عودة مُحارب !

142 7 7
                                    

أستيقظت من حبل الذكريات على صوت أرتطام عجلات الطائرة بالأرض ، وقبل أن تستقر الطائرة و تتوقف ، نهضت من مكاني مسرعاً ألى باب الطائرة ، كان الشوق يغلبني فما أن أنفتح الباب و سطعت أشعة الشمس في عيني و أستنشقت هواء مدينتنا العليل حتى شعرت بالحياة تدب بجسدي من جديد ، لقد فقدت هذا الشعور لسنوات .
كنت أسابق الجميع لمغادرة المطار و أستطعت أيقاف حتى المركبات وطلبته بأذهاب الى قريتنا ، وما أن صعدت و تحركت العجلات ، تملكني شعور الخوف و الرهبه فكيف سأجد أحوال أهل القرية !
وهل هم بخير وعلى الحالة التي ذهبت بهم عنها ؟ ولا أقصد بقولي هذا بأنهم كانوا بخير في حياتهم و معيشتهم و أحوالهم فتلك الحياة لا ينبغي أن تسمى خيراً أبداً ، ولكن من يسقط في فوهة بركان يحترق لن يحمل هم رائحة النيران أو ردائه الذي تمزق من فعل لهيبها ، بل لن يفكر سوى أن يخرج بقلب ينبض وأن يكون على قيد الحياة فحسب ، ذلك الخير سيكون كافياً بالنسبة له ، لذلك كنت أخشى بأن تكون حاصرتهم الأمراض أو حل عليهم الموت الذي يفرق الجموع و يشتت الأسر دون عطفاً أو رحمه .
كان شعوراً مخيفاً بأن تكون العودة ليست كما كنت تتصورها في ذهنك ، تلك الأحلام الوردية و الخيال الذي يأتي كيف ما تحب ويخبرك بأنهم جميعاً بخير و سيقفون على أبواب منازلهم و كلً منهم يتسابق لظفر بك وبأن تشرف منزلهم وأن تكون ضيفاً لديهم ، لكنك تسير دون أكتراث لكل ذلك وتذهب ألى منزلك وتجد عائلتك ممسكين بأيدي بعضهم و الابتسامة تزين وتشرق على وجوههم وهم يشاهدونك قد عدت بطلاً تزين النجوم أكتافه وتلك القبعه تغطي عينيه ، وبعد كل هذا الأستقبال ينشر خبر وصولك لدى الجميع فتأتي أليك محبوبتك و ترتمي بأحضانك و تبكي شوقاً و الالماً لفراقك .
فتبدأ بأخبارك كم كانت الحياة قاسية في اللحظة التي غبت بها عن عينيها ، وتسدل لك قصص بكاءها ليلاً على ذكراك و ليالي أخر تبتسم و تضحك على ذكرياتك الجميلة التي تركتها خلفك حينما رحلت .
كل تلك الأحلام كانت جميلة ، لكن سحقاً لماذا لتو فقط أصابتنا الكوابيس ، بل لماذا أغفلت فكري عن تلك الكوابيس طيلة كل هذه السنين التي مرت ، وهل هي كوابيس حقاً ؟ أما أنها تلك الأفكار الواقعية التي لا أرغب بتصديقها !
كنت في كل مرة أصرخ بالسائق أرجوك أسرع فلو ركض بجانبناً حصاناً لضحك على حال البشر وكيف أستبدلوه بمركبات تسير بهذا البطىء ، وفي لحظات أخر أصرخ في وجهه أرجوك لماذا تسير كالمجنون فالعالم لن يذهب لأي مكان أذا تأخرنا قليلاً ، وكل هذا ليس لأنني متناقض بل لأنني أصاب في حالة من الهلع و الخوف بأن تكون الأمور فالقرية ليست كما ينبغي فأحاول أن أكون مستعداً لذلك وتقبل القدر .
وفي لحظات الصراع مع الأفكار الحزينة و السعيدة التي تتضارب و تقبع داخل عقلي و مع السائق ، توقفت المركبة في منتصف القرية وقد غابت شمس نهار ذلك اليوم و ظهر القمر بين النجوم مزيناً السماء ، فترجلت مسرعاً وانا لا أكاد اصدق نفسي بأني قد عدت كضابظ بالرغم أنني لم أكمل مدة التدريب لكن النجوم كانت تزين أكتافي ، الكثير من الذين يقفون امامي لأعرفهم ولم يكونوا في قريتنا قبل رحيلي منذُ ثلاثة سنوات ، لكن هذا ليس بالأمر الغريب فالفقراء يزدادون كل مازدادات اهمية المال لدى البشر ، فهولاء هم أصحاب المدن قد هربوا من جحيم الغنى الا جحيم اخر لكنه بالنهاية سيجدون بشر يشبهونهم بتلك المعاناة وهذا الأمر يريحهم ، فلا أحد هنا سوف يسخر مما ترتدي او أن يحل لديك ضيف ومن ثم تقدم له الطعام الذي لم يكن فالمستوى المطلوب ويسخر من كرم ضيافتك له ، هنا جحيم لكننا جميعاً مجرد ضحايا .
بدأت باالسير الى منزلنا ولكنني وجدت نفسي لأتحكم بأقدامي و أصبحت أركض كالمجنون حتى لاح لعيني منزلنا الصغير المهترى وهو على حاله لم يتغير ، فتوقفت عن الركض واصبحت أسير ببطىء ، حتى وصلت الى باب المنزل فأذا بالباب قد فتح فخرج من والدي فوقعت عينيه صوب عيني وكانت اشبة بالصدمة لتلقيك خبر كنت تخشى طوال عمرك بتحققه ، لكنني لم أكترث لتلك المشاعر و بادرت بالأبتسامة و نزع قبعه العسكرية تقديراً وتقدمت لتحيته واحتضانه ، لكن ما أن وصلت اليه وكاد جسدي ان يلامس جسده حتى وضع يده امامي وهو ينظر الي بكل خيبة امل .
- لم يكن ينبغي لك ان تعود ، لقد كنا سعداء بدونك ، فلماذا قد عدت ؟
ثم انصرف ولم ينتظرني حتى أجيب بأنني أشتقت أليه كثيراً بالرغم أنه لم يحبني يوماً ، كم رغبة بان أخبرك بأن لا تحبني لكن توقف عن محاولة جعلي أكرهك فهذا لن يحدث ابداً ، أرجوك يا أبي فقط دعني أحبك كسائر الأبناء .
بالرغم أنها ليست المرة الاولى التي يفعلها ، لكنها كانت بالنسبة لي كالرصاصة القاتلة في كل مرة يفعلها ، او ربما اشد قسوة فهي كطعنة صديق كخيانة حبيب ، لقد كان عزائي الوحيد بأنك بخير وهذا الأمر يكفي لسعادي .
لقد وقفت ساعه كاملة امام باب منزالنا ، لقد أردت التقاط أنفاسي و الاستعداد للقاء والدتي العزيزة ، حسناً لماذا هذا الهراء لقد كنت واقفاً لأنني لم أستطع الدخول بعد مافعله والدي معي ، لقد ظننت بأن الغياب سيجعله يغير ما يشعر به تجاهي لكنه يتحدث بأنني لم يكن علي بأن أعود وبأن حياتهم كانت أكثر سعادة بدوني ، هل بالفعل هم سعداء بدوني ؟
وهل عودتي حقاً لن تسعدهم كما كنت أظن طوال كل هذا الوقت ؟
اللعنه كم رغبة بطرق الباب والهرب ومن ثم الاختباء ومشاهدة والدتي وهي تخرج وتبحث عن الطارق و أتاكد بأنه بخير و أقنع قلبي المسكين بأنهم لا يريدون قربك وأنظر وشاهد كم هم بخير بغيابك ، نعم هذا سيكون أنسب للجميع سأمنحهم تلك السعادة التي فقدوها بوجودي ومن ثم وجدوها حينما رحلت .
فطرقت الباب وركضت أسعى لكون مختباءاً عن والدتي ، كما كان شعوراً قاسياً بأنك لا تستطيع اسعاد من تحب و بأنه سيكون سعيد أن خرجت من عالمه ولم تعد في نطاق حياته ، أنني أحبها لكنني أحب بأن تكون سعيدة أكثر ، ويكفي بأن أراها سعيدة وأنا اللعنة على حالي و على ما احمله من مشاعر .
كانت أسوء الخطوات التي خطوت بها في حياتي واكثرهم حزناً وانا أهيم على وجهي باحثاً عن مكان أختبىء به ، في وسط عتمة الليل وظلمته وجدت أحد الجدران فأختبات خلفه ، ولو أن ذلك الجدار كان يشعر بنصف ما أشعر به لتصدع وتحطم حزناً وسقط ليفضح امري لوالدتي .
فما أن شعرت بصوت الباب قد فتح ، حتى ركضت مسرعاً نحوه كان الشوق لا يطاق ولم أستطع فعلها وأن لا أذهب اليها كطفلاً تائه في زحام البشر و شاهد طيف والدته من بين افواج البشر ، حسناً سأكف عن تزييف الحقيقة ، لقد خشيت بأن تكون حقاً سعيده بدوني فتكون هذه نهايتي فانا أضعف أن أمر بشعور الوحده من قبل والدته ، لقد كان سبب كل هذا الركض كالمجنون ، فما أن وصلت أليها حتى تعناقنا طويلاً على عتبت الباب تحت جُنح الظلام ، لقد بكت طويلاً وكثيراً لمشاهدتها لي ، ثم أنها أخذتني من يدي وأصبحت تركض بي وتطلب مني السير بسرعه لمشاهدة مفاجأة قد حدثت في غيابي ، وما أن دخلت غرفتي القديمة حتى وجدت بها طفلاً يبلغ العامين وهو يضحك ، لم أكن أستوعب مايحدث حتى أربتت على أكتافي تقدم وقبله أنهُ أخيك الاصغر .
لقد سقطت بجانبه كالاهبل وأمسكته بيدي وأصبحت أعانقه وأقبله ، كانت تلك المشاعر الأجمل من بين كل المشاعر التي قضيتها مع عائلتي ، فكل ماكان ينقصني في وحدتي مع عائلتي أخ يشاركني تلك الليالي ، وهاهو قد أتى وكان أجمل من أتى ، كان جميل الوجه والملامح اسود العينين مبتسم الشفاه احمر الوجنتين و كان قد زين ثغره نابين صغيرين ، فحملته ووقفت به بجانب والدتي فحدثتها راجياً منها بأن تعلمه أن اول وأهم درس فالحياة أن يتعلم قول لا ، فمن يقولها لايمكن أن يكون عبداً و خادماً لأحد ولا ضعيفاً ، أخبريه أن سقط الجميع فعليه أن يقف ويحاوب حتى وأن كان وحيداً ، أخبريه أن الاستسلام رأيته بالظاهر بيضاء لكنها ستلطخ ذكراك بالسواد ماحييت أخبريه أن يكسر تلك الراية ولا يحملها معه في كل طريق وعر يسيره في هذا العالم ، وأخبريه بأن الحب هو اجمل الأشياء وهو الشيء الوحيد الذي يجعل هذا الكوكب لا ينفجر من الجحيم الذي يحدث به ، وأن الرجل النبيل بأن يجيب بأن يحارب و يقاتل من أجل الفتاة التي وقع أسيراً في هوى حبها وبأن لا يتخلى عنها مهما كانت الظروف من حوله فالحب سينتصر على كل مايحاول سحقه و ذكريه بأن المرأة هي الملجاء الذي ستهرب به من وحشية كل مايمر بك فأختار ملجاءاً لا يخذلك أن سقطت وبحثت عن مهرب أليه ، أخبريه بأن الأحلام تتحقق فجعليه يحارب على كل حلم مر في ذاكرته ، أخبريه واصرخي في وجهه بأن القناعة و التسامح للضعفاء ، أخبريه بأن الوطن هو الهدية التي نحصل عليها دون أن نفعل أي أمر وهو أغلى من النفس فليعيش الوطن حتى وأن كلفت بأن تموت مدافعاً عنه فلا حياة بلا وطن فهو الكرامة و فقدانه ذل و عار ، وأن حدود ذلك الوطن قد حددت بدماء المحاربين العظماء الذين ظلوا مدافعين عنه .
وأخبريه عن أن الحرية لا تشترى ولا تباع فالمال فهي أغلى من كل تلك الاشياء المحسوسة .
ثم أني قبلته طويلاً وظلننا نتسامر طوال الليل احدثها و تحادثني بما حل في غيابي و كيف احوال القرية بينما ان كنت اسرد لها بعض القصص التي وقعت لي فالمعسكر وكيف أصبحت ضابطاً بالرغم أنني لم أكمل مهمة التدريب ، وأني سأعود مساءاً الى المعسكر .
كانت احاديث شيقة كم رغبت بأن أن لا تنتهي ، لكن سحقاً على ذلك المدعو الوقت فهو يمر مسرعاً أن كانت اللحظات سعيده بينما أن كانت عكس ذلك تطن بأنه قد نسى بأن يتحرك من مكانه و زمانه فقد أتى الفجر بجماله وهدوءه وبدأنا بسماع اصوات الطيور قد خرجت من أعشاشها لتبحث عن ارزاقها ، فأحتضنت والدتي طويلاً وقبلتها و حملت أخي الصغير وقبلته وقد كدت من شدة تعلقي به بأن أحمله معي ولا نفترق لكن هذا ليس الوقت المناسب للعواطف الجياشة ودعتهما وعندما وقفت على عتبت المنزل أخبرتني الا تريد توديع والدك قبل رحيلك ؟
كانت المرة الاولى التي تسألني والدتي سؤالاً فلا أمتلك اجابته فحقاً أن لا أعلم ، فلا أرغب بأن يراني و يحزن ويتعكر بسببي ، لن أودعه هذه المرة وسوف أستجيب لأمره فغادرت بخطىء ترغب بالعودة لكنها أن الحياة و بؤسها أشد قوة و وطأة في هذه اللحظات .
ثم أنني أتجهت الى منزل شروق وقد وقفت تجت شرفتها و نافذتها ، كنت مبتسماً سعيداً فقد لاحت في ذاكرتي كل تلك اللحظات الجميلة التي قد قضيناها سوياً على هذه الشرفه .
فخرج الجميع من مساكنهم وأصبحت تدب الحياة فالقرية منذُ اول ساعات الصباح ، فكنت ذاهباً الى المستشفى فهذا هو اليوم الاول الذي ستكون به شروق طبيبه في مستشفى القرية ، وكان المستشفى يقع في منتصف القرية لذلك سوف ألتقي بمن أعرفهم في طريقي الى هناك .
وبالفعل كنت أقابل بعض من كنا على علاقة جيده ربما المعرفة فقط وكنا نتصفاح ويباركون لي كوني قد أصبحت ضابطاً ، حتى وصلت الى سوق القرية فأذا بي قد ألتقي بفيصل وقد تغيرت ملامحه كثيراً فكان من الصعب التعرف عليه لكن الاعين تكشف الوجوه ، فتصافحنا بحرارة وكان لطيفاً و صادقاً في حديثة وبارك لي بأن حالي قد تحسن واصبحت ضابطاً كما كنت احلم ، ثم أنهُ قد بادر بالحديث وأخباري بأن ايضاً يوسف قد حقق حلمه فهو الان أحد كبار تجار القرية ثم أنه ضحك لقد كان امراً غريباً فقد أصبح في ليلة وضحاها ذلك التاجر الذي يملك المال و الكثير من الدكاكين ، ثم أننا تحدثنا عن الكثير من الامور التي تجمعنا وأخبرته بأني ساغادر فودع كلً منا الاخر و مضيت ، وقبل أن اغادر منطقة السوق فأذا أنا اشاهد دكان العم حسن قد أحترق واصبح هشيماً وحطاماً فسألت أحد المتواجدين هناك ماذا حل بذلك الدكان و صاحبه العم حسن ؟
فأجابني بأن الدكان قد ألتهمته النيران في أحد الليالي و قد وجدنا صاحبه محترقاً بداخله .
كان أمراً محرناً بالنسبة لي بالرغم أنهُ لم تكن هناك لحظات جميلة تجمعني مع العم حسن ، وفي هذه اللحظات قد شاهدت يوسف في احد الدكاكين الكبيرة و قد كان من حوله غلمان و صغار قد جعلهم أشبه بالخدم و العبيد و يطيعونه بكل مايمر به ، فلقد كان يصرخ بهم بتعالي و لا ينكف عن احتقارهم و توبيخهم على كل أمر ، أنهُ هو كما كان صغيراً فلا يمكن تغييره ، وفي وسط الزحام قد وقعت عيني في عينه واصبح كلً منا ينظر ويحدق في الأخر ، لقد كان ينظر لي بكل كرهه تلك النظره لم تتغير ابداً وأصبح يخرج الأموال ويرميها أسفل اقدامه و يجعل من الغلمان اللتقاطها  ، أبتسمت بسخرية و حركت شفاهي بـ أنك مجرد حثالة بالمال أو بدونه ،  ومضيت الى ألمستشفى حتى وصلت ألى ابوابه وكنت اول الواصلين حتى قبل أن تفتح ابوابه فلم أكن لافوت أن أكون مريضها الاول و أن ارى حلمي بها قد تحقق ، فتم فتح ابواب المستشفى فكان كل طبيب و طبيبه في عيادته ينتظر توافد مرضاه ، أما أنا فقد وقفت أمام عيادتها فبدأ في هذه الاثناء المرضى بالتوافد وأصبحوا يصطفون في طابور خلفي ، كنت أراها وهي لم تراني بعد ، لقد شعرت بالسعادة تغمرني وأن اراها في ذلك المعطف الابيض ، لقد بدأت لي جميلة بل في غاية الجمال كما كانت ، كان شعور قلبي حينها أشبه بالسقوط في في بحيرة بمياه بارده في ليلة ممطره .
فأذا هي قد رفعت أعينها لترى عدد المرضى و تصيبها الذهول بعد أن شاهدتني في مقدمة مرضاها وأنا مبتسماً و مبتهجاً أنظر أليها كيف كانت متوترة و قلقة في يومها الأولى ، فهي لم تتوقع حضوري اطلاقاً ، فوضعت يدها على فمها و هي تضحك تارة و تبتسم تارة و تحاول أن تصدق مايجري في تارة اخرى ، لقد أصبحت سعادتها سعادتين فهذا يومها الاولى كطبيبه وتحقق حلمها و مريضها الاولى كان حبيبها ، فنظرت الى الزي العسكري و النجوم على أكتافي ، فأبتسمت لها و أشرت له بأننا قد فعلناها ، لقد أنتصرنا انا و أنتِ يا جميلتي فبادلتني الابتسامة وهي تحرك رأسها نعم لقد فعلناها ، فأصبحت تحاول أن تسيطر على مشاعرها وأن تبقى مركزه كطبيبه وأني مجرد مريض ، فأصبحت تغلق عينيها و الممرضات من حولها شاهدوا كل تلك النظرات التي بيننا ، لقد حاولنا اخفى ذلك لكن نظرات الحب تفضح المشاعر ، فأصبحن يتهامسن في مابينهم .
أما انا فأني قد سمعت خلفي أنين سيدة طاعنه بالسن قد أتعبها الوقوف و كاد أن يهلكها المرض ، فأخذتها من يدها وأخبرتها بأن تتقدم الطابور وتحل في مكاني ، لكنها تحدثت في لسان ثقيل و حديث متلعثم من فرط ماحل بها من التعب .
- لكنه مكانك و الدور دورك وأنت من أتى مبكراً ايهُ الشاب .
أبتسمت لها سيدتي وقلت لها بكل لطف بأنهُ لا يوجد رجل نبيل في هذا العالم يرغب بترك امرأة تتألم خلفه ، الرجال النبلاء لا يفعلون ذلك اطلاقاً .
فأخذت مكاني فتقدمت الى داخل العيادة وأخذتها شروق بكل لطف و أغلقت باب العيادة .
مرت بضع لحظات حتى خرجت تلك السيده المريضه فحأن دوري للدخول الى داخل العيادة ، فتقدمت و أنا أصرخ على في قلبي أيهُ المعتوه سيطر على مشاعرك ولا تجعلني أبدو كالأبله ، فما أن دخلت العيادة فأذا بجميع الممرضات قد غادراً وكلً منهما تخفي بسمتها وأغلقن الباب فكنا أنا وهي لوحدنا بالداخل ، فممدت يدي لها والتي كانت قد جرحت عندما قفزت من شرفة القصر ، وما أن وضعت يدها على يدي حتى ألتقطتها و أسحبتها ألي و أحتضنتها بشدة ، وأصبحت أحدثها و أهمس بأذنها لقد كبرتي جداً أيتهُ الطفلة فها قد أصبحتي طبيبة كما أردتك بأن تكوني .
أما هي فقد أصبحت تبكي وهي تحتضنني لقد فقدتك كثيراً و ايضاً أشتقت أليك كثيراً ، فوضعت يدي على ثغرها ، يكفي ذلك لا وقت للحزن فأني سوف أرحل بعد قليل ، فلقد هربت من أجل أن أراك كطبيبة في يومك الأول وها قد حدث ذلك .
قاطعتني هل حقاً هربت من أجلي ؟ لكنهم سوف يتم عقابك على هذا الخطأ !
أبتسمت وقبلت عينيها نعم سوف يعاقبونني على هذا الخطأ لكنه كان الأجمل من بين كل أخطائي .
ثم أنك جميلة و فاتنة بهذا المعطف الأبيض لكن عندما أعود سوف ترتدين فستاناً ابيض ، فهذا اللون أجمل اللوان التي ترتدينها .
فحمرت وجنتيها خجلاً وهي تبتسم لحديثي ، ثم أنني وضعت يدي حول وجهها الجميل الذي يبدو في كل مرة أراه كالقمر .
- هذه المرة ساغادر ألى الحرب الأشرس في حياتي ضد رجلاً كالشيطان ، سيكون صراعاً للبقاء و سيهلك من يسقط به فلن ينجوا من يهزم في هذه المعركة ، ربما سيكون هذا لقاءنا الأخير حقاً ، أرجوكِ أياً كان مصير تلك المعركة أعلمي بأنني قد أحببتك أكثر من أي شيء ، لقد كنتي دائماً حاضرة في ذهني و فكري ، لم أتوقف عن التفكير معك في كل وقت ، فعندما أكون سعيداً أتمنى بأن تكونين بجانبي وتشاركيني اياها ، وعندما أكون حزيناً أفكر بأن كل هذا من أجل أن يتحقق حلمك و أكوناً رجلاً يستحقك كما كنت دائماً فيجعلني ذلك أشد صموداً في مواجهة الاحزان و الشقاء الذي نمر به ، فلذلك عديني و عاهديني بأن نكون سوياً على حالنا نتشارك الحب و نتجرع مرارة الحزن سوياً مهما كانت نهاية تلك المعركة ، وأن تم قتلي فأرجوك أختاري رجلاً يحبك كما أحببتك ، أتعلمين لماذا ؟ لأن ذلك مستحيل ولا يوجد من أحبك بالقدر الذي أحببتك به فعند ذلك أعلم بأنه لا يستحقك أي رجلاً أخر فأموت في سلام .
أردات فأن أتوقف عن قول ذلك لكنني أحتضنتها بشده أرجوك يا جميلتي قولي ذلك و عاهديني ، ثم أنها عاهدتني بذلك وهي تخفي دموعها بيديها .
حسناً الان سوف أغادر قبليني وانتِ تضحكين  و دعيني أرحل و أن أعلم أنك سعيده ، فوقفت على اطراف اصابعها وقبلتني ، وتحركت مسرعاً وفتحت الباب و غادرت بخطى متساعره لكي لا أضعف و أعود أو ابقى ، وعندما غادرت المستشفى شاهدت الناس يحدقون بي متعجبياً دون أن يتحدثوا فكان امراً غريباً بالنسبة لي فما بال كل هولاء الناس !
فأستوقفت مركبة و أخبرتها بأنني أريد الذهاب الى الممطار فوراً ، فصعدت المركبة بعد أن أذن لي بذلك ، وأصبح ينظر الي كحال بقية الناس الذين ألتقيت بهم فور خروجي من المستشفى .
فسألته لماذا تنظر ألي بهذه النظرة البلهاء ؟
أجاب وهو يبتسم كالبله يبدو بأنك قد حصلت على وداعاً يستحق الرحلة ، لم أفهم ماذا يرمي أليه في حديثة في بداية الامر لكنني ألتفت مسرعاً الى مرآة المركبة فأذا بالقبل الحمراء التي قبلتني بها شروق قد كانت ظاهره على انحاء وجهي ، رغم أن الامر كان محرجاً للغاية الى أنني أبتسمت وأنا أحدق كالبله في المرآة ، لقد كان قلبي محتاراً بين أمرين طمسها و أخفى أثار شفتيها عن كل الاعين فقد كنت أغار عليها حتى في أثار قبلاتها أو أن أجعل تلك الأثار فهي أجمل شيء قد ظهرعلى جسدي ، لكن ما أن نظرت الى السائق وهو ينظر ألي بغباء وهو يحدق الى تلك القبلات حتى مسحتها بمعطفي و أخبرته بأن ينظر الى الطريق قبل أن أقدم على أقتلاع عينيه

الجندي الذي وأجه الشيطـان !حيث تعيش القصص. اكتشف الآن