدتها وهي تنظر ألي مغادرة و قد كانت الوحيدة التي كانت تعرف بأنني لم أوذيها .
لكنها مسكينة لم تكن قادرة على الحديث ، حاولت الوقف و المقاومة حتى تغيب عن ناظري فلم أرغب بالسقوط و أن أفقد الوعي أمامها ، أرجوكِ هي أذهبي فجسدي يستغيث يُريد أن يسقط ولا يفيق ولا يستفيق .
وما أن غابت ولم تعد تبصرني حتى  سقطت مغشياً علي ، غارقاً بدمائي و أحزاني .
لكن كل هذا لم يشكل شيء بالنسبة لي سوى أن جميلتي و قمري كانت بخير .
فقدت الوعي ليومين ، كانت كلها كوابيس و ابغاث احلام ، تارة أشعر بأن الثعابين حولي جسدي و قد احاطت رقبتي حتى كُدت بأن أموت خوفاً وتارة أشعر بأن القاتل واقفاً على جسدي يُريد بأن ينزع قلبي وتمزيق جسدي  .

الجندي الذي وأجه الشيطـان !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن