في حقيقة الأمر, حتى بعد مرور العديد من الأعوام على العصور الجاهلية, إلا أن الجاهلية مازالت فى أثرها المعهود علينا.
كانوا قبلًا معتادين على وأد البنات, نحن اليوم لا نقوم بقتل الفتيات أحياءً, نحن نقتل نقاء الأنقياء.
وعلى نفس السياق, كيف للصفر أن يعيش وسط باقي الأرقام؟ إذا قمنا بمقارنة القيم, فإن الصفر يعني اللاقيمة, اللامعنى, وباقي الأرقام تعني العديد من القيم المتنوعة, كانت الفتيات فى الجاهلية صفرًا, ويتضاءل الخير اليوم ليكون صفرًا, ولكنه لن يكون صفرًا..
"فيروز".. أو الصفر, تلك الفتاة التى انقلبت عليها الحياة لتكون على الهامش الأسود, - وإن كانت كذلك – فإن المجتمع قادر على إحداث التغيير في أسوأ الخيارات وجعلها أفضلها, لم يكن المجتمع سويًا ليصنع منك شيئًا, إذا كنت مريضًا بالتوحد, أخذوك كمريض نفسى لا أمل فيه, ولا في وعكته.
كل بنى أدم من طين, وكلهم قادرون على تحقيق طموحات وإن كانوا – يتميزون – بوعكتهم, فلمَ يُؤثِر الجميع السالمين, أو الحياة التقليدية ككل.
إذ وضعت "فيروز" على هامشها الأسود الأول, أو الطرف الأول فى حياة كل منّا: البيت, فإذا لم يكن البيت مكانًا وملاذًا آمناً لأحلامنا وشخصياتنا المستقلة, لن يكن الناجحون,
هذه الابنة الساذجة, والتى شاء القدر أن تقع وسط أهل ليسوا بالأهل لها ولما يخصها, إذ حاولت والدتها خنق ابنتها بالكحول مع عون والدها على هذا الأمر العديد من المرات, لم يكن لهذا الأمر من منطق فى الحياة, ولما فرغ منهما الأمل فى قتلها وتجديده بالتخلص منها, رموها بعيدًا فى دار أيتام بمدينة أخرى.
وأصبحت "فيروز" بمنطقة خاصة بها وبمن يشبهها ولو قليلًا, تلعب بالألعاب, تقرأ القصص, وتقلدها, تختبر شخصية وعالمًا جديدًا بالنسبة لها, وسط رعاية خمس سنوات, تضج الضجيج ويُضحكها مابها من عفوية, لم تكن كالبقية, كانت لها عفويتها الخاصة والتى تفردت بها على مدار الخمسة أعوام , وتتعمد الإنطواء كعادة كنهها.
إلى أن أتى ذلك اليوم الذى كانت كعادتها تتفرد لعبة القطار المتحرك, تتجمل بفم السمكة, ترفع عينيها إلى حركته دون الحاجة إلى شيء يحركه سوى البطاريات, وتحبو حولها وتطاردها فى اهتمام وشغف, وتصدر أصواتًا مشابهة لمحركات القطار, وانهمكت فى الدوران حولها حتى رفعت عينيها فى بطء شديد, دون حراك, إلى تلك العجوز التى تحدق بها, تلف وشاحًا حول كتفيها العريضتين, وعينيها المبتسمتين, وخطوط وجهها التى تقص شيئًا من الطمأنينة والتجربة, ووشاحًا على ر أسها يبدى قليلًا من شعرها الأبيض, تضع نظارة صغيرة تحتضن مؤخرة قصبة أنفها فقط, بل أنها تشبه عجائز الرسوم المتحركة اللطفاء, وتستند إلى عصاها المتينة, ومن ثم تحدق فى "فيروز", وظلت "فيروز" تركز عينيها عليها دون حراك من وضعية فم السمكة, حتى أدركت أن تلك العجوز لن تلتفت إلى غيرها من الأطفال.
YOU ARE READING
إلى الما لا نهاية
Short Storyهذه القصة حصلت على المركز الثالث على مستوى المحافظة فى مسابقة القصة القصيرة "الملخص" لعام 2016.. ممتنة لما حققته, ولمن شجعوني حينها, ولذا فتشت فيها لأعيد صياغتها بما يلائم ماتجدد فى دواخلى من تعبيرات وكلمات, ولكن الفكرة.. كما هى!