عندما أوشكنا على أقتحام القرية أخذ كلً منا يجهز ويتأكد من سبطانة سلاحه و يرتدي درعه الذي قبله الجميع متؤسلين منه حمايتهم من نيران المتمردين و أن يكون قوياً فلا يخترقه الرصاص ، بينما أنا قد عدت ألى المقدمه ودخلنا القرية تحت جنح الظلام و هطول المطر الغزير و العاصفة التي تكاد تقتلع منازل اهل القرية المهترئه من اماكنها ، لقد كنا نسير دون أن يشعر أحد بوجودنا فقد كانا نخشى أن يتم أكتشاف أمر الأقتحام فتحدث مجزرة و يموت الضحايا الذين لا علاقة لهم سوى أنهم ولدوا في المكان الخطأ ، أنهم أشبه بورده جميلة ظهرت في مقبرة فكل ماحولها أموات ، أنها جميلة لكن هذا لا يكفي لتبدو سعيدة .
تقدمت ترسانة الجنود و أصدقائي التسعة الذين قادتهم الأقدار والخطى التي أتخذتها لنكون هنا في وسط المعمعه محملين و مثقلة اجسادنا بالأسلحة و الدروع التي نحملها ، أن النظال و الكفاح شيء يتغنى به الجميع بالجمال و الكلمات الرنانة عندما يكتب عنه أو نشعر بلذته ، لكن خلال مرحلة النظال و الكفاح فأنت لا ترغب سوى بالصراخ طالباً أيقاف هذا الأمر و أنه لم يعيد يهمك ، لكن عليك بأن تخرس تلك الصرخة و تندفع كالطوفان لكل ماهو يرغب و يأمل بأيقافك و الأستماع لصرخة الأستسلام .
وعند دخولنا القرية أصبحنا نجول بها بحثاً عن الماره و السكان من أجل أن نسأل عن مهية و حقيقة هولاء المتمردين أن كانوا لصوص أم هم ثائرين !
وخلال بحثنا أعترضنا صبيه تكاد تبلغ العاشرة من العمر ذات رداء ممزق وحافية القدمين و قد أمتلئت أقدامها بالندوب و الجروح جرى السير بها بين الصخور ، كانت نحيلة الجسد فكل ماهبت العاصفة تحركت معها كالريشة ،
وحينما شاهدتنا أخذت بيديها الصغيرتين تحتضن جسدها بها خوفاً و رهبه من رؤيتها لنا و نحنُ نحمل الأسلحة ولربما كوننا غرباء لم تعتد على رؤيتهم ، أخفيت سلاحي وتقدمت أليها وقدمت لها معطفي فقد كان جسدها النحيل يرتجف من شدة البرد ، لم ترفضه رغم أدراكي بأنها ترغب بفعل ذلك لكن ليست كل القرارات التي نرغب بها نستطيع فعلها بسبب جحيم واقعنا ، كان لدينا طعام قد حملناه لمشقة الطريق فأخذ الجنود بتقدميه لها ، فيبدو بأنها قد خرجت من منزلها بحثاً عن ماتأكله ، ومن ذا الذي يخرج الفقراء من بيوتهم مكبين و هائمين على وجوههم بستثناء ذلك اللعين المدعو الجوع ، قدمنا لها الطعام لكنها لم تأكل فهي لازالت لا تشعر بالأمان لوجودنا و الرهبة لازالت تتملكها ، أبتسمت لها و أخبرتها بأن المعطف و الطعام هدية ولأبد من قبولها و أن تحتفظ بها ، وحينما رفعت بصري من أجل أن أمر الجنود بالتحرك صوب الجهة التي يقطنها اللصوص ، وجدت رجل مسن ينظر ألينا من نافذة منزله المظلم و قد أمتلئت ملامح وجهه بتجاعيد قد شكلها الزمن و ذو وجه عابس تكاد بأن تقسم بأنه لم يبتسم في حياته قط ، كان ذلك الرجل يحدق بنا وفي الصبيه ، وحينما علم بأنني قد لأحظت وجوده توارى عن الأنظار و أختفى ، أردت بأن أقتحم منزله فقد كان مريباً بالنسبة لي ، لكن هذا ليس بالسبب المقنع الذي من أجله يستحق بأن أقتحم منزله .
طلبت من الجنود التقدم بعد أن ودعت الصبيه .
في أثناء سيرنا الى معقل و مكان المتمردين كنا نسأل المتواجدين في ازقة و طرق القرية عن أمر هولاء المتمردين .
فأصبح كل من نقابلهم يسرد لنا حكايات الطغيان من اللصوص و أن لهم رجلاً قد نصب نفسه قائداً لهم فأصبح يأخذ طعام الفقراء بلا وجه حق ، وأن سوطه يمزق جسد كل من يخفي الطعام لنفسه ، فأصبح أهل القرية أشد فقراً و ضعفاً فذلك اللص قد تمكن من الجميع هنا .
لقد شعرت بالكثير من الراحة فقد كنت أخشى قتال أحد الثائرين الذين تجمعنا الأفكار و تفرقنا الظروف ، كنت قد وعدت كل من ألتقيت بهم بأننا سوف نتخلص من أولئك اللصوص لكن عليكم العودة الى منازلكم فالرصاص فالحروب يفضل اجساد الأبرياء من بين كل الجحيم الذي حوله .
تقدمنا حتى وصلنا الى المنزل الذي يسكنه و يتحصن به اللصوص .
كان هناك منزل يفصلنا عن منزل اللصوص فأخبرت الجنود بالتحصن خلفه أما بالنسبة لي سأقتحم هذا المنزل و تكون نقطة نرتكز عليها في الهجوم فقد كان ذلك المنزل مطل و مواجه لمنزل اللصوص ولا سبيل لقتحام منزلهم سوى بالمرور بذلك المنزل ، تقدمتهم و أقتحمت المنزل وكل ماحولي ظلام معتم فبدأت بالسير في أرجائه حاملاً سلاحي فأذا بي ألتقي بعجوز قصيرة القامة ممسكه بعصا تتكى عليها قد وقفت بأحد أزقة المنزل التي يتوجب علي المرور بالزقاق للوصول الى الشرفة التي تطل الى مسكن اللصوص ، أتضح لي ونحنُ نقف متقابلان بأنها عمياء فهي تحرك العصاء التي بيدها في كل أتجاه حتى لا ترتطم بأحد الجدران ، لقد وقفت ساكناً عن الحركة أنظر الى ماتفعل و أنتظر بأن تبتعد عن الزقاق ليتسنى لي المرور دون أن تشعر بوجودي ، لكنها توقفت عن الحركة و أصبحت واقفه بأتجاهي لقد شعرت بأنها قد علمت بوجودي وهذا أسوء ماكنت أنتظره فقد كنت أخشى بأن تطلق صرخة مدويه في وسط هذا الصمت لينكشف مخطط الأقتحام فتحدث المجزرة في هذه القريه الهادئه بسبب تلك الصرخه ، لقد كان التعامل معها أشبه بجندي دأس بقدمه على لغم فأصبح يخشى بأن أي حركة ستفجر ذلك اللغم فتحوله الى أشلاء متناثرة ، فكل مايستوجب عليه فعله هو الصمت و البقاء على حاله دون أن يتحرك ، لقد ظلت على هذه الحال بينما أنا ليس لي قرار الإ بأن اظل على حالي و أتوسل بأن تتحرك و تبتعد لكن هذا لم يحدث فكل مامرت اللحظات تزداد يقيناً بوجود شخصاً ما في منزلها ، فملامح وجهها المرتابة توحي بذلك ، ثم أنها أبتسمت و راحت تضحك دون أن ينبس أيً منا بكلمة يالا غرابة هذه العجوز فقد علت ضحكتها بعد أن كنت خائفاً من صرختها ، فتحدث وهي مستمرة بالضحك التي وصلت لحد القهقه و تضع يدها على فمها خجلاً لعلوا ضحكتها وتحاول جاهده بأن تخفيها .
- أيها الشاب ألم تعلم بأنه لا يجب على الجندي أن يقتح منزل تسكنه سيده جميلة ، فما عسى يقول الناس أن علموا بوجودنا لوحدنا !
أبتسمت لحديثها وشعرت بأن الجبل الذي قد وقع على صدري قد تزحزح فقد توقعت كل مايحدث الإ بأن تقول هذا الحديث الذي كانت مؤمنه بصحته ، فأجبتها .
- أنني هنا من أجل سحق كل من يتفوه على سيده جميلة كاللتي تقف أمامي و أثرات استغرابي كيف علمت بأنني جندي شاب ؟
أجابتني وهي لازالت مستمرة ويدها لم تتحرك عن ثغرها .
- لقد علمت بأنك جندي من رائحة البرود و شعرت بأنك شاب لأنك بقية ثابتاً طوال فترة صمتنا ولم يكن حتى صوت أنفاسك عالياً أنك بكامل صحتك ، ستسألني بأن حمل البارود و الأسلحة لايعني بالضروة بأنني جندي أنك محق بهذا التشكيك ، أنك تحمل نفس رائحة البرود التي كانت تظهر على أبني الذي كان أحد أفراد الجيش ، وسوف تواجه ألي سؤالاً اين هو أبني الأن ؟
لقد مات منتحراً بعد أن أنقضت أحدى المعارك وكان يصرخ أقتلوا الشيطان ، لقد كان يحدثني كثيراً عن ذلك الشيطان الذي يقودهم فالجيش حتى لم يتمالك نفسه فنتحر ، لقد بكيت على موته كثيراً حتى جفت مدامعي و فقدت بصري ، وربما أشعر بأنني لازلت امتلك القدره على النظر و لكن لا شيء في هذا العالم يستحق النظر أليه بعد رحيل من أحب لذلك لما عساي أن اجهد عيناي بالنظر !
لقد كان أبنها الذي أنتحر قد حدثني عنه الضابظ المسؤول عن تدريبنا في ذلك اليوم ، يبدو بأن ضحايا القائد عقاب قد وصلوا الى هذه القرية المنعزلة .
أخذت بيدها و أخرجتها من المنزل فقد خشيت بأن تصيبها رصاصة طائشه ، و أستدعيت الجنود فقد كشف لنا المنزل الذي تحصن به و تجهز كلً منا لمعركته الأول و أصبح كلً منهم يقوم بطقوس مختلفه عن الأخرين ، فذاك يقبل درعه و سلاحه و يرجو بأن لا يخذلانه و الأخر يصلي و يتضرع بأن تسير الأمور كما يأمل و هناك من بقاء مترقباً يسكنه الصمت و حديث النفس ، كنت أجول بنظري بينهم و عندما علمت بأن الكل أصبح مستعداً للأستماع لما أقول ، تحدث كقائد و الصديق في الأمر نفسه .
- أنها معركتنا الأول فلا يجب أن ندعها تصبح الأخيرة ، أننا نمتلك رغبة القتال و الانتصار لأنكم تشعرون بأنكم الطرف المحق لا تدعوا ذلك الأمر يجعلكم تظنون بأنكم ستنتصرون لأنهم ايضاً يشعرون بما نشعر به في اعماقنا ، لا يوجد قتال بين الحق و الباطل بل يوجد قتال بين طرفين يظن كل طرف منهما أنهُ على الحق و الأخر على الباطل ، عليكم بأن تعلموا بأننا لو أنِ قد ولدنا هنا سنكون ربما متمردين و لصوص كحالهم و سيكونون أصدقائنا لذلك عليكم تقبل الأختلاف الذي بيننا فأن سقط بيننا أسير من المتمردين فلنتعامل معه كصديق ظال لا عدو قاتل ، قد نختلف في الأشياء التي نحبها و نصلي بأن تكون بخير أن تم هزيمتنا و سفك دمائنا في هذه المعركة هناك شيء مشترك قد اتفقنا جمعياً للقتال لأجله وهو الوطن ، فنلخوض هذه المعركة لأجل الوطن و أن يكون غداً أجمل له ، فلا يوجد شرف بالموت الإ أن كان القتال لأجل الوطن و أرضه ، فلنموت و نهلك و ليعيش الوطن و يبقى .
فتحركنا نحوه الشرفه بعد أن أقسم كلً منا للقتال من أجل هذا الوطن ، لم يكن أحد من المتمردين في خارج المنزل و ذلك ما أثار أستغرابي ولكن ربما لشدة المطر و العاصفة لم يرغب ايً منهم بالخروج ، أصبح الجنود يطالبون مني التقدم و أقتحام المنزل بينهم هم في غفلتهم يعمهون ولا يدركون مايحدث حولهم ، ولكنني رفضت تلك الفكرة وفضلت الانتظار على الانتهاز ، وظللت أنتظر على تلك الحاله و حديث الجنود يزداد بأن الهجوم بهذا الوقت هو من سيقودنا الى النصر ، ولكنني لم أزيح عن رأيي وقابلتهم بالرفض ، و صرخت بالمتمردين بأننا لم نقدم كل هذه المسافة للقتال و أقصاءهم فأنحنُ نرغب بأن تتوقفوا عن تلك الاعمال الشيطانية و أستغلال حاجه الضعفاء و فرض سيطرتكم على المستضعفين من أهل القرية ، أن الاستسلام خيار جيد للجميع هنا ، لنا و لكم و لأهل القرية ، أرجوكم لا تتخذوا خياراً أخر يجعل هذه القريه الهادئه تستيقظ مفجوعه على مجزره تملى دمائها شوارعها و ازقتها .
وبينما كنت أنتظر بأن ياتي الرد قولاً لا عملاً في هذه الحاله ، فأذا بي قد لمحت من نافذة المنزل الرجل المسن العابس الذي كان ينظر ألي حينما ألتقيت بالطفله ، أطلق رصاصه من داخل المنزل فأصابة أحد الجنود فسقط الجندي و هب الجميع من حوله لحمايته و قد نقلناه الى أحد الغرف لسعافه .
من حسن الحظ بأن الاصابة لم تكن قاتلة فقد أستقرت الرصاصة بساقه الأيسر ، فأصبح يصيح بنا عود الى أماكنك و سوف أنضم لكم حالما أستطيع أيقاف النزيف ، فأخذ يمزق من رداءه و يضعها حول ساقه لمنع الدماء من التدفق و النزيف ، بينما عدنا جميعاً ألى اماكننا لنتبادل اطلاق النار مع المتمردين ، أقترح أحد الجنود بألقاء قنبلة على المنزل الذي تحصنوا به و تدميره بالكامل ، لكنني لم أكن واثقاً بأن جميع المتواجدين بالمنزل من المتمردين ، لم أرغب بأن يسقط سواهم ولو أضطررت لتحمل الخسارة ، فقد كان هولاء المتمردين يستعبدون الضعفاء و يجعلونهم يعملون لديهم بلا مقابل لأنهم كانوا يمتلكون القوة التي لا يمتلكها الضعفاء ، لم أرغب بأنتصار على المتمردين أردت أن ينتصر الخير بأكمله و ينجو جميع الأبرياء ، ذلك هو الكامل الذي أعيش حياتي و حارب من اجلها للحصول عليه ، لقد ظلننا نتبادل اطلاق النار لساعات متواصلة دون ان يتوقف اين من الطرفين ، لكن في منتصف المساء بدأت أشعر بأن أصوات اطلاق النار أقل مما كانت عليه في السابق ، لقد سقط الكثير منهم ، كان ذلك دافعاً جيداً لنستمر بنفس القوة التي قد بدأنا بها ، حتى أختفت جميع أصوات اطلاق النار ، وعم الصمت والهدوء أرجاء القرية بعد أن ضجت بصوت الرصاص و رائحة البارود ، فأرحت أصرخ بهم ، بأن خيار الاستسلام لازال قائماً و لازال الافضل للجميع ، لكن لا مُجيب لا حديث ولا رصاص سوى صدى صوت كلماتي يتردد بين مساكن القريه ، فعلمت بأن المعركة قد حُسمت و سقط المتمردين جميعاً ، فطلبت من الجنود بأن يظلون و يبقون في أماكنهم بينما سأقتحم المنزل فلم أكن مستعد للتضحية بالجميع في لحظة طائشه بعد الشعور بغمرة و فرحة الأنتصار ، وبالفعل تقدمت نحو باب المنزل و قد خيل لي بأنه سيفتح و سوف يخرج من ثائر غارق في دمائه و يطلق النار نحوي غير مكترث بالرصاص الذي سوف يتلقائه لكن من المهم بالنسبة لي بأن يثائر لنفسه من قاتله ، لكن الباب ظل على حاله فدفعته بقدمي و رفعت سلاحي تائهباً لما قد يواجهني لكن لم يواجهني سوى منظر من الجحيم ، فقد أمتلى المنزل بالجثث و الدماء و الاسلحة و الرصاص و رائحة البارود قد أختلطت مع رائحة الدماء فتشعر بانهم يتجادلان فيمن تطغى على الاخرى ، لقد كان جميع القتلى من المتمردين فهم يرتدون الدروع و الاسلحة قد سقطت بجانب كلً منهم ، فوجدت بين الجثث المتارميه في انحاء المنزل جثة ذلك المسن العابس ، بدأت اتجول بينهما بحثاً عن قائدهم الذي لم يكن بينم ، لقد علمت بأنه لم يقتل بعد ولم يهرب ايضاً فلا مناص و مهرب من ذلك المنزل المحصن من كل أتجاه سوى بالخروج من الباب الذي كان مطلً في اتجاهنا ، فلو تحرك و غادر شبح هرباً لسوف نلاحظ و نفطن لذلك فقد كنا في غاية التركيز ، بدأت أجول بين الغرف غرفة تتلوها غرفة بحثاً عن قائد المتمردين الذي ظهر الجميع و أختفى من بينهم .
لقد بدأت بالتجول في المنزل الذي كان أشبه بالحصن من داخله و خارجه ، أدخل حجره تتلوها حجره للبحث عن قائدهم و بحثاً عن أخرين قد يكونون نجوا من الجحيم و تراشق النيران الذي حدث هاهنا ، توجهت للغرفة الاخيرة في الزقاق ، كنت مؤقناً بأنه قد لجىء أليها القائد المصاب ، فالدماء قد تناثرت وأصبحت ترشدني كخريطة الى المكان الذي فر من الموت أليه ، لم أكن أعلم مالذي سوف أوجهه عند أن أحطم الباب الذي يختبى خلفه قائد المُتمردين ، هل سيكون لوحده أما أن بجانبه رجال و رهائن قد أحتفظ بهم للحظته الأخيرة ، تقدمت نحو الباب المواصد ، لم أنتظر و حتى لم اقرر بعد فأذا بي بقدمي أحطم الباب الذي ظننت بأنه لن يفتح ابداً ، فأذا هو يظهر الخافي ، فلم يوجد في الحجره سوى رجلا ممد على الأرض وغارقاً في دمائه فقد أخترق الرصاص جسده من كل حدب و صوب ، لكنه لازال على قيد الحياة و يستطيع تمييز كل مايحدث حوله ، أقتربت منه أردت محادثته لكن لا توجد كلمات و لا مفردات و فشلت في تنظيم الجمل ، أخرجت سلاحي و صوبته نحوه من أجل أنهاء ذلك حياته و أن لا يتألم أكثر ، فلا مجال اطلاقاً لمحاولة علاجه فالاصابة كانت بلغه و قاتلة ، لذلك قرر انهاء حياته كان الأنسب ، عندما صوبت فوهة سلاحي نحوه مد يده نحوي متؤسلاً بأعين حزينة و باكيه ، وتحدث وكادت أن لا تخرج الكلمات من شدة مايشعر به .
- أرجوك بأن لا تطلق تلك الرصاصه فأني هالك لا محاله ، لا تدعها تنهي حياتي وتعلن وفاتي قبل أن أعتذر لما فعلته لأبنتي ، فقد سببت لها بسبب طيشي و تمردي الكثير من المتاعب و المصائب فهي تنام وقد افترشت الارض و لحافها السماء تركتها للبرد و الجوع ، لم أكترث لها طوال حياتي فلا تدعني رحل قبل أن أهمس في أذنها معتذراً لكوني الأب الذي لم تستحقه .
ثم أنه نظر نحو عيناي بأعينه التي أنسكبت على خديه و بدأ فالبكاء دون أنقطاع
- أعلم يا هذا أننا بشر و نظن بأننا أقوياء و سنظل كذلك على نفس القوة ، لكن كل هذا وهم و سراب نظل نسير خلفه حتى نسقط في هاوية الواقع ، لقد قدت مجموعه من المتمردين دون خوف وها انا الان تبكيني طفلتي الصغيرة والتي لا أعلم حقاً ان كانت ستغفر لي كل الخطايا التي أرتكبتها بحقها أم لا ، ربما لن تفعلها الليلة و تمنحني تلك المغفرة لكن ما أن تكبر و تنصج ستعلم بأن البشر لا يفعلون الصواب دائماً لانهم يعتقدون بأن الخطأ الذي يفعلونه و يحاربون من أجله بنظرهم صواب وكل مادون ذلك ظلال ، أفعلها و أطلق رصاصتك و دعني أريحك من هذه الثرثرة و دعني انا أستريح من التفكير بأخطائي ، أرجوك لا تدعها ترأني هكذا ، أطلب المغفرة فقط لأنني ضعيف و مهزوماً ذليل كسير لا يقوى على اي أمر سوى أنتظار الموت و طلب المغفرة من طفلته ، أنني تائه أكاد أن أجن فعلقي يصرخ مت بكبريائك أما القلب فهو يبكي يتؤسل ارجوك لا تستمع ألى ذلك المجنون ودع أبنتك ثم دعنا نرحل ، أني تركت قراري و مصيري أليك أيها الجندي ، أفعل ما ترى نفسك ستفعله لو كنت مكاني ، أما انا سأغلق عيناي و أنتظر قرارك فأن كان الموت فأطلق الرصاصه دون أن تخبرني ، و ان قررت أن أودع أبنتي أفعلها و غادر دون أن تهمس لي بأنك قد فعلته شفقه على حالي ، فالموت و الرصاصه أحبي لي من ذلك ، فأغلق عيناه .
اللعنه لماذا الكل يضع مصيرهم على عاتقي ، فلا مناص و مهرب لي الا بأصدار القرار ، أعدت سلاحي و غادرت المنزل وفعلت كما أمر فلم أنبس ولم أتحدث بأي كلمه ، فعلت ذلك من أجل الطفله لتعيش بلا أحقاد على والدها ، ولأني لم أرغب أن تشعر بما أشعر به أتجاه والدي من التناقضات .
عدت ألى الجنود معلناً خبر نهاية المعركة والأنتصار ، ظهر الفرح على الجميع و بدأو بالرقص و علت الضحكات ، فقد كانت المرة الاولى التي يشعرون بنشوة الأنتصار ، تحركنا بعد لحظات عارمه من السعادة لمغادرت القرية فقد أتممنا المهمه و تكللت بالنجاح المبهر ، كنت أسير خلفهم مبتسماً لمشاهدتهم يحتفلون بالأنتصار الذي قد تكلل ، كانوا الجندي المصاب كل ماحاول مشاركتهم الرقص شعر بالالم اصابته فأعتزل الرقص و أكمل الضحك ، كان أهل القريه يستمعون لأصواتنا فتظهر رؤوسهم مطلة من نوافذ منازلهم و يبتسمون و يحييوننا لتخليصهم من المتمردين الذين أفسدوا عليهم حياتهم مشاركة مع الفقر .
وقبل أن نعبر نهاية القرية و على بعد خطى من أخر منازلهم عاد ألي معاذ و البسمه تشرق من وجهه وأحتضنتي .
- أرجوك دعني أكن أخر من يغادر القرية ، فأنني لم أستطع أن أكن أول من يدخلها لجبني و ضعفي فلا تجعلني ألقي اللوم على نفسي و أمنحني قرار مغادرتي كأخر جندي يغادر أرض المعركة ، أرجوك أرغب بأن أخبر والدتي واخواتي بهذا الشرف ، فلطلما شاهدوني جباناً و ضعيف ذلك الأمر يقتلني بأنهم كانوا يعلمون و يدركون بأنني كذلك .
قاطعته بعد أن أخذت بيده و أعدته الى الخلف و تقدمت أنا الى الأمام متجاوز أحتفالات الجنود لأقف فالمقدمه دون أن أتحدث ، كان ذلك أسوء قرار أقترفته في حياتي ، لم يكن ينبغي علي فعل ذلك ابداً ، أن ذلك القرار كتب نهاية حلم و كفاح و نظال .
فما أن تقدمت و سرت خارج القرية فأذا بالجنود يصرخون بأن الطفله التي منحتها المعطف قد أتت قادمه بأتجاهنا ، كانت تسير بخطى مترنحه مثقلة تحمل بيدها معطفي وقد أحتضنته الى صدرها ولم ترتديه رغم غزارة المطر و العاصفه ، وصلت و أفسح لها الجنود الطريق لتصل ألي فقد ظن الجميع بأنها ترغب بأعادة المعطف ، وقفت في المنتصف بين كل الجنود ، نظرت أليها وتمعنت في عينيها فأذا هيا خائفة حائرة ، بجسد مرتعش خوفاً لا برداً ، تقدمت نحوها خطوة فعادت هي الى الخلف خطوة و أحتضنت المعطف بشدة ، أدركت بأنها لم ترغب بالقدوم ألى هنا ، رفعت بصري بأتجاه القرية فأذا بي أشاهد قائد المتمردين واقفاً والدماء تخوض معركة مع المطر فكل ما أستطع المطر محو الدماء عن جسده تدفقت الدماء خارجه ، أدركت بأنها كانت أبنتها التي يتحدث عنها و أنه قد علم بأنني قد ألتقيت بها بعد أن أخبره الرجل المسن الذي شاهدنا سوياً .
حينها شعرت بأنني أستيقظت من غفوة وغفله ، صرخت بالجنود أنها تحمل قنبلة تحت المعطف ، لم يهربوا الحمقى فقد أتجهنا جميعاً لنزع المعطف من الفتاة و منع القنبلة من أن تنفجر و تثور بها ، لكن ما أن أقتربنا منها حتى أنفجرت القنبلـة ، لقد دفعتني قوة الأنفجار الى السقوط على بعد أمتار ، سقطت مستلقياً على ظهري ، فما أن أستطعت أن أفتح عيناي بعد وميض وضوء القنبله ، فأذا بي أشاهد تحت لمعة البرق و نيران الأنفجار أجساد الجنود تتطاير فالسماء ، أقسم لكم بأنني شعرت بأن الزمن قد توقف للحظات من أجل أن يجعلني اشاهد ذلك الجحيم الذي أمامي ، أجسادهم تتساقط أمامي وكانها نزلت مع مطر السماء ، لقد سقطوا جثث ممزقه متفرقه ، لقد وقفت كالمجنون غير مدرك لما يحدث ، لم أشعر بالأصابة التي قد لحقت بي و اصابة يدي اليمنى بالكامل ، لقد كنت أسير بين جثثهم أتامل وجوههم ولا أستطيع فعل أي أمر ، كل مارغب به هو الأستيقاظ من ذلك الحلم ، لكن لم أكن أحلم بل كنت أغوص في جحيم الحرب ، بينما أنا أسير بين جثث الجنود الذي قد جنيت عليهم بثورتي ، أمسكني معاذ من قدمي فلم يكن قد فارق الحياة بعد ، نظرت أليه لقد فقد نص جسده سقطت بجانبه و أحتضنته ، تحدث و الدماء تخرج من ثغره الباسم دائماً لكن هذه المرة كان يتحدث وهو يجهش فالبكاء .
- أرجوك بأن تخبر والدتي بأنني أحبتها حقاً و كل مافعلته لتعلم بأنني شجاع وها أنا قد فعلته وكنت أخر من يغادر أرض المعركة ، أرجوك في لحظة أخبارها الكلام الممتلى بالصدق هذا أخبرهم بأنني لم أبكي خوفاً من الموت ، أرجوك لاتخبرهم بضعفي ولا تحدثهم بأنني أنا من أخبر بأمر الثورة و جنيت على الجميع هنا لأنني كنت جباناً ، أن الرصاصتين التي أخبرتني بالاحتفاظ بها أفرغتها في الهواء فلم أرغب بالقتل وها أنا أقتل من طفله ، يالي من جبان و ضعيف .
ثم لفظ أنفاسه الأخيرة وبيدي أغلقت عيناه ، أصبحت أصرخ كالمجنون الذي يهم غير مدرك لما يفعل ، ففي كل خطوة أخطوها كانت قدمي تتعثر بجسد أحد الجنود ، نظرت في تلك اللحظة ألى المتمرد الذي أرسل أبنته الى الموت فأذا به يبتسم بالرغم من أن جسده يحتضر لكنه كان سعيد بأنتقامه قبل رحيله ، لم تستمر تلك الأبتسامة طويلاً فقد سقط صريعاً .
أصبحت أصرخ بهم بأن أفيقوا و أستفيقوا لا تسقطوا لكن لأحد منهم يستجيب فالكل موتى .
توافد سكان القرية للخروج من منازلهم بعد سماع دوي الأنفجار ، و وقفوا على مدخل القرية يشاهدون قائد ترسانة الجنود الذين سحقوا متمردين القرية واقفاً عاجزاً ضعيفاً في منتصف جثث جنوده ، كانت اشلائهم تحيطني من كل جانب و دمائهم قد غطت جسدي ، توقفت عن الصراخ فما يفيد الصراخ و العويل !
الفرح و السعادة التي غمرتهم وكل تلك الاغنيات و الرقصات أختفت و حل محلها الصمت و الجمود و السكون ، لقد حاولوا في اخر لحظاتهم فعل الخير وأنتزاع القنبلة من الصبيه ، ذلك ماجعلهم أشلاء ممزقه بالكاد أميزهم في مابينهم ، كانت جثة الفتاة سقطت ممزقه في المنتصف تقدمت أليها و نظرت في عينيها لقد كانت تنظر نحوي ، سقطت بجانبها و وضعت رأسي صوب رأسها ، تمتمت و همست لها ببعض كلمات لأستطيع تذكرها و أستذكارها وقبل أن أنهض أحتضنت جسدها وأغلقت عينيها ، عدت للوقف و النظر الى سكان القرية منتظراً أحداً منهم يقف و يطلق رصاصته نحوي فيرديني قتيل ، لكن لا أحد منهم تحرك وفعلها بل ظلوا على حالهم ينظرون و يرمقوني بأعينهم ، فكل ماكنت أشعربه أنهم يشفقون على حالي وضعفي وقلة حيلتي وأنني سلمتهم أمري و قدري و مصيري ، وحينما علمت بأنني قد كتب علي الشقاء و النجاة من هذا الجحيم أقسم لكم أنني شعرت بالحزن فقد رغبت بأن لا أغادر هذا المكان الذي سقط به جنودي وأن يحفر قبري هنا تحت دمائي و أخر ذكرياتي ، لكنني بائس شقي فكل ما أردته لم يحدث حتى الموت بشرف ، تحركت مغادراً عاداً الى المعسكر أجر خطى الذل و العار و الخسارة ، القائد الذي عاد بلا جنوده ، كانت خطى مثقلة لا ترغب بالعودة لكن لا مصير الا بأن تعود ، كنت أسير بين الجبال تحت هطول المطر و رياح العاصفة التي كانت تجعلني أترنح كالسكير ، رائحة الدماء التي نزفت من يدي جلبت معها ذئبه فأصبحت تسير في محاذاتي في أعلى الجبل وقد كشرت عن أنيابها و أصبحت تعوي و صدى صوتها يملىء المكان و يسطح في الجبال ، لقد وجدت فريستها فقد كنت روح بلا جسد ، فقد أتملى جسدي بالجراح و يدي اليمنى تكاد تنفصل عن بقية الجسد حتى أنني كنت أمسكها بيدي الاخرى مخافة أن تقرر السقوط و الهروب الى الأبد من هذا الجسد الذي أثقلته بالأوجاع ، كانت الذئبه تقترب شيئاً فشيئاً كل ما أدركت و فطنت لضعفي ، حتى أنني كنت أسمع خطواتها و قرعها على الحصى ، كل ما كنت أنتظره بأن تقف أمامي و سوف أقف أنا مقابلاً لها عاجزاً حتى عن محاولة الهرب او تغيير وجهة مسيري وتقفز و واثبه فتسقطني ارضاً دون مقاومة أو ستنجاد مساعده ، لكنها لم تفعلها بل ظلت على حالها تسير تنتظر سقوطي دون أن تكلف نفسها عناء محاولة أسقاطي ، أو ربما ظنت بأنني لازلت قوياً فلم ترغب في مواجهتي ، وهذا مانفعله دائماً فكم من الفرص التي كنا قادرين على الظفر بها ولكن قد سمحنا لها بأن تبتعد لأننا شعرنا بأننا لسنا مؤهلن و قادرين على كسبها ، أو ربما بأنها أشفقة على حالي و تركتني أسير مكباً على وجهي حتى أقتربت من المعسكر فغادرت و أختفت عن ناظري .
ظهرت لي أضواء المعسكر و سطعت في عيناي و أخرج جنود الحراسه أسلحتهم و صوبوها نحوي و كلً منهم يصرخ من ذا الذي قدم ؟
لكن لا أجابة فقد ألتزمت الصمت وهذا القرار لم أعلم أن كان بأرادتي و أن يجعلهم أقترابي و صمتي يطلقون النار و ينتهي بذلك الإمي و معاناتي ، فما عسي أن أجيبهم عندما يعلمون بأنني قد عدت بلا جنودي الذين كنت قائداً لهم ، كيف أخبرهم و أفسر لهم سبب مغادرتي قبل الجميع و تقدمي عن المجموعه ؟
وهل سوف يصدقون تلك قصة معاذ ؟
وأنني تصرفت كملاك ومنحت المتمرد الحياة ؟
أم بأنني سأخبرهم بتلك الأضحوكة بأن الصبية سحقتنا بمعطفي ؟
لقد فتحت بوابة المعسكر أمامي وكأنها تصيح بصوتها تعال وأخبرهم بالعار الذي صنعته .
تقدمت ولازلت مطاءطاً رأسي الئ الأسفل أتمعن خطواتي المترنحه وعلى أقدامي الوحل و دماء جنودي ، لقد كان ذلك في ساعات الفجر الأخيرة لم تنر و تظهر الشمس ولازال القمر في كبد السماء ، جميع الجنود ينتظرون عودتنا بخبر الأنتصار وسحق الأعداء ، لم يتوقع الجميع أن يعود القائد دون مجموعته التي أقسم على أن يغادر أرض المعركة كأخر جندي .
تقدمت و خطوت أول خطواتي فالمعسكر أجتمع الجنود من حولي والدهشة تغلبهم فتلعثمت ألسنتهم فلم يبوح أيً منهم بكلمه فلقد كانت في حالة يرثاء لها وربما سبب عدم حديثهم بأن كلً منهم لم يرغب بالأستماع الى الأجابة التي سوف تصدر أن تفوه بالسؤال أين ترسانة الجنود الذين كنت تقودهم ؟
لقد ظللت أسير بلا أدراك الى أين أتجه كل ماكنت أبحث عنه هو الوحده و الأختلاء بنفسي فلم أكن أستطع تحمل تلك النظرات التي بدأت تصدر من الجنود بأنني مثير للشفقة ، وصلت ألى المكان الذي يقف به الضباط ، صاح أحدهم وقد حاول جاهداً افتعال و اظهار الغضب على حديثه .
- أيها الجبان لقد أقسمت على قيادتهم و الانتصار سوياً وأن لا تعود الإ بالنصر ، لكنك تعود الأن بدون الذين أقسمت لهم بذلك ، لقد فضلت الهرب على خوض الحرب وها أنت قد نجوت وربما هم واجهوا مصيرهم والموت لوحدهم .
لم ينتهي ويتم حديثة الإ وقد بدأ الجنود يتهامسون في مابينهم بأنني جبان فضل الحياة والهرب على القتال وحماية جنوده ، لم تطل تلك الهمسات في مابينهم فقد أعتلت أصواتهم وأصبح كلً منهم يصرخ أعدموا هذا الجبان الذي أقسم على حماية جنوده وهرب بدونهم ، في لحظات أصبحت أكثر رجل مكروه في صفوف الجيش ، لم أكن أستطيع الحديث وبماذا أهذي أو أنطق ؟ لن يصدق تلك القصص الهزيلة سوى المجانين ، سقطت على ركبتي أدركني التعب و الألم والشعور بالذنب ، الصراخات تزداد أقتلوه الجبان لا تدعوه ينجو لقد تلطخ بالذل و العار البعض منهم كان منفعلاً أكثر من الأخرين فأخذوا بالتقدم ومحاولة قتلي وركلي بأقدامهم ، لقد كنت عاجز حتى عن الصراخ بهم والطلب منهم التوقف ، نظرة الشفقة تحولت الى حقد ، أزداد الذين يحاولون قتلي فنهالوا علي بالعصي و الهراوات الغليظة أنسكبت دمائي حولي وأقترب موتي ، لم يوقف مصيري المحتوم الذي قرروه في لحظات سوى صوت خطوات القائد عقاب وهو يصعد الى أعلى المبنى الذي أعتاد الوقف في أعلاه ، توقف الجميع فمن ذا الذي يستطيع أن يتحرك أن حضر الشيطان ! لقد عاد كل جندي الى مكانه أما أنا فالازلت على حالي ساقطاً منكسراً عاجز عن فعل أي أمر برداء ممزق و جسد تملئه الأوجاع ويد يمنى تتارج من ذلك الجسد المنهك ، رفعت بصري لأنظر أليه وهو يصدر بيان الأعدام فقد كان ذلك عقاب لكل من يقرر الهرب و التخلي عن المجموعه التي أقسم على قيادتها ، لقد وقف كعادته شامخاً ولكن في تلك الليلة لم يكن يحمل نظرة التي تقسم بأنها لا تظهر سوى على وجوه الشياطين ، لم يكن مكترث لصراخ الذي سمعه من الجنود و الضباط ومطالبتهم بأعدامي ، بل أنه أشار ألى أحد الضباط بأن يقود مجموعه لجلب الجثث من أجل دفنها في مقبرة المعسكر ، وطلب من الأخرين نقلي الى طبيب المعسكر وعلى الجنود العودة الى مساكنهم وسيتم دفنهم حينما عودتهم وجلب عائلتهم لتوديعهم والمشاركة في مراسم الدفن ، تحرك الجميع حيثما أراد و أمر وتقدم ألي ثلة و مجموعه من الجنود لنقلي الى الطبيب لكنني أخبرتهم بأنني أرغب بتوديع الجنود ولن أغادر دون ذلك ، وأن كلفني ذلك حياتي فلم أكن أكترث لأي أمر ، عدت الى السكن الذين كنا نقطنه وقد أصبح خاوياً فجميع من شاركوني تلك اللحظات قد فارقوا الحياة بلا عودة ، لقد كانت لحظات عصيبة حزينة مبكية ، لقد فقدت كل شيء في لحظات ، لقد أدركت بأن هذه الليلة الأخيرة التي سأكون بها هنا فلم يعد مرغوباً بي بعد الأن ، سأخرج بسمعه ملطخه بالجبن و العار ، بلا أصدقاء وأنتصارات ، سوى محاولات لهزيمة شيطان فسحقتني و هزمتني طفله لأنني تصرفت كملاك ، مرت اللحظات العصيبة فأنادى منادي بالجنود أن أخرجوا و أحملوا جثث الجنود وشاركوا عائلتهم مراسم الدفن ، لقد خرجنا جميعاً وملامح الحقد لازالت أشعربها في أعين الجنود الذين يمرون من حولي وكلً منهم يهمس
- أذهب و تقدم أمام الجثث حتى يتسنى لك الهرب كما فعلتها فالمرة السابقة ، أنك تلطخ مراسم الدفن بقدومك بين هولاء الشجعان الذي ضحوا بحياتهم من أجل الوطن بينما أنت أخترت الهرب و العودة لتشاهد دفنهم .
لم أكن أشعر بتلك الكلمات التي تقال فقد تحطم قلبي لفقدانهم ولم يكن مشهد أنفجار القنبلة و تمزقهم فالسماء يغيب عن ذاكرتي فلم أعد أدرك مايقال ويحدث من حولي ، وصلنا ألى مكان القبور وقد حفرت تسعة منها ، صاح أحد الضباط وهو يسخر أمام الملأ
- بأنها كانت عشرة قبور لكن هرب أحدهم من قبره لأنه جبان ، وربما لو أمتلك الشجاعة لكان لاحاجة لحفر القبور فقد أنتصر الجنود و سحقوا الأعداء .
كانت مشاعر الحقد المنصبه نحوي تتغلب على مشاعر فقدان الجنود بالنسبة لهم .
وحينما وضعت أجسادهم بالقبور وقبل أن تغطى الى الأبد تحت التراب تقدمت لتوديعهم للمرة الأخيرة ، كان قبر معاذ أقرب القبور ألي لذلك أتجهت نحوه ليكن أول من أودعه ، فأستقبلتني والدة معاذ وقد أمسكت أخواته بيديها ، أردت بأن أقدم العزاء و أنني أشاركهم أحزانهم وبأنه أخبرني بأنه قد أحبكم وتلك الكلمات التي ظلت علقت بأذاكرتي بأن أخبرهم أنهُ كان أخر من غادر ميدان المعركة ، ذلك الأمر الذي جعل الجميع في قبورهم بينما أنا البائس التعيس الذي نجى بحياته دون أن يرغب في ذلك ، وما أن شاهدتني قد وقفت على قبره وأمتلئت أعيني بالدموع تقدمت نحوي وصفعت خدي وصاحت في وجهي .
- لقد تسببت في مقتل أبني وها أنت تتقدم لتودعه ، ألم تعلم بأن أبني يخشى الظلام والوحده وها أنت تهرب من قيادة المعركة وترسلة ألى قبره .
لم أستطيع أن أحدثها حتى عن كلماته الأخيرة فقد ظلت تصرخ و تولول وتشتم ثم تترحموعلى أبنها ، صوت الصراخ و الشتائم أستمع أليه كل من كانوا هناك ، فتقدم أهل الضحايا كلً منهم يرغب في قتلي ، فأصبحت أرمى بالحجارة من الصبيان و بالشتائم من الأمهات وبالضرب من الأباء ، كل ما أردته هو توديع أصدقائي الذين أقسم لكم بأنني سأختر الموت من أجل أن يعيشون ، لكن تلك الأمنيات لن تجدي نفعاً فقد أصبحت البائس الذي يُريد الجميع سحقه .
أجتمع من حولي بعض الجنود الذين لم ينسو بعض الذكريات التي جمعتنا وحالوا بيني وبين عائلات الضحايا التي تسعى لأخذ الثأر والأنتقام من الرجال الذي يشاركهم مأسيهم و احزانهم بل ربما أكون أكثرهم حزناً لما حل هنا ، أو ربما يكون سبب أولئك الجنود لمساعدتي أن القائد عقاب طلب منهم حمايتي ، هل أصبحت مثيراً لشفقة لأنتظر رحمة الشيطان الذي رفعت السلاح أمامه ؟
هل يتصرف لكونه قد حزن لحالي أم لأنني توقعت أعدامي ويتصرف بعكس ماكنت أظن ، كنت أفضل الخيار الأخر على الأول لكن هذا محظ كذب أخدع به الحزن الذي أصابني ، فكل ماكانت أشعربه هو بأنه أصبح يشفق على حالي وضعفي .
وقفت في مكان بعيد عن المقبرة أنظر ألى مراسم دفن أصدقائي دون أن أستطع حتى المشاركة في الدفن وتوديعهم ، كنت وحيداً لأحد يسأل عن حاله ، لقد كنت أشبه بعمود أنارة كان ينير الطريق للمارة فلما أنطفاء لم يرغب أحد بالمرور في طريقه ، في تلك الليلة خيم الحزن على عيناي وذرفت الدموع على أصدقائي الذي فقدوا حياتهم لأنني لم أقتل ذلك المتمرد في الحال وصدقت أن الخير ينتصر في لحظات الختام .
في تلك اللحظات من الوحده أدركت الشر الذي يحمله عقاب لهذا العالم وكيف نشاء ...

أنت تقرأ
الجندي الذي وأجه الشيطـان !
Adventureجندي ينشى في حي فقير تحت وطاءة طبقة من الأغنياء ، يُستدعى للحرب و النضال من أجل الوطن و أثبات مقدرته على قيادة الجيش للأنتصار ، ليكتشف أن الجيش في خدمة الأغنياء فحسب ، ويحاول جاهداً أحداث ثورة وأن يقود الجيش بنفسه ، فيظل حائراً بين الحرب أو محبوته ا...