الفصل الأول ....استقبال مفاجئ

37K 522 2
                                    

خرجت سالي من المطار و هي تحمل حقيبتها الوحيدة على كتفها، لقد تركت كل شئ خلفها و هي تغادر اليونان ، موت والدتها لم يُبقي لها سوى الذكريات... لم تحمل سوى الصور و قطعتين من ملابس والدتها و بعض التذكارات و مسودة قصتها الجديدة، وقفت محاولةً إيجاد سيارة أجرة ، ما أن استقلتها حتى أعطت العنوان للسائق و هي تخشى أن يطلب منها أن تحدد المكان أكثر فهذا ما لن تعرفه لكنه اكتفى بأن قالت له )منزل عائلة فوكس)...ريتشارد فوكس، كما قالت لها والدتها بالضبط "ما عليكِ سوى ذكر اسم جدك و لسوف تجدين ألف من يدلك"، استندت إلى مقعدها مسترخية و أخذت تفكر في والدتها... لقد تحملت الكثير و كل ذلك من أجل رجل تخلّى عنها عندما عرف أنها حامل...رجل ترك زوجته و هرب بلا عودة، تذكرت آخر كلمات والدتها قبل أن ترحل:
- سالي اذهبي إلى جدك... أطيعيه...قد يبدو لكِ متسلط...قاسي لكنه يعرف الصواب... لم يوافق على والدك قط لكنني خالفت أوامره و هربت مع تشارلي تزوجنا في اليونان و عشنا شهرين كانا كالحلم لكنني دفعت ثمنهما غالياً فما أن عرف بحملي حتى فر مذعوراً...صغيرتي سافري إلى جدك.
أمسكت بيديها بضراعة:
- سوف نذهب معاً يا أمي... لم يفت الأوان لتتصالحا أنتِ و جدي.
ربتت والدتها على يدها بضعف:
-لا يا طفلتي لقد فات الأوان... كم تمنيت أن تعود الأمور بيننا كما كانت لكنني كنت أخجل مما فعلت و ها أنا على أعتاب الموت.
- لا تقولي هذا يا أمي...
قاطعتها:
- اذهبي له...أطيعيه... مهما بدت أوامره جائرة لا تعترضي.
بعدها أغمضت عينيها للأبد، حاولت سالي أن تنفض الذكرى عنها و قد انهمرت دموعها بصمت، نظر لها سائق السيارة في المرآة بقلق:
- هل هناك خطب ما يا آنسة؟
هزت رأسها:
- لا... لا شئ.
مسحت عينيها و خاطبت نفسها... إنك أقوى من ذلك لقد مر على موت والدتك ثلاثة أشهر و مازلتِ صامدة... تدبرت أمرك في اليونان و ها أنتِ على بعد دقائق من جدك و سيكون لوالدتك ما تريد و لا مكان للدموع في حياتك.
ترجلت من السيارة أمام بوابة حديدية ضخمة، قرأت اللوحة المذهبة التي كُتب عليها "فوكس" شهقت:
- يا إلهي أهذا ما يسمونه منزل؟ لابد أن أمي كانت تمزح.
ضغطت زر البوابة فأتاها صوت خشن يسأل عن هويتها كما في الأفلام... هل هو مدير الخدم الفظ؟ ابتسمت لأفكارها و أجابت:
- سالي... سالي تشارلي فوينتس.
جاءها الرد بأن فُتِحت البوابة آلياً... خطت إلى داخل الحديقة برهبة و هي تتساءل عن نوعية الاستقبال الذي ينتظرها، بعد خمس دقائق من المشي وصلت إلى بوابة المنزل وقفت مذهولة... إنه كالقصر، عندما تحدثت والدتها عن جدها و عن نظرته لوالدها تساءلت بتعجب هل هناك من يفكر بهذه الطريقة القديمة لكن بعد أن رأت منظر هذا المكان الذي يبدو كقصر من العهد الفيكتوري فكرت كجدها... لقد كان والدها فعلاً دون المستوى بالنسبة لعائلة والدتها... على الأقل من المستوى المادي، قطع أفكارها صوت انفتاح بوابة المنزل و خروج رجل مسن مهيب المنظر...لابد أنه جدها و في أعقابه رجل أصغر منه في العمر يشبهه في الملامح و سيدة في الخمسين من عمرها لكنها بالغة الأناقة، نظر لها جدها و هو شاخص البصر، اقتربت منه فسمعته يقول:
- إنها... إنها...
أكمل الرجل الآخر:
- سيلينا... وكأنها...
صمت فقالت سالي:
- أنا ابنتها... سالي.
اتسعت عينا جدها أكثر لو كان ذلك ممكناً و أسرع إليها يضمها، فوجئت بقوة ذراعيه ثم بادلته عناقه مترددة... ما أن تركها جدها حتى أمسكها الرجل الآخر من كتفيها و أخذ ينظر لها بحنان:- يا إلهي و كأنها سيلينا تقف أمامي.
احتضنها و عندما أحس بها متصلبة أبعدها عنه و ابتسم:
- هااااي... ألن تعانقي خالك ديفيد يا صغيرة.
ابتسمت و عانقته:
- خالي... أعذرني لم أكن أعرف.
قال لها بتسامح:
- و من أين لكِ أن تعرفي؟
نظر إلى والده الذي وقف ينظر إلى حفيدته بعدم تصديق و قال:
- هيا يا أبي لندخل لابد أنها متعبة و تحتاج الراحة ...
نادى:
- سلفستر تعال و احمل حقيبة الآنسة الصغيرة.
قبل أن يتحركا نادى على المرأة التي خرجت معهما:
- أوليفيا تقدمي و ألقي التحية عليها.
نظرت المرأة لها نظرة لا تحمل الود ثم مدت يدها تصافحها، انكمشت سالي إزاء برودة نظراتها... نظرت إلى خالها عندما قال مبتسماً:
- إنها أوليفيا زوجتي.
قالت سالي بود:
- أهلا...خالتي.
- ادعيني أوليفيا... أوليفيا فقط.
ما أن انتزعت زوجة خالها يدها بسرعة حتى طوق خالها كتفيها بذراعه و صحبها للداخل ... دهشت بفخامة المكان، قبل أن يتسنى لها أن تتحدث توقف جدها و سأل:
- بنيتي ... أين والدتك؟
وقفت و نظرت له بارتباك.. ماذا أقول له:
- إنها... إنها... صمتت و ترقرقت الدموع في عينيها فهز جدها رأسه باستنكار:
- لا...
- بل نعم... لقد رحلت.
وضع يده على صدره و تغصن وجهه العجوز، ترنح فسارعت هي و خالها لإمساكه، أتى ذلك الرجل الذي دعاه خالها سلفستر و ساعده على حمل جدها و اختفيا في آخر الممر.  

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن