الفصل الحادى عشر .... انفجار

9.8K 289 0
                                    

ما أن أخبر مارك باتريك بما قالته سالي حتى انفجر الأخير في الضحك: - يا لها من فتاة مذهلة.

قال مارك بغضب:- ما الذي يبهجك إلى هذه الدرجة... لقد أصبحت سالي صعبة المراس و لم أعد أستطيع أن أتعامل معها.
- لذلك أقول أنها مذهلة لقد جعلت مارك فوكس العظيم يرقص على الحبل.
نظر له بشراسة: - باتريك...اخرج من هنا.
اعترض باتريك: - لماذا تطلب مني أن أستمع لك و عندما أبدي رأيي في النهاية تطردني؟... في كل مرة تصرخ بي كالمجنون "أخرج".
قال مارك بغيظ: - لا أعرف لماذا أحكي لك من الأساس!!!
ابتسم باتريك و قال بتسلية: - لأنك لن تجد أحد يستمع للهراء الذي تقوله و يتفاعل معه غيري.
أمسك مارك بمجموعة من الأوراق و قال:- اخرج قبل أن أقذف في وجهك شئ.
***
توقف مارك عن محاولاته ليحسن علاقتهما و اختفى في شركته طوال الوقت، هذا ما شغل تفكير سالي و هي تعمل على قصتها الجديدة و هي تجلس تحت الشجرة الضخمة كعادتها، وضعت أوراقها جانباً و أخذت تتساءل عن إحساسها إزاء توقفه عن محاولة تلطيف الأجواء بينهما، جزء منها ارتاح إلى تلك المسافة التي أصبحت بينهما لكن الجزء الآخر و الأكبر كان يشعر بالإحباط فهي الآن لا تستطيع أن تتبادل معه بضع جمل قصيرة دون أن يكونا متوتران، لكنها عادت و أنّبت نفسها على هذا التفكير فلا فائدة من المزاح و الجو اللطيف الذي قد يؤدي إلى تطور الأمور إلى ما لا يحمد عقباه، أمسكت بالأوراق مرةً أخرى... يجب أن تنتهي من قصتها في أقرب وقت لترسلها للناشر.
كان أول صدام فعلي بينها و بين زوجة خالها عندما سألتها أثناء تناولهم للعشاء عن نشاطاتها الاجتماعية و قالت بامتعاض:
- لا يمكن أن تكون خطتك أن تقضي كل وقتك بين دفاتر الصغار و تتجاهلين مكانة زوجك الاجتماعية المهمة!!!
نظرت سالي لها و كبحت رد حاد كان على وشك الانطلاق كالسهام من فمها ليصيب زوجة خالها:
- أظن أن عملي مهم أيضاً خالة أوليفيا.
نظر مارك إلى عيني زوجته اللتان لمعتا بغضب و هي تقول:- إن عملي لا يقل أهمية عن مكانة ابنك العزيز.
ألقت بفوطتها و دفعت كرسيها بحدة فوقع أرضاً، وجهت كلامها لجدها وخالها:- اعذراني... لقد فقدت شهيتي.
التفتت لزوجة خالها: - كما أنني يجب أن أراجع بعض الدفاتر التافهة.
خرجت بعد أن سمعتها تهمهم عن الفتيات عديمات التهذيب.
كانت تمسك بأحد الدفاتر عندما دخل مارك و انتزعه من بين يديها ليرميه جانباً، نظرت له بتحدّي:
- هل أرسلتك والدتك لكي تعلمني التهذيب؟
صر على أسنانه بتلك الحركة الغاضبة التي أصبحت تألفها:
- توقفي عن التصرف كالأطفال... يبدو أن تعاملك معهم جعلك واحدة منهم حقاً.
رفعت سبابتها في وجهه:- هل أتيت لتحقِّر من عملي كما فعلت والدتك منذ قليل؟
أزاح إصبعها جانباً و قال بسخرية و هو يقلدها:- بما أنني "ابنها العزيز" فلابد لي أن أدافع عن كل آرائها، أليس كذلك؟
وضعت الدفاتر جانباً و توجهت للسرير:- لا أملك وقت لهراءك هذا....
قطع عليها الطريق:- الساعة الآن الثامنة يبدو أن كل شئ بكِ أصبح طفولي... تصرفاتك، عصبيتك حتى مواعيد نومك.
- ماذا؟ تصرفاتي؟
- نعم تصرفاتك... أعرف أن كلام والدتي كان يثير الاستفزاز لكن كان يمكنك أن تردي عليها بكل هدوء و تردين لها الضربات كما كنتِ تفعلين سابقاً... لكنك بدلاً من ذلك تصرفتِ كطفلة غاضبة.
- أولاً لا شأن لك بطريقة تصرفي... ثانياً يجب أن يعرف كل من في هذا المنزل أنني سأتعامل مع كلاً منكم كما يتعامل معي.
- و هل هذا يشمل جدك الذي تشوق لابتسامة منكِ منذ أيام لكنكِ لا تنفكين تكيلين له التكشيرة تلو الأخرى... لم يسلم من تهجماتك هذه أحد إلا والدي.
نظرت له ببرود: - سوف أقولها مرة أخرى.. لا شأن لك، هيا ابتعد عن طريقي فأنا أحتاج أن أنال قسط من النوم لأستطيع أن أتعامل مع أطفالي ففي النهاية أنا مثلهم و يجب أن أنام مبكراً لأبدو نشيطة مثلهم، أليس كذلك؟
***
راقب ريتشارد حفيدته و هي تعزل نفسها بعيداً الجميع، كانت دائمة التجهم ... تتعامل مع الجميع بجفاء و من وراء جدار غير مرئي قامت بإقامته، كان يظن أنه مستثنى من المغضوب عليهم لكن اتضح له أنهم أولهم، لم ينجو من معاملتها الجافة إلا ابنه "ديفيد".
جلست معهم سالي _على غير العادة_ لتحتسي القهوة بعد الساعة العاشرة، مازحها ريتشارد بخصوص تأخرها في النوم هذه المرة لكنها أجابته إجابة مختصرة جعلته يصمت مرة أخرى، و ينظر لابنه سائلاً: - أين زوجتك يا ديفيد؟
- قالت أنها تعاني من صداع أليم و خلدت للنوم.
نظر ديفيد مبتسماً إلى سالي التي بادلته الابتسامة بعد أن فهمت ما يقصده، فزوجة خالها ادعت إصابتها بالصداع بعد معرفتها أن سالي سوف تسهر معهم، إذا كان هناك من يجعلها تصبر على حياتها في هذا المنزل الكئيب فهو خالها العزيز، لا تعرف كيف انتهى به الأمر مع امرأة مثل أوليفيا، لابد أنها كانت من اختيار جدها.
قطع حبل أفكارها جدها و هو يقول بعتاب: - إنكما بالكاد تتحدثان معاً... لا تبدوان متزوجان إطلاقاً!!!
كان يوجه كلامه لها و لمارك التي جلس صامتاً طوال الوقت، بدا أنه لا يهتم بالرد، فقالت و هي تحاول تمالك أعصابها: - لا أرى أن هناك شئ غير طبيعي في تعاملنا معاً يا جدي.
- كيف ذلك؟... إذا رآكما أحد فلن يظن أنكما تعيشان معاً في منزل واحد، فما بالكما بأن تكونا زوجان حديثان.
قالت بحدة: - توقف عن هذا الادعاء يا جدي لأنني بدأت أشعر بالغثيان من هذه التمثيلية السخيفة.
نظر لها خالها بصدمة بينما قال مارك بحدة: - سالي.... قاطعته:- دعني أكمل... جميعنا هنا نعرف أننا لسنا متزوجان حقاً، لقد قمنا بتنفيذ ما أردت و تزوجنا إرضاءاً لتلك الرغبة السادية التي تملكها لتحريك الناس من حولك.
شهق ريتشارد و امتقع وجهه، بينما حاول ديفيد أن يسكتها لكنها أكملت: - لقد امتثلت لأوامرك أولاً لأنني أردت أن أنفذ وصية والدتي التي طلبت مني ألا أعارضك ، ثانياً لأنني كنت ساذجة بما فيه الكفاية و صدقت أن ابن خالي القوي يحتاج لمساعدتي لكن يبدو أنه أقوى من أن يجرحه هروب فتاة من حياته...اسمعني ريتتشارد فوكس لا تطلب مني أن أبدي أي تغيير في حياتي لمجرد أن تشعر أن تجربتك علي نجحت و إلا ساعتها ستفقدني كما فقدت سيلينا... و قبل أن تشعر و لا تلم إلا نفسك.
وضع جدها يده على صدره بألم لكنها لم تنتبه لأنها كنت تصيح مندفعة و قد انفعلت بشدة وقف مارك و امسك بذراعها:- توقفي أيتها المجنونة.
انتزعت ذراعها من يده:- الآن ستبدي تعاطفك مع جدك؟ الآن تحبه و تخاف عليه؟الآن سوف أكون أنا الشريرة بينكما؟ ألم يكن هذا الرجل الذي يتحكم بحياتك بالريموت....
كانت عينا مارك متسعتان بعدم تصديق.... لم يصدق أن هذه الفتاة التي تزوجها، صمتت عندما وقع جدها بعد أن حاول الوقوف، ركض مارك و والده باتجاهه... حملاه و وضعاه على الأريكة ثم اتصل مارك بالطبيب، عندما التفت مارك وجد سالي تقف جامدة و قد تحول وجهها للون الأبيض و تجمعت الدموع في عينيها و ارتعشت شفتيها، تقدم منها و حاول أن يمسك بها لكنها تراجعت ما زالت عينيها متعلقتان بجدها المستلقي و قد بدا أن الحياة فارقته.
قالت دون أن تنتظر لمارك هامسة:
- كيف أعيش معكم...كيف أعيش معكم بعد أن بدلتموني.... نظرت له و قالت بألم و قد انحدرت دموعها على خديها:- لم أعد أعرف نفسي.
خرجت راكضة، كان مارك على وشك اللحاق بها لكن والده ناداه:
- لماذا تأخر الطبيب؟
***
عرفت سالي من مايا عندما أحضرت الفطور لها في غرفتها أن جدها تعرض لذبحة صدرية و أن الطبيب وصف له بعض الأدوية مع وجوب الراحة في الفراش، لم تخرج سالي من غرفتها طوال اليوم و لم تتناول طعامها، كانت تشعر بالذنب تجاه ما حدث لجدها و في نفس الوقت تشعر بالظلم لذلك الوضع الذي وضعها فيه، عندما جاءت إلى هنا بعد موت والدتها لم تتصور قط أن يحدث لها أيّاً من هذا.
افتقد مارك رؤية سالي طوال اليوم، حتى و إن كان وجودها صامت و متجهم أغلب الوقت إلا أنه شعر بأن هناك شئ مختلف في يومه، كما أنه شعر بالقلق عليها بعد تلك النظرة المصدومة التي ارتسمت على وجهها عقب سقوط جدهما أرضاً، توجه إلى غرفتها و ما أن دخل حتى صاحت به:
- أخرج ودعني و شأني.
رؤيته لوجهها الشاحب جعل قلبه بتخبط خلف ضلوعه، قال بحنان :
- ألا تريدين أن تطمئني على جدك؟
نظرت لي و كرهت الحنان الذي أطل من عينيه، أشاحت بوجهها إلا أنه تقدم منها و أمسك بذقنها مديراً وجهها لتنظر له، تجمعت الدموع في عينيها و قالت بصوت بالكاد استطاع سماعه:
- لقد أذيته أليس كذلك؟
هز رأسه نفياً:- إنه بخير.
هي تهز رأسها نفياً:- لا لقد آذيته لكن كنت كــ....
قاطعها: - صه لا تكملي.
انفجرت بالبكاء فجلس بجوارها و ضمها بين ذراعيه و أخذ يهمس في شعرها:- لم تكن غلطتك... لم تكن غلطتك.
أخذها لغرفة جدهما لتراه و تطمئن أنه بخير، شعر أنه يريد احتضانها في قلبه عندما رآها تقف مترددة أمام باب الغرفة كطفلة خائفة مما قد تجده وراء الباب.
ما أن رآها ريتشارد تقف بباب الغرفة و قد بهت لونها حتى مد يده باتجاهها فأسرعت و جثت بجوار سريره، احتضنت يده قبل أن تدفن وجهها فيها و تبكي، ربت بيده على شعرها:
- لا عليك يا طفلتي... لقد قسوت عليكِ و ظلمتك كما ظلمت سيلينا.
- لا يا جدي...
- لست أنا فقط من ظلمك بل حفيدي السخيف الذي لم يرى حتى الآن كم تستحقين من المحبة.
قال تلك الجملة بعد أن خرج مارك الذي لم يتحمل رؤيته سالي و هي تبكي بقوة كأنها كادت تتسبب بقتل جدها، يبدو أن خالته كانت محقه عندما هربت من هذا المنزل فيبدو أن عائلتهم تحمل قاسم مشترك... إنك يسممون حياة من يعيش معهم و يجرؤ على أن يكون مختلف.
***

‎أنت بذاكرة قلبي -  للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن