تساءلت جوليا عن سر مزاج رئيسها السعيد، كانت عيناه تلمعان ببريق لم يسبق لها أن رأته كما أن تحيته الصباحية لها كانت خالية من رصانته المعتادة، كان يبدو كمن اقتطع من عمره خمس سنوات، عندما فكرت ملياً...حتى قبل خمس سنوات لم يكن يبدو بهذا المظهر، عندما نقلت تساؤلها لـ باتريك قال :- إذن فقد حدث.
- ما هذا الذي حدث؟
- سوف أخبرك فيما بعد عندما أتأكد يا جوليا و تأكدي أنها أخبار سعيدة لنا جميعاً.
اقتحم المكتب ضاحكاً: - مرحباً يا صديقي... أكاد أرى شعاع السعادة و هو يغمر الشركة بأكملها.
- اجلس يا باتريك و توقف عن إلقاء تعليقاتك الغريبة يميناً و يساراً، سوف أتغاضى عمّا قلت منذ قليل لأنني في مزاج جيد اليوم.
- هذا ما أريد أن أعرفه... ما الشئ الذي لطف من مزاجك العكر على الدوام؟
- هل أنا عكِر المزاج دائماً... لماذا تتصرف مثل جوليا؟ بدت كأنها تراني ابتسم لأول مرة... إنكم تبالغون يا قوم.
وضع باتريك قدماً فوق الأخرى: - ليست مجرد ابتسامة بل هي إطلالة مشعة، إذا لم تكن تريد إخباري سوف أقوم باستنتاجاتي و تحليلاتي الشخصية و التي في أغلب الوقت تكون صائبة، يبدو أنك توقفت عن القتال مع زوجتك الفاتنة و قررت أن تستسلم، هل أدركت أنها تستحق أن تمنحها فرصة، متى سنرى ولي العهد يا زعيم؟
انتفض مارك ما أن سمع كلمة "ولي العهد" عض باتريك لسانه و كاد يقف ليطرق رأسه بالجدار فهو يعلم أن هذا الأمر يقلب كيان صديقه و لابد أن ذكره يهدد السلام النفسي الذي توصل له أخيراً أيّاً كان سببه.
***
قررت سالي أن تماشي مارك... إنه سعيد بما وصلا له في علاقتهما، إذن فهناك أمل...لكن يجب أن يتحدثا و يوضحا كل الأمور لكي لا يعودا لصراعاتهما القديمة، لم تجد فرصة للانفراد به إلا بعد العشاء، انتظرت حتى صعد إلى الغرفة، بدا لها أن أخّر عودته بقدر استطاعته لكنها رغم ذلك انتظرته، فتحت فمها لتتحدث لكنها لاحظت أن وجهه شاحب، أسرعت تجاهه و سألته: - ماذا هناك؟
قال بلا مقدمات: - لا أريد أطفال.
سقطت يدها التي كانت على ذراعه... هل هذه طريقة ليبدآ فيها حياتهما... لا أريد أطفال؟؟؟، لكن إذا كان يحبها ألن يرغب في أن يكونا أسرة معاً أم أن ما يخطط له كان نتيجة رغبة لا تصلح لبناء حياة أسرية طبيعية عليها، لاحظ أنها تراجعت خطوة للخلف أسرع باتجاهها و أمسك بكفيها الصغيران بين يديه: - لا تبتعدي عني... أريدك أن تتفهميني.
تلعثمت و هي تبحث عن الكلمات: - أتفهم ماذا... لقد مللت تقلباتك يا مارك، بالأمس كنت كعاشق يذوب شوقاً لمعشوقته و صباحاُ كنت كزوج لا يستطيع إبعاد يديه عن زوجته و قبل أن تغادر أخذت تدللني ممازحاً و الآن تقول لي "لا أريد أطفال" و تطلب مني أن أتفهمك... ما الذي تريدني أن أفهمه بالضبط؟
حاولت أن تخلص يديها منه إلا انه شد عليهما و اقترب منها: - منذ سبعة أشهر تزوجنا و تعاهدنا على الصداقة لكننا الآن أبعد ما يكون عنها...لقد قطعنا خط الرجعة و أنتِ تعلمين.
قالت بغضب: - لا تصوّر الأمر كأنه فخ وقعنا فيه... إنك تجعله بغيض.
ترك يديها و أحاط خديها بكفيه بالغي الدفء و وضع جبهته على جبهتها كما فعل بالأمس: - إنه أجمل و أروع فخ من الممكن أن يقع المرء فيه يا صغيرتي الساحرة... كل ما أريده منك الآن أن تثقي بي، سوف نطوي صفحة الصداقة و ننسى أننا تزوجنا في ظروف غريبة و نبدأ من اليوم لكن... لا... لا أولاد.
يومها نامت سالي بين ذراعيه و هي تتذكر كل كلامه الساحر الذي أغرقها به... تذكرت دفئه و معاملته الحنونة معها لكن قلبها مازال يؤلمها من طلبه الغريب، لا أولاد؟، قررت أن تمنحه ما يريد و كان أول ما فعلته في اليوم التالي هو ذهابها للصيدلية.
***
عادت سالي لوظيفتها في المدرسة مع اعتذار شديد من مديرة المدرسة و بعد شهرين سلمت قصتها إلى الناشر.
كانت سالي نائمة عندما اندس مارك بجوارها في الفراش... احتضنها بهدوء خشية أن يوقظها إلا أنها استدارت بين ذراعيه و سألته بصوت ناعس: - كيف حالك يا عزيزي؟
ابتسم و قبل جفونها كعادته الغريبة التي تجعلها ترتجف: - أكون بخير عندما أراكِ يا ساحرتي الصغيرة.
اندست به فشد ذراعيه حولها و هو يتنهد: - أخبريني يا بياض الثلج هل سلمت قصتك لناشرك؟
- أجل... أخبرني هل تعرف حقاً قصصي؟
- بالطبع ... لقد كنت أشتري لأطفال أصدقائي قصصك الرائعة منذ زمن، حتى أنني قرأت واحدة أو اثنتين في أحد المرات لابنة أخت باتريك ، إنها طفلة شقية لكنها تتحول إلى ملاك عندما ترى أحد قصصك، يبدو أنك تملكين موهبة طبيعية مع الأطفال يا حبيبتي.
لاحظ أنها تجهمت بعد جملته... لقد كان موضوع الأطفال يقف بينهما، لم يذكراه مره أخرى لكنه كان يعلم أنه تحت السطح، كان يريد أن يصارحها بيأس و يخبرها لكن قبل ذلك يجب أن يخبرها بكل شئ... اتفاقيته مع جده... سبب زواجه الحقيقي منها، لكن كان يخشى أن يفقدها.
ضمها إليه بقوة آلمت ضلوعها ، أحياناً كان يشرد بأفكاره و يضمها إليه بهذه الطريقة كأنه يخشى أن تختفي، رفعت يدها و لمست فكه القوي برقة: - أنا هنا يا مارك.
أجفل عندما سمع جملتها... كانت دوماً تقول له هذه الجملة بصوت هامس يبدو صادراً من ملاك لتنتشله من أفكاره السوداء التي يراها فيها تتركه بعد أن تعرف الحقيقة: - أجل أنتِ هنا و لن تذهبي إلى أي مكان.
- أجل لن أذهب لأي مكان... و الآن أخبرني ماذا قلت لمديرة المدرسة لتجعلها تطردني؟
قال بأسف: - لقد أخبرتها أن صحتك في خطر و عندما أخبرتني أنك تبدين بكامل عافيتك و أنك تلعبين دوماً مع الصغار قلت لها بغضب أنها مسئوله عن أي مشكلة صحية تلم بكِ.
ضحكت: - أيها الشيطان... لابد أنك أخفتها.
- أجل أخفتها كثيراً، لكنني كنت مضطر، كنت أريد أن أغضبك.
- يمكنني أن أخبرك أنك نجحت يا مارك فوكس... لكنك قدتني إلى الجنون عندما مزقت مسودة القصة.
تأوه: - لا تذكريني... عندما هجمتي علي باكية و انهرت أرضاً..... صمت ثم تنهد و أخذ يمر بأطراف أصابعه على رموشها: - أعدك ألا أبكي هاتين العينين الجميلتين مرة أخرى.... أعدك.
***
كانت السعادة واضحة على الحفيدين مما جعل ريتشارد يتفاخر بقراراته الصائبة طوال الوقت، بينما أخذت أوليفيا تعترض: - ما الذي يسعدك يا ريتشارد... هل تغيّر ابني؟
- أجل... تغير و للأفضل يا أوليفيا فتوقفي عن عبوسك الشهير و ابتسمي و لو على سبيل التغيير.
قال ديفيد ببهجة: - أجل يا عزيزتي... صغيرنا سعيد لأول مرة في حياته، هل يمكنك أن تكوني سعيدة من أجله؟
- أكون سعيدة!!!... إذا كان مارك بعيد عن أعمال العائلة من قبل فهو الآن أبعد ما يكون عن قبول.... قاطعها ريتشارد: - اللعنة على أعمال العائلة...في النهاية عندما أموت لن يتبقى أحد ليدير الأمور غيره، وقتها لن يترك أموالنا للغرباء، انظري له يا أوليفيا... ذلك الوغد الذي لم يكن يتوقف عن القتال معي أصبح خالي البال، أظن أنني يجب أن أنتظر حفيدي الأصغر قريباً.
تركت أوليفيا زوجها و حماها لسعادتهما و خرجت بغضب.
***
كانت حياتهما كاملة إلا من أفكار مارك التي كانت تهاجمه دوماً و التي يتراءى له فيها أن سالي تتركه و التي كانت تنتهي بطمأنتها له بجملتها الهامسة "أنا هنا" كأنها تقرأ أفكاره ، كان يتساءل... هل ستبقى هنا عندما تعرف الحقيقة؟، لكنه ظل يسأل السؤال دون أن يجرؤ على الإفصاح لها ليعلم إجابته.
كما كانت سالي تفكر في الأطفال... الشئ الوحيد الذي بوجوده يمكنها أن تعتبر حياتها مع مارك كاملة، كانت تفكر كثيراً في تلك الليلة التي توسل مارك لها فيها أن تقبل طلبه دون تفسير، إنها تعلم أنه سيأتي يوم و تطالبه بتفسير، و وقتها تتمنى أن يقدم لها تفسير يطفئ الهواجس التي تنتابها و خاصة هاجس فيكتوريا التي اختفت فجأة من حياة مارك و الذي لم يأتي على ذكرها مرة أخرى و لم يسمح لها أن تذكرها، كانا يتحدثان في كل شئ إلا موضوع الأطفال و... فيكتوريا.
أنت تقرأ
أنت بذاكرة قلبي - للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره)
Romanceكل حقوق الملكيه خاصة للكاتبه فاطمه الصباحي (زاهره) ملخص "أنت بذاكرة قلبي" تزوجته بناءاً على طلب جدها الذي طلبت منها والدتها قبل أن نموت أن لا تعصي له أمراً، تزوجته و كل ما يجمعها به مودة تكنها فتاة لابن خالها الطيب، كان زواج يسوده التوتر و الصراعا...