دندنة ليلية

64 2 1
                                    

عدت من عملي في المشفي بعد منتصف الليل لأجد زوجي المستهتر قد ترك التلفاز يعمل واظنه ذهب لينام.

لا يجيد في حياته سوي النوم والأكل ومشاهدة المباريات بالإضافة لإهانني بالطبع.
كسول لدرجة آنه تم فصله من ثلاث وظائف لكسله وتسيبه وإهماله.
عاطل عن العمل معتمدا على راتبي الذي اتقضاه كممرضة حكومية... راتب ضئيل طبعا ولكنه يكفينا بالكاد.

أعيش حياة زوجية تعيسة بإمتياز.. فمن إرهاق العمل لواجباتي المنزلية والزوجية .
ومن معاناتي مع المرضي لمعاناة أكبر مع الشخص الذي من المفروض أن يخفف يعني.

يتفنن في إهاناتي والتحقير مني وأحيانا ضربي !!
لماذا أتحمل كل ذلك ؟

لا ليس لدي أطفال منه أتحجج بهم ..لم يرزقنا الله بعد وأرى أنه أرحم بنا بطفل مسكين يكون هذا الوغد أباه.

ولكني ليس لي أحد.. مات والداي.. ابتعدت صديقاتي وزميلات الدراسة للزواج أو لأسباب أخرى.. وحيدة ، وحيدة جدا ولا أملك غير تلك الجدران التي استتر بها وهذا الزوج الذي أعيش في كنفه.

ستتعجبون لو اخبرتكم أنه في الآونة الأخيرة أصبح لي صديقة مقربة ليس الغريب امتلاكي لصديقة بالطبع..الغريب أن تلك الصديقة هي أنا!!

لا تدع الظنون تلعب بك ولا خيالك يسرح بعيدا فالموضوع ببساطة أنني أحدث نفسي.

أقف أمام المرآة وأنظر لنفسي كأنها شخص آخر واحكي لها أحداث يومي ومعاناتي.. اشكو لها قسوة زوجي وقسوة الحياة ومرارة اليتم والوحدة.

أتكلم ثم أصمت كأنها ترد علي.. أصبح خيالي خصباً لدرجة أن في لحظات صمتي تلك أتخيلها تبادلني الحديث وتخفف عني وتواسيني وتناجيني بل وتعتب علي إحساسي بالوحدة وهي بجواري تسمعني وتشعر بي!!

احسبكم تقولون عني مجنونة.. حسنا فأهلا بهذا الجنون الذي أصبح صبري وسلواني وأنيسي.. ثم لماذا أحكي لكم هذا كله دعونا نعود للبداية حيث دخلت من باب الشقة.

توقعت أن أجده غارقاً في نومه في غرفة نومنا يعزف سميفونيته المعتادة من الشخير المزعج علي نسق إرتفاع وهبوط كرشه الضخم كصخامة امرأة علي وشك الولادة ولكني لم أجده.. ناديت عليه فأتاني صوته من الحمام!!

- أأخذ حماماً يا سلمي يا حبيبتي

ما هذه النظافة والنشاط الغير معتادين هل اقترب أحد الأعياد ياتري ؟ ولماذا في هذا الوقت المتأخر بالذات؟
لحظة هل قال حبيبتي؟ ما هذه الرومانسية؟ يبدو أن القيامة قد إقتربت بالفعل . ثم بدأت دندنته...

- أنا مش بعيد ياحبيبتي عنك
ده اللي بينا خطوتين
ورغم شوقي وقربي منك
صعب تيجي العين في العين.

يا الله من أين له بهذا الصوت الجميل وهذه الكلمات الرقيقة.. حاولت تشجيعه.

- كان فين هواك من بدري ياحبيبي كان فين.

لم يجبني كأنه لم يسمعني .. وواصل دندنته الجميلة

- يمكن قدامي ومش طايلك
بس انا في القلب اكيد شايلك
مهما أتعب وطريقي هيصعب
جايلك في ميعادي انا جايلك.

بدأت اتلذذ أكثر بصوته وبكلماته المنمقة التي لامست قلبي.. ياتري هل استجاب الله لدعائي الثاني وتغير زوجي ولم يستجب للأول ويميته؟

اقتربت من باب الحمام اصفق بكلتا يداي

- لم أكن أعلم أنك تملك هذا الصوت العذب يا علام.

مرة أخرى يتجاهل كلماتي.. هل صوت المياة المنهمر علي جسده يعيق سماعه لكلماتي؟

- ايوة شايفك وانتي لأ
بس بكرة هتشوفيني
وتعرفي ان انا ليا حق
وأكيد ساعتها هتعذريني.

قررت طرق الباب لاعلم سر تجاهله المستفز ولكن طرقاتي لم تمنعه عن المواصلة.

- انا مش سايبك دنا علشانك
اتغرب واتحدي الدنيا
خليكي يا حبيبتي مكانك
جاي اخدك للدنيا التانية .

بعدها سمعت مزلاج الباب يفتح. فرحت ولكن الباب لم يفتح
ناديت عليه جاوبني بصمته المخيف في هدوء الليل حتي الدندنة توقفت.

قررت فتح الباب لانهره علي دعابته السخيفة
فتحت الباب لافاجيء بأبشع منظر رأيته في حياتي

علام يسبح في بركة من الدم بعنق مقطوع، ورأس ساكنه علي بطنه بعيون جاحظة تنظر إلى برعب وعتاب شديدين .

صرخت صرخة مكتومة ليلفت انتباهي شيء في مرآة الحمام توجهت ببصري ناحيتها ليتوقف قلبي رعبا.

رأيت انعكاس علام واقفا في المرآة ينظر إلى مبتسما.. دققت في المرآة وجدت كلمات خطت بالدماء

< هل أعجبك صوتي حقاً ؟>

خليط هائل من المشاعر المتضاربة كنت أشعر به في تلك اللحظة أعلى مشاعر الرعب والذهول والصدمة ولكن هناك شيء لم ألاحظه في البداية... أين إنعكاسي ؟

اقتربت بشجاعة لما اعهدها علي نفسي ولم تخيفني اشارات شبح علام التي تشجعني علي التقدم.. أسير كأني مسيرة بقوة خفية اجهلها..ولكني أتبعها.

كل شيء خلفي انعكاسه واضح في المرآة ما عادا انا حتي جثة علام.
لحظة ما هذا الجسد المتكور علي نفسه في ركن الحمام.
ألتفت خلفي لا يوجد شيء!
عاودت آلنظر للمرآة الغريبة وجدته ..دققت النظر فيه وجدته ممسكا بسكين في يده غارقة في الدماء.

بدأ يتحرك وجهه ناحيتي... ما هذا.. إنها.. إنها انا!!

فجأة بدأت تخط كلمات جديدة علي المرأة بالدماء

< ما رأيك يا صديقتي ؟ قمت بتخليصك من كابوس حياتك ؟ لم أتحمل شكواكي المتكررة منه>

الآن فقط فهمت رغم عدم منطقية ما فهمته الا انني فهمت تفسير كل هذا وأنا واثقة ان كلمات أغنية شبح زوجي لم تكن اعتباطاً بل كان يقصد المعني الحرفي لكل كلمة منها.. وأنا مستسلمة له ولقدري.

هذا كل ما تمكنت إحدى جلسات تحضير الأرواح من التحصل عليه من روح الراحلة (سلمي عبدالعزيز ) ويذكر أنه تم العثور على جثتها هي وزوجها غارقين في دمائهم مقطوعي الرأس وبعد تحقيقات مكثفة لم يعثر على الجاني وقيدت القضية ضد مجهول.

تمت الحمد لله

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Jan 22, 2020 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

دندنة ليليةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن