بعد أن غادرت شرفتها وقد أجلت الأقدار أحلامنا قررت التخلي عن فكرة الألتحاق بالجيش من أجلها و أجل حلمي و حلمها في هذا العام .
وفي صبح اليوم التالي نهضت من الفراش فجراً و ذهبت دون أن أدرك ألى أين أمضي ، كل الذي كان يجول في فكري هو أيجاد المال ذلك الأمر كان في غاية الصعوبة فقريتنا ليست بلاد العجائب ولا زماننا زمن المعجزات لتخرج و تجد المال و العمل ، وبعد بحثً مضني شابه القلق من أن لا أجد العمل الذي أحصل به على المال ، لقد أستمريت بالسؤال و البحث وما أن أجد ما اصبو أليه فيشاهدون حاجتي للمال فقد كانت عيناي تفضحاني ، وحتى أن حاولت أن أظهر غير ذلك ، لكن كل ما يفعل من أجل الحُب هو مكشوفً مفضوح ، و ما أجملها من فضيحة ، بدوء بأستغلالي و تكليفي بأعمال تعجيزية من أجل حُفنه من المال ، لكن لا شكوى ولا رجاءا ، فقد كنت أعمل بكل جد و كفاح و أخلاص ، فتارة أعمل بتحصيل المزروعات و تارة بصيد الأسماك و تارة أخرى بالنجارة و الحدادة ، كل ليلة و نهار بعملً جديد ، وكل ليلة أنام و أنا أحلم بغداً مشرق لكن يأتي الغد و يكون أكثر مرارتاً و قبحاً ، فالعمل يصبح أكثر شقاءاً و قسوة ، فلم يبقى لدي وقت لمجالسة الأصدقاء وهم قلة ، في تلك الفترة أنعزلت و أعتزلت عن العالم ومن حولي حتى شعرت بأن ظلي هو ايضاً يرغب بفراقي و يكره و يشتم الشمس كل ما ظهرت فايظهر ملازمً لي طوال ساعات النهار ، لكنهُ مسكين فقدره مرتبط بقدري و مصيره بمصيري و شقاءه بشقائي ، نقف سوياً نتعب سوياً نعمل سوياً فلا نستريح ، ومن الجيد بأنه لا يتحدث والإ لسوف يسمعني الشتائم و اللعنات طوال الوقت .
وفي أحد الأيام عملت عند رجل و قد أتفقنا على العمل و الأجر ، ظللت طوال النهار وتحت أشعة شمس الصيف الحارقة أعمل بجداً و أنهماك ، وعندما أنتهيت من العمل على أكمل وجه ، وقد شاهد العمل قد أنُجز غابت بسمته و أنكشف قناعه وأظهر بؤس وجهه و أخبرني بأنه لن يدفع المال و تحرك من هنا ولا تعد ، كم رغبت بلكمه و أسقاطه على كذبه و خداعه وبأن أخذ حقي بيدي حينما علمت بأن كل العمل الذي قمت به لأجر له ، ولكنني تذكرت والدتي وحديثها عن التسامح و العفو وبأن تغفر للناس خطاياهم ، أدرت ظهري وتحركت خطوتين ، خطوتين فقط فقررت أن مافعلته هو مايفعله الرعاع و العبيد والمغلوب على أمرهم ، وان مافعلته ضعف لا شهامه و نُبل أبداً ، لا تصدق ذلك الحديث عن التسامح لكل من يخطىء بحقك و يسلبون حقوقك ، فهم يسعون بنشرون هذا الهراء و يكتمون و يصمتون بكل حديث يخبرك بالعزة و الكرامة و الشجاعه ، يُريدونك شخص جباناً تتحرك تتحت أهواهم ، تُأمر فتقول سمعاً و طاعه و تطأطىء براسك مُجيبً خاضعاً ، أما العظماء الذين قالوا لا ، والمجد لكل من قال لا ، لا للظلم لا للفقر لا للذل لا للعار لا للصمت لا للخوف لا للاستغلال ، من أشعلوا شرارة الثورة في بلدناهم و سطرهم التاريخ بصفحات من ذهب هم أولئك الذين لم يخافوا و وقفوا في وجه المدافع و الطغيان و الأثم و العدوان ، عدت بالخطوتين ولكمته بكل ما أمتلكته من قسوة الحياة و المعاناة ، فسقط أرضاً وأنهلت عليه بالضرب حتى وهو يصيح و يستغيث و أخرج كل ماله من رداءه ، فهكذا هم البعض لن يمنحوك ما تُريد الإ أذا كنت شخص لا يتصرف كالعبيد و الرعاع ، أخذت مُقدر أجري و رميت بأقي ماله جانباً و غادرت المكان ، ذهبت ألى المقهى مكفائتاً لنفسي على تلك المقاومة و مافعلت ، وصلت فكان مكتضاً بالجلساء ، أخذت طاولة في زواياه وجلست وحيداً بعيداً عن ضجيج الناس و أحاديثهم الممتلئة بالهراء و الحديث عن المظاهر و الأهتمام بها ، فهم يهتمون لما ترتديه أكثر لا ماتفكر به ، ألبس جيداً و ستصاحب كل هولاء الحمقاء الذين لا ينظرون ألى الجوهر .
توقفت عن التفكير وقاطعت الخيال و طلبت القهوة ، فكان أجمل كوباً شاهدته بعد كل هذا التعب و الشقاء ، فظللت أحدق في ذلك الكوب و أتسال هل كان سيأتي لو غدرت المكان و قد صفحت وعفوت عن ذلك الرجل الجشع ؟ بالطبع لا ، لذلك كم من المرات التي أضعنا بها لحظات جميلة و سعيدة ظناً منا بأننا تمسكنا بأخلاقنا و مبادئنا ، الشيء الكثير ضاع ولن يعود أبداً ، لانك لم تتخذ القرار القاسي .
لقد كان مشهد كوب بيدي التي قد أصبحت تملأها الجروح خالداً مخلداً في ذاكرتي و عقلي ، أتذكر بأنني قبلت يدي ورحت أحدثها بأنني أسف يا عزيزتي فالحياة تطلب منا أن نكون هكذا ، أعدك بأن هذا الألم سيذهب و الجرح سيشفى و الكدر و الهم و الغم ستبعده أمواج من الأفراح .
لم أشرب القهوة بعد ، لأنني شعرت بأنني مجرد أحمق و ضعيف فلما ماذا أكافىء نفسي ؟ هل لأنها أستعدت شيئاً هو ملكً لي ؟
كم كنت ساذجاً حينما أضعت ذلك الوقت فالنظر في كوب القهوة و أنا الذي أظنني قد كسبته بعد أن أنتصرت ، مجرد محض أوهام فكل ما فعلته بأنني أعدت ألي ماهو لي ، كم خجلت من نفسي عندما شعرت أنني أتصرف كالرعاع و الضعفاء ، الذين يظنون كل هبة من الذين أعلى منهم مكانةً هي مكرمه و يجب أن يشكروه بأنهُ تفضل عليهم بها وهي حق من حقوقهم ، كمن يأخذ منك رغيفك الذي أعدته بنفسك فيأتي فيسلبه منك ويمنحك فتاته ، وينتظر شكرك له وهو مايفعله الضعفاء .
خرجت من المقهى و عاقبت نفسي بالعمل طوال الليل حتى أنسى ما حدث و أعوض ذلك الوقت الذي قضيته بالفرح المؤقت و الأنتصار المُزيف ، عملت حتى كدت أن أسقط مغشياً علي من التعب ، لم أرغب بأن ترى والدتي أبنها بتلك الهيئه فذهبت و أفترشت رمال الشاطىء و تلحفت السماء ، وانا أفكر باليوم الذي سأتي ألى هذا الشاطىء مع أبنائي و محبوبتي ، وحولي الكثير من الأبناء و أصواتهم تملىء المكان ، وتخفي أصوات تلاطم أمواج البحر ، لم أشعر ألى و النوم قد يسرقني من ذلك الحُلم الجميل وما أجمل الأحلام أن كانت هي بها ، لم توقظني سوا أشعة الشمس الحارقة من مرقدي ، نهضت و توجهت ألى مياه البحر الصافيه و أرتميت بها حتى أهرب من التعب و حرارة الشمس ، لكنني كم خشيت بأن تسرقني الراحة من واقع حياتي فخرجت وعدت أبحث عن عمل جديد و يوم شاق أخر يضاف لقائمة أيام حياتي البائسة ، كانت كل الايام نسخ مكرره و تزداد صعوبة يوماً بعد يوم ، فتغير حالي و أصبحت نحيل الجسد أسمر البشرة مجروح اليدين ، كُنت أشبه بالمتسؤل والمشرد ، كل هذا الشقاء كان من أجلها فحسب ، الشقاء و العذاب من أجل من أسعدت حياتي ، فعندما تضحك هي أفرح انا ، وعندما تبكي أنا من أحزن ، وعندما تتألم أتواجع انا
مرت تلك الأيام و أقترب العام من النهاية ، كان العام الذي ضحيت بكل شيء من أجلها ، عام من التعاسة من أجل عمر من الأفراح و السعادة ، أنهمكت بالتعب و العمل حتى نسيت كتابة الاشعار ، فاذا أحببت لا يكفي بأن تقول بأنك تحب قولاً دون عملاً ، فهذا ليس حباً أطلاقاً ، فالحب عملاً و تضحية قبل أن يكون قولاً و حديثاً ، قبل نهاية الدراسة و قبل أن تأتتي فترة أختباراتها النهاية و الحاسمة ، توقفت عن العمل حتى يعود جسدي و تعود ملامحي كما كانت ، ولا ترأني و يسوها حالي و ماوصلت أليه ، فعندما تفعل أمر جميلاً و نبيلاً لشخص لا ينبغي عليك بأن تظهر له كم من المعاناة و التعب قد حدثت لكي تفعل هذا الأمر ، أفعلها فحسب لأن هناك صوت بداخلك يخبرك بأنك يجيب أن تفعلها ، حاولت جاهداً أخفاءها لكن مُجرد أن صعدت الشرفه و ظهرت لها ، لكي أجعلها تستعد للأختبار و أستذكر لها بعض دروسها ، شاهدتني و أحتضنتي و راحت تبكي ، ماذا فعلت بنفسك يا فؤادي ؟ لماذا كل هذه الجروح و الاوجاع ؟ أتراك قد أسعدتني ؟ فانا لا أريد سعادة تعاستها أنت ، ولا أريد أن أتدفى بنارً حطبها و جمرها أنت ، قبلتها لهفةً و شوقاً يكفي يا قمري و قدري ما حدث قد حدث ، وهو أجمل ماحدث ، فقد تمكنت من جمع المال الذي سيجعلك تذهبين حيث يضع الأثرياء أبنائهم ، أذهبِ و أخبريهم بأننا أذا حصلنا على فرص متساوية في هذا العالم سنسحقهم ، سنكون أفضل منهم ، فنحنُ البسطاء الذين أنتصرنا على فقرنا و تعاستنا هذه المعركة لوحدها كانت موجعه و فتاكه ولا ينجو منه سوى البسطاء لانهم أشد الناس قوة و دهاء .
منحتها كل ما أمتلكت من أموال ، كل هذا المال سيكفي في الوقت الذي لن أكون به بجانبك ، أرُيدك بأن لا تهتمين لما يلبسون و يرتدون و يظهرون فهذه ليست معاركنا و سوف نخسر بها ، فكري بأفضل من مايفكرون ، أعملي أكثر من مايعملون ، هذا هو السبيل الوحيد لننتصر ، نحنُ أقوى فكراً و عملاً هم سيحميهم المال و ستجدين نفسك على كل ماتفعلين مرتبة متأخرة بين الأعلى ، فلا تحزني فهذه لا تغلبها معركة ولا فكر ولا عمل ، فنحنُ نفكر بتسلق جبال المجد الوعرة سوف نجد أن هناك طائرة ستأتي و تصعد بهم ، هولاء لا يمكن هزيمتهم اطلاقاً و أسف أن أقول لكِ هذه الحقيقة المرة ، وهل يوجد حقيقة ليست مره ؟ قطعاً لا ، لكن هذه أكثرهم مرارةً و الألماً ، فلا يوجد أسوء من حقيقة أن تعلم أن من تحصلوا على تعليم و حياة أفضل منك حينما كنت تصارع بالجحيم لوحدك و تغوص بمستنقع الفقر ، سيكونون أفضل منك في بقية حياتهم ، فعندما تظن أنك تسبح ألى بر الأمان ستجد سفنهم أمامك قد سبقتك و أخذوا مقعدك من المجد ، أحتضتني و قالت أعدك بأنك لن تعود ألا وقد أرتديت الرداء الابيض و أخذت من الطب مهنةً لي ، ومساعدة المرضى و الضعفاء واجباً علي .كانت تلك الليلة الأخيرة فغداً سأغدر القرية لسنوات ، أستلقت بحضني وعدنا نستذكر أجمل اللحظات فما أجملها و أجمل ذكرها ، ونتذكر أيامنا العصيبة التي ممررنا بها ، ثم قاطعت ذلك الحديث بـ سأشتاق لك كثير فهل تخبرني كيف لا أبكي ولا أحزن أن أشتقت أليك ؟ حسناً اذا أتىء ذلك الشعور فعلمي أنني بخير فهو مجرد تخاطر بيننا ، اتصال بين الارواح لا تشعر به الأجساد ، سأظل دوماً بخير سأقاتل حتى أعود قبل الجميع ألى هنا ، سيكون الوداع الأخير ثم أساعود و نعيش بقية عمرنا معاً ، سنكبر و ننجب الاطفال ونشيخ هنا ، ثم نطلب من أبنائنا أن نُدفن سوياً ، فحُبي لكِ سرمدي لا بداية و لا نهاية له ، تعانقنا عنق الوداع الاخير ، وأهه كم أقسى الوداع ، كيف ستمضي السنوات بدونك و أنا أعُد الدقائق للقياكِ ؟ فطول نهاري كُنت ألعن و أشتم عقارب ساعات النهار التي كانت لا تتحرك أو كان قلبي و بصري لا يرى دقاتها و حركتها ، فكل ماكنت أرُيده بأن يمضي النهار و يأتي الليل و ألتقي بكِ ، فما حالي مع السنوات و الاشهر ؟ حتى الشتائم لن تحركها أو تزحزحها ، ظلت تبكي وتعلقت بي ، أعلم أنني أنا من جعلتكِ تختار هذا الطريق الوعر ، قاطعتها و كفكِ لومن لنفسكِ فكل أحلامكِ أحببتها ، الإ يكفي بأنني سأحقق ماترغبين به ؟ الإ تُريدين زوجاً سيحميك و لن يخذلك قط ، لا يمكنني تجاهل هذا الحُلم لانهُ صعب ، والزمن سيمضي فبالأمس كُنا صغارناً وها قد كبرنا و نضجنا لنتحمل البعد ، ووضعت يدي حول وجهها وقبلت ثغرها و قفزت من الشرفه ، لا أعرف كيف تقال كلمة الوداع حقاً أو ربما لم أستطع بأن أتفوه بها ، وقفت تحت شرفتها وضوءها وخرجت منها وهي تشير بيدها مودعه وهي تذرف الدموع ، أبتسمت بغصة الوداع و غادرت .
عدت الى المنزل و أخذت كل ما أحتاجه و ودعت والدتي بحرارة وهي تبكي على فراقي هونت عليها ذلك و أخبرتها بأنني حينما أعود سأتروج و أخذكِ تسكنين في ذلك القصر الكبير و تلاعبين أحفادك الصغار وهم كثر ، أبتسمت بدموعها و رددت الدعاء بالحفظ و الأمان و التوفيق ، أما والدي فقد كان يحتسي الشاي مع رجالات الحي فجراً ، ذهبت أليه و قد حملت حقائبي بعد أن ودعت أمي و سيدة جمال و حسن هذا الكون الفسيح ، وصلت ألى والدي وكان حوله مجموعه من الرجال ألقيت التحية و السلام و دنوت من والدي لم يقف حتى لتحية قبلت رأسه و يده وأخبرته بأنني سأذهب ولن أعود الإ بعد سنوات ، لم يكترث لما قلت و ذهب يحدث من هم في جانبه ، كان مشهداً معتاداً لكن لا أعلم لماذا في كل مرة يكون أقسى من المرة السابقه ، كنت أعلم بانه لن يرد ولو بكلمه لكنه جرحني بذلك الصمت و عدم الأكتراث ، قبلته بكل شعور الحُب وغادرت ، وفي منتصف الحي قبل أن أستقل المركبة للسفر ألتقيت بمجموعه من الاصدقاء كان فيصل و يوسف منهم و أخرون ، فيصل أحتضني فوراً وبدأ فالبكاء فقد كان رهيف القلب صادق المشاعر ، تعانقنا وهو يلقي علي بمجموعه من النصائح و التي كنتُ أعلمها من أيام الصبا لكنني تظاهرت بأنني أسمعها للمرة الاولى ، أما بالنسبة ليوسف فلم ينتظر حتى أن يودعني بل غادر بعد ألقى مجموعه من النكات الساخرة ، وكالعادة لم أكترث لما قال و ركبت المركبة وغادرت القرية ألى رحلة المُستقبل وألى تكوين الذات وتحقيق الاحلام و الامنيات .
أنت تقرأ
الجندي الذي وأجه الشيطـان !
مغامرةجندي ينشى في حي فقير تحت وطاءة طبقة من الأغنياء ، يُستدعى للحرب و النضال من أجل الوطن و أثبات مقدرته على قيادة الجيش للأنتصار ، ليكتشف أن الجيش في خدمة الأغنياء فحسب ، ويحاول جاهداً أحداث ثورة وأن يقود الجيش بنفسه ، فيظل حائراً بين الحرب أو محبوته ا...