الفصل الثالث ...اللص

12K 331 1
                                    

استيقظت على صوت طرقات على باب غرفتها، كانت مايا التي أخبرتها أن العشاء سيقدم بعد ساعة و أن جدها ينتظرها في غرفته منذ مدة، أسرعت إلى الحمام، خرجت من غرفتها بعد أن ارتدت ملابسها على عجل.
دخلت سالي غرفة جدها التي دلتها عليها مايا، كان يجلس على كرسي مرتفع الظهر أمام نافذة واسعة، دعاها للجلوس فجلست على كرسي مقابل له ،سألته:
- كيف هي صحتك يا جدي؟
- إنني بخير... أتعلمين يا صغيرتي أنني كنت أتوقع أن يأتي هذا اليوم... أن يفارق أحدنا الحياة دون أن نرى بعضنا...أكثر ما يؤلمني أنها رحلت و هي لا تتذكر إلا قسوتي عليها.
أخبرت سالي جدها أن والدتها كانت تريد أن تعود لتتصالح معه و أنها اعترفت لها أنه كان محق بشأن والدها، قال لها بصوت مخنوق أنه من كان يجب أن يبدأ بالصلح:
- لكن كبريائي الغبية حالت بيني و بين رؤية ابنتي مرة أخرى.
أسرعت سالي بتغيير الموضوع عندما لاحظت أن وجه جدها بدأ بالشحوب و أخبرته بدلال أنها لن تتناول عشاءها إن لم يتناوله معها.
تركت جدها قبل موعد العشاء بعشر دقائق لتغير ملابسها التي كانت ارتدتها على عجل فافتقرت للتنظيم... لم تكن تريد أن تراها زوجة خالها بهيئة شعثاء.
وصلت غرفة الطعام متأخرة فوجدت خالها و زوجته جالسان بالإضافة إلى جدها الذي جلس على رأس المائدة... كبتت ابتسامة كادت تلامس شفتيها ما أن رأت جدها بالملابس الرسمية... لا يمكن تصوره بأي ملابس أخرى، بدا لها كونت... ركضت حيث يجلس و قبلته،:
- إنني سعيدة أنك ستشاركنا الوجبة يا جدي.
لانت ملامحه بشكل عجيب و ربت على يدها التي وضعتها على كتفها، التفتت إلى خالها الذي احتفظ بابتسامته بينما قلبت زوجته شفتيها بازدراء ما أن رأتها.
كانت وجبة العشاء أفضل من الغداء فوجود جدها خفف من التوتر الذي كان يبعثه وجود أوليفيا الصامت، تبادلت سالي الكثير من الأحاديث مع جدها و خالها و عندما سألاها عن وظيفتها أخبرتهما أنها معلمة و لم تخبرهما أنها تكتب قصص للأطفال، سأل جدها فجأة عن مارك هادراً:
- أين ذلك الصبي الذي يصمم أن يكون كالغصن الشارد؟
أسر لها خالها بعد العشاء أن زوجته كرهت تصرفها العفوي و ركضها "كالأطفال الطائشين" كما وصفت و تقبيلها جدها، اندهشت سالي:
- و كيف يجب أن أتصرف و أنا وسط عائلتي.
- لا غبار على تصرفك يا عزيزتي... بالعكس إننا نفتقد أي حيوية في المنزل و يسعدنا جميعاً أن تضفي بوجودك المبهج بعض المرح على المكان.
جلسوا في غرفة الجلوس ليتناولوا الشاي و يتبادلوا الأحاديث...شغل الحديث عن ابن خالها أغلب الجلسة... فهمت أنه قاوم بقوة رغبة جده و والده في أن يتسلم أعمال الأسرة أو أن يعتمد على ثراؤه الموروث... لكن بدا لها أن جدها لم يستلم و أنه يملك قناعة أنه عاجلاً أم آجلاً سوف يستلم زمام الأعمال.
سألت بتهور:
- و ماذا إن رفض؟
نظرت لها زوجة خالها نظرة حادة بينما ابتسم جدها:
- أعلم أنه لو شعر للحظة أننا نحتاجه في الشركة لن يتأخر...
التفت إلى ابنه:
- أتذكر يا ديفيد في الفترة التي واجهتنا فيها بعض المشاكل مع إحدى الشركات الموردة لنا.
- نعم... لقد استلم زمام الأمور لمدة شهر و أدهشنا... كأنه وُلِد بين أعمال الشركة.
ابتسمت سالي:
- يبدو أن ابن خالي يبرع في كل ما يفعله.
ضحك جدها:
- لا تدعيه يسمعك فقد يصيبه الغرور.
نظر في ساعته ثم وقف:
- لقد تأخر الوقت كثيراً... يبدو أنك ستغيرين الكثير من عاداتي أيتها الصغيرة.
ابتسمت سالي و وقفت ترافقه:
- أعتذر... دعني أرافقك لغرفتك يا جدي.
- لا تعتذري يا فتاتي... فأنت منحتني سعادة سلبت مني منذ زمن... ديفيد... اوليفيا...طابت ليلتكما.
- خالي ديفيد... خالتي اوليفيا...عمتما مساءاً.
بعد أن أغلقت باب الغرفة خلفها ضحك جدها:
- خالتي اوليفيا أيتها الفتاة الشريرة؟ أنت تعلمين أن هذا اللقب سيغضبها.
ضحكت سالي:
- أعلم... لا أدري لما قلت لها خالتي رغم علمي بكرهها لذلك.
- إنها روحك المشاكسة...
نظر لها بحنو:
- تشبهين والدتك في كثير من الأمور يا صغيرة.
ودعت جدها عند باب غرفته ثم توجهت إلى غرفتها... شكرت جدها في سرها لأنه خلصها من السهر مع زوجة خالها الثقيلة الظل... ليس من السهل التعامل معها... تساءلت "هل سيكون مارك يشبه والده أو والدته... أم يجب ان أستعد للقاء شخصية مختلفة تماماً"
*********************
أحست بيقظة منعتها من النوم...وقفت تراقب سكون الليل من شرفتها... كانت تعيش هي و والدتها في أحد الأحياء الصاخبة، لم تنعم بمثل هذا الهدوء طوال حياتها لكنه كان يضغط على أعصابها... كم تشتاق إلى زحمة الشارع و صوت والدتها و هي تنهرها طالبةً منها أن تغلق الشرفة لتخف حدة الأصوات القادمة من الخارج.
كانت الساعة الواحدة بعد منتصف الليل عندما يئست من محاولة النوم فتركت غرفتها و نزلت إلى المطبخ، نظرت إلى بجامتها... هل كان يجب أن أرتدي عليها رداء؟، ابتسمت...إن بيجامتها ليست من النوع الذي يحتاج إلى رداء و لا من النوع الذي ترتديه فتاة في السابعة والعشرين من عمرها... نظرت إلى لونها الزهري و صورة ذلك الدب المطبوعة في كل مكان و اتسعت ابتسامتها و هي تتذكر كلام والدتها و اعتراضها على ملابس نومها " أما آن لكِ أن تكبري يا فتاة؟"
لم ينجح كوب الحليب أن يحملها على النوم فخرجت لتتمشى في الحديقة... كان منظرها بديع و هي غارقة في ظلام الليل باستثناء بعض الكشافات التي تنير بعض الأماكن هنا و هناك، وقفت تحت شجرة ضخمة لم تتبين نوعها و جلست مستندة عليها ، فكرت في جدها و في قسوته التي حذرتها منها والدتها عندما أخبرتها أن تنصاع له لكنها لم تشعر بأي قسوة أو تسلط على العكس فقد كان يتعامل معها بتسامح كبير و ما أن تقع عينيه عليها حتى تنفرج أساريره و كأنه ينظر لابنته لا لحفيدته التي يراها لأول مرة... قطع حبل أفكارها صوت خطوات على ممر الأسفلت الموجود بين الحشائش وقفت مسرعة و أخذت ترهف السمع لكنها لم تسمع شئ... لابد أن تقلب مشاعرها من ترقب وقلق لسعادة أرهقها فبدأت بالتوهم... استندت بظهرها إلى الشجرة و استرخت...فوجئت بظل شخص بجوارها، فقزت و صرخت:
- لص...
لم تكمل صرختها فقد انقض عليها مطوقاً خطرها بيد و بيده الاخرى كمم فمها، اخذت تقاوم و ترفس... انتشر شعرها الطويل على وجهها مانعاً عنها الرؤية مما زاد من ذعرها و مقاومتها، سمعت صوت يهمس بغضب:
- توقفي أيتها الحمقاء... سوف تؤذين نفسك و تؤذيني معك.
لا تعرف ما الذي حملها على التوقف عن الحركة، عاد الرجل ليتكلم:
- سوف أتركك لكن شرط أن لا تصرخي.
هزت رأسها بقوة فانتشر شعرها على ذراعيه... تركها ثم أبعد شعرها عن وجهها... كانت تهم بالصراخ لكن ما أن رأت وجه ذلك المتهجم حتى علقت أنفاسها في حلقها... كان أوسم و أخشن رجل رأته في حياتها...وقف يبادلها النظرات بذهول لم تعرف سببه.  

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن