بداية المعركة 2

1 0 0
                                    

نحو الساعة الثالثة بدأ هدير أحد المدافع على فترات منظمة من «تشريتسي» أو
«أديلستون». علمت أن غابة الصنوبر المحترقة التي سقطت فيها الأسطوانة الثانية تتعرض للقصف على أمل تدمير ذلك الشيء قبل أن يُفتح. مع هذا لم يصل المدفعالميداني إلى «تشوبهام» لاستخدامه ضد الجسم الأول التابع للمريخيين إلا نحو الساعة
الخامسة.
نحو الساعة السادسة من ذلك المساء وبينما كنت أحتسي الشاي مع زوجتي في
المنزل الصيفي نتحدث في همة عن المعركة التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى منا، سمعت انفجاراً مكتوماً صادرا من المرعى اندلعت بعده على الفور عاصفة من النيران
في أعقاب ذلك سمعنا صوت ارتطام عنيف كان قريبًا منا للغاية حتى إن الأرض اهتزت
له. عندما بدأت التحرك فوق المرج، رأيت قمم الأشجار حول كلية «أورينتال كوليدج»
تشتعل بلهب أحمر دخاني، ثم انهار برج الكنيسة الصغيرة المجاورة لها. اختفت قبة
ً المبنى، وبدا إطار سقف الكلية نفسها كأن مدفعا وزنه مائة طن قد ضربه. تصدعت
ُ إحدى مدخناتنا كأن طلقة وجِّهت نحوها، وتطايرت في الهواء، وتدحرجت قطعة منها
على الجدار المغطى بالقرميد، وأحدثت كومة من الشظايا الحمراء المكسورة فوق حوض
الزهور بجوار غرفة مكتبي.
وقفت أنا وزوجتي وقد اعترانا الذهول. ثم تذكرت أن قمة تل «مايبري» لا بد أن
تكون في نطاق الشعاع الحراري الذي يستخدمه المريخيون الآن لأن الكلية اختفت من
الطريق.
عندها أمسكت بذراع زوجتي ودون كياسة جعلتها تركض معي على الطريق.
وصلت إلى الخادمة، وأخبرتها أني سأصعد الطابق العلوي بنفسي، وأحضر لها الصندوق
الذي كانت تنُوح من أجله.
قلت: «لا يمكننا البقاء هنا.» وبينما كنت أتحدث فُتحت النيران من جديد هنيهة
فوق المرعى.
قالت زوجتي في فزع: «لكن إلى أين سنذهب؟»َّفكُرت متحيراً. ثم تذكرت أبناء عمومتها في «ليذرهيد».
صحت بصوت عال وسط الضوضاء المفاجئة: «ليذرهيد!»
أشاحت بوجهها نحو سفح التل. كان الناس يخرجون من منازلهم وسط حالة من
الذهول.
قالت: «وكيف سنصل إلى «ليذرهيد»؟»
رأيت أسفل التل جماعة من الفرسان يمتطون جيادهم أسفل جسر السكة الحديدية؛
أسرع ثلاثة منهم عبر بوابات «أورينتال كوليدج» المفتوحة، بينما ترجل اثنان وبدآ يركضان من منزل لآخر. بدت الشمس — التي كانت تشرق وسط الدخان المتصاعد من
قمم الأشجار — حمراء قانية، وألقت بضوء متوهج غريب على كل شيء.
قلت: «توقفي، ستكونين في أمان هنا.» وانطلقت في الحال نحو حانة «سبوتيد دوج»، لأني كنت أعرف أن مالك الحانة يمتلك جوادا وعربة. ركضت لأني أدركت أنه في
تلك اللحظة سيتحرك كل من في هذا الجانب من التل. وجدته في حانته لا يدري أي شيء
عما يجري خلف منزله. وقف رجل يتحدث معه وظهره إليّ.
ً قال صاحب الحانة: «أريد جنيها، وليس لدي أحد يقودها.»
قلت من فوق كتفي الرجل الغريب: «سوف أعطيك جنيهين.»
– «ولم هذا؟»
قلت: «وسأحضرها لك في منتصف الليل.»
قال صاحب الحانة: «يا إلهي! ولم كل هذه العجلة؟ أنا موافق. جنيهان وستعيدها مرة أخرى؟ ما الذي يحدث الآن؟»أوضحت في عجالة أنه لا بد لي من مغادرة منزلي، وهكذا أمنت العربة. في ذلك
الوقت لم يبد لي أن تخلي صاحب الحانة عن عربته كان من العجلة في شيء. أحضرت
العربة على الفور، وقدتها على الطريق، ثم تركتها في عهدة زوجتي والخادمة، وأسرعت
إلى منزلي لإحضار القليل من الأشياء القيمة مثل الحلي النفيسة وغيرها. كانت أشجار
الزان أسفل المنزل تحترق بينما أقوم بذلك، وتوهجت سياجات الشجريات على الطريق
ً باللون الأحمر. وبينما كنت مشغولا هكذا، أتى أحد الفرسان الذين ترجلوا عن جيادهم
ً مسرعا. كان ينتقل من منزل لآخر يحذر الأهالي كي يرحلوا. كان يواصل سيره عندما خرجت من الباب الأمامي أحمل أمتعتي المربوطة في أحد فرش المائدة. صحت قائلا: «ما الأخبار؟»
استدار الرجل، وحدق في، وصاح متحدثًا عن «الزحف للخارج داخل شيء يشبه
غطاء الطبق»، ثم أسرع إلى بوابة المنزل الكائن فوق قمة التل. اختفى عن ناظري بفعل
سحابة مفاجئة من الدخان الأسود اندفعت في الطريق. ركضت نحو باب جاري، وقرعته
بغية التأكد مما كنت أعرفه بالفعل، وهو أن زوجته قد غادرت معه إلى لندن وأنهما أغلقا
المنزل. دخلت المنزل ثانية لأفي بوعدي في إحضار صندوق الخادمة، وحملته، ثم ألقيت
به إلى جوارها في مؤخرة العربة، وأمسكت الزمام، ثم قفزت إلى مكان السائق بجوار
زوجتي. بعدها بقليل صرنا بمنأى عن الدخان والضوضاء منطلقني بسرعة إلى أسفل المنحدر المواجه لتل «مايبري» نحو «أولد ووكينج».أمامنا كان المنظر مشمساً  تماما، ورأينا حقل قمح على جانبي الطريق، وحانة
«مايبري» بلافتتها المتمايلة. رأيت عربة الطبيب أمامي. عند سفح التل، أدرت رأسي
لأنظر إلى جانب التل الذي كنت أبتعد عنه. كانت خيوط كثيفة من الدخان الأسود
ممزوجة بخيوط من النيران الحمراء تتصاعد في الهواء الساكن ملقية بظلال سوداء
ً على قمم الأشجار الخضراء ناحية الشرق. امتدت خيوط الدخان بعيدا ناحيتي الشرق
والغرب؛ إلى غابات الصنوبر في «بايفليت» شرقًا، وإلى «ووكينج» غربًا. كان المكان مليئًا
بأناس يركضون نحونا. سمعنا أزيز المدفع الذي كان ساكنًا آنذاك؛ كان صوتًا خافتً
ً للغاية وإن كان مميزاً جداً عبر الهواء الساخن الساكن، وسمعنا أيضا الفرقعات المتقطعة
للبنادق. من الواضح أن المريخيين يضرمون النيران في كل شيء يقع في نطاق الشعاع
الحراري.
ولأني لست سائقًا محترفًا، فكان لا بد لي أن أدير انتباهي على الفور إلى الجواد.
عندما نظرت مرة أخرى كان التل الثاني قد حجب الدخان الأسود. ضربت الجواد
بالسوط، وأرخيت له العنان حتى أصبحت «ووكينج» و«سيند» تفصلان بيننا وبين تلك
الجلبة العالية. أدركت الطبيب، وتجاوزته بين «ووكينج» و«سيند».

حرب العوالمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن