24- عاصفة ثلجية

20.2K 1.2K 37
                                    

نظرت الى بيتر كما لو انني لم اسمعه .بينما كنت احاول ان افهم : ان كان ما يقوله صحيحاً فلماذا لم يخبرني منذ البداية ؟ ولماذا بقي حتى اخر لحظة يكذب؟!
بيتر تكلم " اعلم اني لم يجدر بي الاستمرار بالكذب لكني لم استطع ان اجد طريقة لأخباركِ..." توقف عن الكلام و ترك ما قاله معلقاً بيننا .
انا بعيون مشككة " هل انت متأكد من انك لا تكذب الان لانك تشعر بالتوتر و متردد بين الذهاب او البقاء ؟"
هز بيتر رأسه نافياً و هو يشعر بالحرج " أرجو ان تسامحيني اعدكِ ان لا اكذب عَلَيْكِ مجدداً . انا اسف "
بالرغم من اني كنت اشعر بالحزن لانه لم يستطع اخباري الحقيقة الا انني لم ارد ان لا أسامحه و اجعله يمر بوقت عصيب و هو في تلك المرحلة من العلاج، كما انني رغم جنون الفكرة في عقلي وقتها الا انني سعدت بما قاله لذلك قلت اتأكد للمرة الاخيرة " اذن لم تحجز حتى تذكرة طيران ؟"
بيتر يضحك خجلاً " اعتذر .."
انا بنبرة هادئة كما لو ان ما قام به لم يكن شيئاً يذكر . " اذن ماذا نفعل هنا ؟ هيا للمنزل"
عدت معه الى شقته بعد ان طلب مني الذهاب معه كي يحكي لي ماحصل .
و بالفعل قص عليّ كيف انه في اخر مرة ذهب فيها لرؤية ماري و البقاء معها اكتشف عنها اشياءً كثيرة . منها ان ماري لم تكن تحبه بنفس الطريقة التي احبها . ماري فاجأت بيتر بعد لقاءهم انها اصبحت مخطوبة لشخص اخر . و بيتر ظن في البداية ان هذا لن يحدث الا بضغط من والديها لذلك اخبرها انه لابأس بذلك و أنهما يستطيعان الهروب و الزواج رغما عن الجميع. لكن عندها ماري صدمته بأن تخلت عن قناعها وأخبرته انها تحب خطيبها و انه يحبها اكثر منه لكنه لاحقا علم انها اختارت خطيبها الجديد لانه كان اكثر نفوذاً وثروة من بيتر وعائلته .
كانت تلك الحادثة هي ما جعلته يكتئب و يفقد ثقته بالجميع .
بيتر الذي حاول لعدة اشهر نسيان الامر كان فقط يعيش في خياله كما لو ان ماري لم تتركه بالرغم من انه يعلم انها فعلت و ذلك كان يجعله اكثر بؤساً مما دفعه في النهاية لمحاولة الانتحار ظاناً ان الحياة بعد خيانة ماري اصبحت مستحيلة بالنسبة له .
انتهى من اخباري بقصته فسألته " لكن مالذي جعلك تكذب عليّ حتى هذه اللحظة ؟"
بيتر متلعثماً و قد هرب بعينيه الى مكان اخر " في البداية كنت لا اريد ان أبدو امامكِ مثيراً للشفقة .. بعدها خفت ان اخسركِ عندما تعلمين اني كذبت عليكِ.. الان اشعر انني فقط لا اريد الاعتراف ..." صمت دون ان ينهي حديثه .
انا وقد شعرت بتوتر طفيف " الاعتراف ..بماذا؟"
احتقن وجه بيتر فجأة باللون الاحمر فقررت ان لا اضغط عليه اكثر مما فعلت بالفعل .
انا مطمئنة بيتر " لا بأس . لقد اعترفت بالحقيقة الان و كل شيء بخير لا تقلق . فقط ابقَ قوياً كما انت الان ."
شعرت به ينظر اليً متظلماً مما جعله يبدو غاية في اللطافة . واصلت حديثي مادحة اياه للمرة الاولى علنا "انا فخورة بك بيتر . انت شخص جيد و طيب لكن إياك ان تفكر انني سأتركك لشيء تافه كهذا في المرة القادمة . اخبرني بكل شيء دون تردد"

بيتر وقف امامي بينما كنت اجلس على الاريكة و قال بعينين محملتين ببريق ساحر " لقد تغيرت بفضلك جايني لقد اصبحت رجلاً اقوى .. انا مدين لكِ بحياتي"
انا محرجة " توقف عن هذا ! انت من غيرت نفسك عندما قررت ان تتغير لا فضل لي في شيء . دعني فقط اتأكد من شيء واحد : لن تفكر مجدداً بقتل نفسك عندما تصعب حياتك صحيح؟"
جلس الى جواري و ابتسم مؤكدا لي " يستحيل اعدكِ"
شعرت بسعادة غامرة بعد ان تأكدت بأني انجزت مهمتي . كان بيتر خلال ذلك الوقت الذي قضيته معه قد علمني اشياءً جديدة في الحياة و شعرت بأنه اصبح قريباً الى قلبي ، كنت متأكدة من اني سأشتاق إليه عندما ارحل .
نظرت اليه للمرة الاخيرة مبتسمة برضا و هو بادلني النظرات بابتسامة دافئة بعدها وقفت لأرحل بعد ان انتهى الحديث لكن بيتر الجالس على الأريكة قال " الا يمكنني على الأقل ان أحظى بحضن مواساة؟" فتح لي ذراعيه فابتسمت و بخبث مني قمت بتجاهل طلبه و أخبرته بأني ذاهبة .
كنت اشعر بشيء تجاهه شيء اصبح يكبر و يسيطر علي .. لم اكن استوعب بعد عمق ما اشعر فأرتأيت ان افضل ما يمكنني عمله هو الرحيل .. قبل ان تنمو مشاعر بيتر تجاهي و يصبح الامر صعبا.
بررت لنفسي اننا تعلقنا ببعض بسبب قضاءنا الكثير من الوقت معا و ان كل شيء سيعود الى نصابه ما ان نفترق و ينقشع الضباب و تظهر حقيقة اننا فقط قد اعتدنا بعضنا فأختلط علي الامر .
بعد ايام قليلةمن التفكير الملي، ألتقيت ببيتر في احد المقاهي لأخبره بأني اعتزم الرحيل .
بيتر مصدوماً " ما هذا يا جايني؟ كيف بإمكانك التخلي عني بهذه البياطة؟ هل ستتركينني و ترحلين هكذا ؟ "
انا و قد آلمني رد فعله المصدوم و الحزين ، حاولت ان ابقى متماسكة " بيتر نحن اصدقاء المسافات لا يمكنها ان تفرق بيننا و انت تعلم ان عليّ ان اجد كايل و قد مضى الكثير من الوقت بالفعل "
ارتسمت ملامح الحزن في وجه بيتر " كايل .. لقد اعتقدت انكِ نسيتي أمره "
انا " انا لا استطيع .. انه لغز يجب عليّ حله مهما تطلب الامر بيتر . أرجو ان تتفهم ذلك و توقف عن العبوس رجاءً!"
لم يقل شيئا اخر طوال الامسية و قبل ان اغادر سأل بنبرة اشعرتني بالقلق
بيتر " متى موعد رحلتكِ و الى أين ستذهبين ؟ "
انا " انها في الغد .."
قاطعني بيتر " بهذه السرعة ! لم تدعي وقتاً لي حتى لاودعكِ؟!" كان غاضباً اكثر منه حزين .
انا بأسف " اعتذر منك بيتر لكن لا تقلق سأتصل بك بشكل يومي كما اني سآتي لزيارتك و مفاجأتك"
اظلم وجه بيتر لم يكن يتقبل رحيلي بشكل جيد و لم اعرف ماذا افعل عندما نهض مغادراً ببرود تاركاً إياي ورائه.
عدت للمنزل و انا اشعر بالذنب لكني لم ادرِ ماذا افعل .
****

قبيل مغادرتي الى المحطة كنت قد طبعت صوراً ألتقطتها لبيتر خلال فترة بقائي معه وعندما لم اجد طريقة لتسليمه إياها ذهبت لأرسلها له كطرد الى عنوانه .أملت ان تذهب تلك الذكريات التي عشناها معاً غضبه مني لتركه .
جلست على احد المقاعد في المحطة عندما شدني رؤية ذلك الرجل العجوز الذي كان يظهر و يختفي كالشبح . كان قد انقضى وقت طويل منذ اخر مرة رأيته و تلك المرة اردت ان اعرف السبب وراء ظهوره امامي .
جلس الى جواري بابتسامته المعتادة و هذه المرة تكلمت " ألن تخبرني ما حكايتك أيها العم ؟"
تكلم " بإمكانكِ مناداتي بغيلبرت" كان صوته مألوفاً بشكل غريب بالنسبة لي و كان اسمه كما لو انه جاء من ماضيي المنسي.. شعرت بالغرابة و الخوف في آن واحد و ثقتي السابقة تلاشت .
عندها تحدث غيلبرت" لا تخافي صغيرتي انا اكثر شخص يهتم لسلامتكِ "
انا " هل .. تعرفني ؟"
غيلبرت مبتسماً " فقط اريدكِ ان تبقي في هذه المدينة قليلاً بعد ... ثقي بي"
كان طلبه مريباً و مثيراً للشك كما اني لم اكن اعرف عنه شيئاً لأثق به تنفست بعمق و قبل ان اقول شيئاً وبينما كنت أحدق فيه في نفس اللحظة اختفى في الهواء كما لو كان دخاناً وتلاشى!!
نهضت واقفةحيث الذعر كان قد جعلني في حالة استنفار غير مصدقة لما حدث ..كان قد اختفى من قبل و كنت اظنه يهرب و بأنه سريع الحركة لكنه تبخر امام ناظري في تلك اللحظة مما جعلني رغم عدم إيماني بالأشباح أيقن انه شبح !
عدت للجلوس خائفة للحظات ثم بعد ان هدأت بدأت افكر في كلامه و في حيرتي بين تصديقه والبقاء في المدينة ام الهروب و مواصلة رحلتي ، قطع تفكيري اعلان بتأخير الرحلات بسبب العاصفة الثلجية. و طُلِب منا ان نتوجه نحو الداخل الى حيث المبنى الرئيسي .
تنهدت في داخلي و انا اقول ( رائع! هل هذا من افعال الشبح يا ترى ليرغمني على البقاء ؟!)
كانت الثلوج تتساقط بكثافة و الرؤية شبه معدومة بينما
جلست على المقعد افكر فيما قاله العجوز الغريب : غيلبرت الشبح.
عندها رِن هاتفي و ظهر على الشاشة : مارك
أجبته مستغربة اتصاله " مرحباً مارك "
مارك " أهلاً جاين ، هل انتِ بخير ؟"
انا " نعم بخير شكراً على لطفك "
مارك متوتراً " هل يا ترى بيتر الى جوارك؟"
كان ذلك غريباً " لا ، انا في المحطة بمفردي .."
قاطعني مارك قلقاً " لقد كنت معه عندما اخبرني انه سيلحق بكِ لكنه لا يجيب هاتفه "

©ManarMohammed

مــن  انـت ؟ ( مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن