نص القصة

60 6 0
                                    


كما اعتادت "سماء شاكر" هاوية البيانو, أن تمتطي مقعده بكل حرارة, وتزرع آمالًا بين ألحانها, يتناغم وجدانها مع كل حركة على مفاتيحه, تنبض أحلامها وجدًا بما فيه من ميل وحب وهوى.

ولأن هذه الهواية هواية "سماء", فإن الموت من أجل الهوى يجعل المرء سعيدًا أينما وكيفما مات عليه.

أيضًا, وُجد "خالد" خلف الستار – وهو زميل الجامعة – الذى حمل لها قدرًا هائلًا من الامتنان واحتضان موهبتها, وقد حضر مع "بستان" زميلتهما أيضًا, قام هو بتحسس ألحان سماء على مفاتيح البيانو, بقامته الطويلة وعرضه المتوسط, وعينيه الناعستين, ومن ثم تعالى التصفيق إزاء عرضها المدوى, واعتدلت قامتها, ونظرت للجمهور بابتسامة خفيفة واضحة, واضعة ذراعيها المعقودتين خلف ظهرها, حتى اختفت صورتها المبتسمة خلف الستار الأحمر, ومن ثم تحول هدوء المسرح إلى هرولة, أمسكت بحقيبتها الصغيرة والحيرة والتوتر على وجهها, وقالت:

-" "خالد", "بستان", هيا بنا بسرعة, يبدو أن هذا الحفل قام بتأخيرى, المشروع بات على المحك يا شباب! "

ابتسم "خالد" وهو يركض معها, وقد بات صوته يهتز من إثر الإسراع قائلًا:

-" لم يتأخر, بل من إنجاز إلى آخر عزيزتي! "

فابتسمت "سماء" حتى بدت نواجذها وضاقت عيناها بما قيل لها.

ما كان المشروع سوى اختيار أحد نماذج المرضى ومراعاته أفضل رعاية بما يناسب حالته, فاختار الثلاثى الأمراض النفسية لاختبار قدرتهم على القيام بذلك, بيد أن "سماء" قررت أن تتوسم فى مريضها حياة, لا مشروعًا فحسب, ولذلك فقد جاءت إلى الملجأ راكضة, حتى تلاقت أنظارها بذلك الشاب الوحيد الذى يقلب فى صفحات دفاتره وصوره ويرفعها تارة, ويخفضها تارة أخرى, كي يتحسس ما فيها من أشخاص ربما, أو لحظات, أو حتى مناظر افتقدها... ربما.

وجدت "سماء" في ملامح هذا الرجل شيئًا ضائعًا فيها, كالضياع بين الذكريات المختلفة ربما, ووقفت تحدق فيه مطولًا حتى أجابت على نداء رفيقيها الدؤوبين فى استرعاء انتباهها, بصوت متباطئ وهادئ:

-" يبدو أننى وجدت ضالتى, وجدت حالتى, هاهو!"

ومن ثم نظرت إلى التعريف به على زجاج باب الغرفة, "سامي حسين, مريض فقدان ذاكرة رجعي, تم استلامه 23 مارس 2007"

ومن ثم تقدمت "سماء" نحو الباب الموصد, واقتربت بيديها على المقبض, حتى وضعت الأخرى يدها عليها وقالت لها:

-" أنت متأكدة من نجاح هذا المشروع بالنسبة إليكِ؟"

ابتسمت "سماء" بكل ثقة ورونق, وهى تعيد خصيلات شعرها خلف أذنها فى رقة, ومن ثم قالت:

ما وراء السماءWhere stories live. Discover now