قال الاصمعي لامير المؤمنين لقد سمعت كثيرا ولم يعجبنى سوى ثلاثة ابيات انشدتها ثلاث بنات ,فقال حدثني بحديثهتن فقال اعلم ياامير المؤمنين اني اقمت سنه في البصرة فاشتد علي الحر يوما من الايام فطلبت مقيلا اقيل فيه فلم اجد ،فبينما انا اتلفت يمينا وشمالا واذا ببساط مكنوس ومرشوش وفيه دكة من الخشب وعليها شباك مفتوح تفوح منه رائحة المسك ، فدخلت البساط وجلست علي الدكة وأردت الاضطجاع فسمعت كلاما عذبا من جارية وهي تقول يا اخواتي اننا وقفنا يومنا هذا علي وجه المؤانسه فتعالين نطرحن ثلثمائة دينار،وكل واحدة منا تقول بيتا من الشعر فكل من قالت البيت الاعذب المليح كانت الثلثمائة دينار لها ، فقلن لها حبا وكرامة فقالت الكبرى :-
عجبت له ان زار في النوم مضجعى **** ولو زارني مستيقظا كان أعجبا
فقالت الوسطي :-
وما زارنى في النوم الا خياله **** فقلت له اهلا وسهلا ومرحبا
فقالت الصغرى :-
بنفسي واهلي من أرى كل ليلة ***** ضجيعى ورياه من المسك اطيبا
فقلت أن كان لهذا المثال جمال فقد تم الامر على كل حال فنزلت من على الدكة وأردت الانصراف ، واذا بالباب قد فتح وخرجت منه جارية وهي تقول اجلس يا شيخ قال فطلعت علي الدكة ثانيا وجلست فدفعت لى ورقة فنظرت فيها نعلم الشيخ اطال الله بقاءه اننا ثلاث بنات اخوات جلسنا على وجه المؤانسة وطرحنا ثلاثمائة دينار وقد جعلناك الحاكم في ذلك فاحكم بما ترى والسلام ، فقلت للجارية على بدواة وقرطاس فغابت قليلا وخرجت الى بدواة فكتبت هذه الابيات :
احدث عن خود تحدثن مــرة *** حديث امرىء قاسى الامور وجربا
ثلاث كبكرات الصباح صباحها *** تملكن قلـــبا للمشوق معذبـا
خلون وقد نامت عيون كثيرة *** من الرأى قد اعرض عمن تـجنبا
فبحن بما يخفين من داخل الحشا*** نعم واتخذن الشعر لهوا وملعبا
فقالت عروب ذات تيه عزيزة *** تبسم عن عذب المقالة أشنبا
عجبت له ان زار في النوم مضجعى*** ولو زارنى مستيقظا كان اعجبا
فلما انقضى ما زخرفت بتضاحك *** تنفست الوسطى وقالت تطربا
وما زارنى في النوم الا خياله *** فقلت له اهلا وسهلا ومرحبا
واحسنت الصغرى وقالت مجيبة *** بلفظ لها قد كان اشهى واعذبا
بنفسى واهلى من ارى كل ليلة *** ضجيعى ورياه من المسك اطيبا
حكمت لصغراهن في الشعر اننى *** رأيت الذى قالت الى الحق اقربا
بعد ما كتبت هذه الابيات دفعت الورقة الي الجارية فلما صعدت نظرتالى القصر واذا برقص وتصفيق وقيامه قائمة فقلت ما بقي لي اقامه فنزلت من فوق الدكة واردت الانصراف واذابالجاريه تنادى وتقول اجلس يا اصمعى فقلت وما اعلمك انى الاصمعي فقالت ياشيخ ان خفي علينا اسمك فما خفي علينا نظمك فجلست فرفعت بصرى اليها فنظرت كفا احمر في كف اصفر فخلته البدر يشرق من تحت الغمام ورمت صرة فيها ثلاثمائة دينار وقالت هذا لى وهو منى اليك هديه في نظير حكمك ، فقال له امير المؤمنين لماذ حكمت للصغرى فقال يا امير المؤمنين ان الكبرى قالت ((عجبت له ان زار في النوم مضجعى)) وهومحجوب معلق على شرط قد يقع وقد لايقع ، واما الوسطى فقد مر بها طيف خيال في النوم فسلمت عليه ، واما الصغرى فانها ذكرت فيه انها ضاجعته مضاجعه حقيقة وشمت منه انفاسا اطيب من المسك وافتدته بنفسها واهلها ولا يفتدى بالنفس الا من هو اعز منها، فقالالخليفة احسنت يااصمعي ودفع اليه ثلاثمائة دينار مثلها في نظير حكايته .