7_في عالم الواقع

12.4K 194 0
                                    

هذا الهجوم المفاجئ جعل آشرون يتصلب و يميل رأسه المتعجرف إلى الخلف فيما التمعت عيناه بعدم فهم غاضب حتى و إن لفت انتباهه كم تبدو تابى جميلة و قد خرجت لتوها من سريره, بشعرها الأشقر الطويل المتموج و المشعث عند كتفيها, و وجهها المحمر و فمها الزهرى المثير. و على الرغم من انه كافح ليصفى ذهنه و يفكر بوضوح إلا ان رد فعله على هذا المشهد و هذه الافكار جاء فورياً و جسدياً بامتياز.
"ما الذى تتحدثين عنه بحق الجحيم؟"
اجابت تابي بنبرة إدانه "ما ان ارضيت رغبتك حتى غادرت السرير و تركتنى وحدى كما لو انى اعانى من مرض معدٍ. و هذه تجربة لن ارغب في تكرارها.... جعلتنى اشعر و كأنى *****!"
قال آشرون بسخرية "هذا هراء درامى!"
"لا, لا اظنه كذلك. لم تتكبد عناء اخذى بين ذراعيك لثلاثين ثانية حتى."
و تابعت تقول بعناد "حسناً, اعتقد انه من المؤسف ان تكون الطريقة الوحيدة في لمس الآخر التى تُشعرك بالراحة هى الجنس."
أظلق آشرون شتيمة باللغة اليونانية قبل ان يرد "انت لا تعرفينى بقدر ما تظنين. لكنى حذرتك من انى لا اجيد العناق و الاحتضان."
سألته تابى بعينين بنفسججيتين جريئتين طغتا على وجهها الأحمر الغاضب "أتعتقد ان هذا العذر مقبول؟ لا, ليس مقبولاً. هذا يُظهر انك انانى و لا تفكر في الغير و انا استحق افضل من هذا."
رد آشرون من بين اسنانه المطبقة "انا لا امثل و لا ادعى العاطفة تجاه شخص ما لمجرد ان هذا هو السلوك المقبول. كما انى لم اعتد هذا. سأشعر بأننى احمق و غير مرتاح!"اعترفت تابى بان هذا الكلام هو اكثر كلام صادق و صحيح قاله لها, و صدمتها الصراحة في رده الغاضب. إن اعترافه بالجهل و عدم الراحة اعتصرا قلبها كقبضة مشدودة. و من دون ان تفكر في ما تفعله, قطعت المسافة التى تفصلهما, و اجتاحت عن عمد مساحته الشخصية لتضع يديها حول عنقه و تنظر في عينيه قبل ان تدعوه بهدوء "تدرب علىّ. انا تمرنت مع امبير. لم اكن من الاشخاص الذين يحبون اللمس و المداعبة قبل ان احملها للمرة الأولى."
ابتلع آشرون ريقه بصعوبة, إذ علم انها تقاربه ببراءة و انها لا تدرك ان قربها منه اثاره اكثر و اكثر. لم يشأ ان يحضنها و كأنها صديقته. لكنه ادرك ان هذا الخيار ليس متاحاً في هذه اللحظة فاطبق ذراعيه حولها ببطء و رفعها إلى الناحية الاخرى من الحمام الكبير.
"ما كان عليك ان ترتدى ملابسك."
اقرت تابى بصراحة "افترضت اننا انتهينا."
انحنى آشرون و رفع طرف ثوبها لينزعه من فوق رأسها. جمدت تابى مكانها للحظات بعد ان فاجأها تصرفه, و شبكت ذراعيها على صدرها العارى.
"ما الذى تفعله؟"
رفعها آشرون مجدداً عن الارض و هى تكمل "جئت إلى هنا و حضرت لىّ حوض الاستحمام؟"
و احمر وجهها و غرقت اكثر في المياه الدافئة, مريحية رأسها على الحافة.
سمعت فرقعة بسيطة حين فتح آشرون زجاجة شراب و سكب السائل الذهبى الفوار في كأسين.
استفهمت بصوت ضعيف "من اين اتت هذه؟ و الشموع؟"
رد آشرون "شهر عسل و ليلة زفاف؟ اعد العاملون لدى العدة الكاملة في غرفة النوم.... من المؤسف ان لا نستفيد منها."
انحنى على طرف الحوض ليقدم لها الكأس فقالت بتصلب "لا شكراً. فانا لا اشرب."
دفعه آشرون إليها قائلاً "كأس واحدة لن تؤذيك إلا إذا كنت تعانين من مشكلة مع الكحول."
توترت اصابعها حول الكأس و هى تجيبه "لا, ليس لدى مشكلة خلافاً لوالدىّ."
"هذا لا يعنى ان عليك تجنب شرب الكحول كلياً."
اقرت تابى و هى ترتشف القليل "اقضل ان ابقى في الأمان."
"أنا لا احب المخاطرة و استمتع بالإثارة."
اعتقد انى كنت لاكتشف هذا بنفسي."
زم آشرون فمه و اختفى عينيه خلف رموشه السوداء و قال "لم ابق في السرير معك لأنى لم أشأ ان تتوقعى اى شئ غير واقعى في علاقتنا."
استوعبت على الفور ما يعنيه إنما تمنت لو لم تفعل إذ شعرت بالم صغير في مكان ما في اعماقها. و قالت له تابى بكبرياء "لعلى افتقر إلى الخبرة لكنى لست غبية."
اعترف آشرون بعبوس "و انا لا اجيد استخدام الكلام إذا ما لاحظت هذا. تابى, انا لا اتبادل مثل هذه الاحاديث مع النساء و لم التق يوما امرأة مثلك."
عندئذٍ سألته تابى بصوت ضعيف "هل مازالنا نتحدث هنا عن واقع اننى عذراء؟"
"انا معتاد على نساء يعرفن حقائق الأمور."
اخذت تابى نفس عميق, و رمقته بنظرة فيما انقبض صدرها و هى تجيب "انا اعرفها ايضاً. انا شخصية عملية جداً."
تأمل آشرون وجهها الرفيع و قبضة يديها الصغيرتين على ركبتيها المرفوعتين و قرأ الموقف الدفاعى الشجاع الذى تستخدمه كواجهة لتحمى نفسها و انقبضت معدتها حين خطرت له امكانية ان يؤذيها. لم يسبق له ان اختبر مثل هذا الشعور مع امرأة اخرى, و لم يعجبه الأمر. لعلها ضعيفة لكنها اختارت منتديات ليلاس بملء ارادتها تماماً كما فعل هو, و هما شخصان راشدان كما ذكر نفسه و هو يستقيم في وقفته.
و في هذه اللحظة بالذات, استقامت تابى في جلستها بشكل مفاجئ و وضعت الكأس من يدها قائلة "يا إلهى! ما الذى افعله هنا؟ لا يمكننى البقاء! إن جهاز مراقبة الطفلة في غرفتى."
"لا تقلقى. ستهتم ماليندا بـ أمبير و متطلباتها. استرخى."
"لا يمكننا ان نتوقع من ماليندا ان تعمل على مدى النهار و الليل. قلت لها إنى سأعتنى بـ امبير ليلاً."
ركعت على ركبتيها و قد تغلب قلقها على امبير على خجلها و شرعت بالوقوف مضيفة "اعطنى منشفة."
امرها آشرون بعد ان اطبقت يده على كتفها ليعيدها إلى المياه الدافئة "لأا, ابقى حيث انت. سأحضر الجهاز و اطمئن على امبير ايضاً."
اتسعت عيناها البنفسجيتان دهشة "أنت؟"
عاد آشرون إلى غرفة نومه ليرتدى سروالاً من الجنيز ثم اعاد المنشفة إلى الحمام و هو يجيب "لِمَ لا؟ علمتينى من قبل كيف اتعامل معها إن كانت تبكى."
فعلقت تابى "لم اتوقع منك ان تساعد. فهذا عملى و ليس عملك في نهاية الأمر."
"اتفاقنا ليس محدداً بهذا القدر. إنه مشروع مشترك فأنا احتاج زوجة و انت تحتاجين ابا لتتبنى الطفلة."
استندت تابى إلى الخلف في الماء الدافئ فيما هى لا تزال تشعر بأنها مشوشة بسبب سلوك آشرون. لقد اساءت فهمه عندما ادانته لأنه تخلى عنها على الفور . إنما, هل العلاقة الجنسية جعلته في مزاج حسن؟ هل يمكن للرجل ان يكون بدائياً إلى هذا الحد؟ لقد فكر في حاجاتها, فحضر لها حوض الاستحمام قبل ان يستحم هو. و ها قد خرج ليطمئن على امبير كما لو ان الطفلة اكثر من متاع اضافى كما افترضت انه ينظر إليها. إنما, و في الوقت عينه, شعر بالحاجة لأن يوصل لها تلك الرسالة التى مفادها ان ما يجمعهما هو الجنس فقط. كما لو انها لا تعلم هذا!
آشرون رجل يحب النساء و يسحرهن, شرط ان يبقى بعيداً عن التورط و الالتزام. و لِمَ لا يكون كذلك؟ إنه رجل شاب, وسيم و ثرى و هو مطلوب جداً في عالم النساء و لا حاجة له لأن يستقر مع واحدة فقط. كما ان آشرون يعانى من بعض المشاكل, لكن من ليس لديه مشاكل بعد الطفولة التى عاشاها؟ و كبحت تابى رعشة تملكتها بعد ان عاودتها الذكريات. لعله تعلم تماماً كما تعلمت هى إن إبقاء الاخرين على مسافة يقيك من الآذى.
إلا ان تابى انتقلت من مرحلة حماية النفس عندما فتحت قلبها للصداقة اولاً مع صونيا و من ثم لـ امبير و فهمت في نهاية الامر ان الحياة تصبح اكثر دفئاً و حلاوة إذا امتلأت حباً و وفاءاً. تعلم جيداً انها فقدت عملها و اول بيت لها لأنها اختارت ان تعتنى شخصياً بـ صونيا و امبير لكنها لا تشعر بالندم بسبب خياراتها.
تذكرت ان امبير هى مسؤوليتها الوحيدة الآن فتساءلت عما تفعله و هى مستلقية في حوض الأستحمام الفخم, في حين ان الطفلة التى تحب قد تكون في حاجة إليها. و سرعان ما وقفت و خرجت من الحوض ثم لفت نفسها بمنشفة كبيرة و جففت جسمها سريعاً قبل ان تعود و ترتدى ثوبها مجدداً. حان الوقت كى تعود إلى عالم الواقع, و التكاسل في حمام آشرون بعيداً كل البعد عن "عالم الواقع"
تأوهـ آشرون حين سمع الطفلة تبكى عبر الجهاز البلاستيكى الصغير على طاولة الزينة. و لاحظ فيما هو يتأمله ان ثمة كلمات مكتوبة على المرآة.
كتب احدهما بقلم احمر اللون
منتديات ليلاس
"عودى إلى منزلك ايتها ال*****!"
لم يتردد آشرون المذهول و الذى لا تزال اعصابه متوترة بسبب بكاء الطفلة سوى لحظة واحدة قبل ان يتوجه بخطى واسعة نحو الحمام حيث اخذ منشفة و بللها بالماء البارد ثم عاد إلى الغرفة ليمسح هذه الكلمات قبل ان ترأها تابى. توقف للحظات و راح يفكر في واقع ان ما من احد سوى العاملين يمكنه الوصول إلى غرف النوم, و يبدو ان احدعم غير جدير بالثقة. إنما, لِمَ سيترك احدهم مثل هذه الرسالة لـ تابى؟ إنها زوجته, زوجته الشرعية و يحق لها ان تتواجد في هذا المنزل. من يمكن ان يستهدف تابى؟ التوى فمه الوسيم : كازما هى المشتبه به الأول. استعر الغضب داخل صدر آشرون فيما هو يُخرج هاتفه الخلوى ليتصل برئيس الأمن لديه و يُطلعه على ما حدث. و لم تكن اعصابه قد هدأت بعدحين اتجه نحو غرفة الطفلةليعتنى بها. و قال لنفسه إنها مجرد طفلة و يمكنه ان يتعامل معها من دون ان يحتاج لاى مساعدة.
وجد أمبير جالسة في السرير, تصرخ باعلى صوتها و قد احمر وجهها ليصبح كنار ملتهبة. وقف آشرون على بُعد خطوات من السرير قائلاً للطفلة فيما امل ان تكون نبرته مهدئة "لابأس! لا بأس!"
رفعت أمبير ذراعها نحوه و كأنها تتوقع منه ان يحملها.
فسأل آشرون بتوتر "هل علىّ ان اقترب إلى هذا الحد؟ انا هنا, و انت بأمان. اؤكد لك ان ما من سوء قد يصيبك."
حدقت أمبير فيه بعينين بنيتين واسعتين و الدموع تنهمر على وجهها المتغضن و رفعت ذراعيها مجدداً في طلب صريح و واضح.
أطلق آشرون زفيراً بطيئاً و دنا منها اكثر لكنه حذرها بفظاظة "انا لا اجيد مسألة الاحتضان و الملاطفة هذه."
و انحنى ليرفع الطفلة التى اذهلته حين لفت ذراعيها على عنقه و تعلقت به بقوة كـ قرد يتعلق بغضن شجرة.
تناهت إليه تنهيدة تعب, فوضع كف يده الكبير على ظهر الطفلة و راح يحرك انامله في حركة دائرية تهدف إلى تسكين مخاوفها. و عاودته ذكرى مبهمة لوجه امرأة مما جعله يجمد مكانه للحظات. لم يتذكر كم كان عمره حينذاك لكنه كان صغيراً جداً بالتأكيد حين جاءت تلك المرأة إلى غرفته في الليل لتطمئنه, فحملته بين ذراعيها و هدهدته و غنت له حتى توقف عن البكاء.
هل هى اولمبيا, جدة امبير و المرأة التى تولت سابقاً رعاية امه؟
من يمكن ان يكون سواها؟ وحدها اولمبيا ابدت اهتماماً لأمره و لم تعامله كمصدر إزعاج و شئ بغيض يشكل جزء من عمل ذى اجر جيد.
"أنا ادين لكِ."
هذا ما قاله لطفلة و هو يحاول ترتيب وضعيتها بين ذراعيه ثم راح يهدهدهاكابحا ذكريات الماضى النادرة و الانزعاج العميق الذى يترافق معها دوماً. و اردف قائلاً "لكنى لا استطيع ان اغنى حتى لكِ."
اذهلته امبير حين خصته بابتسامة عريضة اظهرت سنيّها الأماميين فبادلها الابتسام قبل ان يُدرك حتى ما يفعله.
و هكذا رأتهما تابى حين توقفت عند الباب : نزلت خصلة شعر سوداء على حاجبه, و تسمرت عيناه الداكنتان على امبير فيما افتر ثغره المغرى عن اعرض واجمل ابتسامة. بدا وسيماً بشكل مفرط و انسانى بشكل غير طبيعى و هو يقف هناك حافى القدمين و عارى الصدر و قد اكتفى بارتداء سروال من الجينز. علقت انفاسها في حلقها و جف فمها لأن تلك الابتسامة كانت قاتلة.
همست بصوت خافت "دعنى احملها عنك. ساعيدها إلى سريرها."
اعلن آش متفاخراً بما انجزه و هو يضع الطفلة بين ذراعيها "كنا نتدبر امورنا جيداً يبدو انها ليست صعبة الارضاء."
اعترفت تابى و هى تضع الطفلة في الفراش "حسناً, انت مخطئ في هذا. يمكنها ان تكون متطلبة للغاية كما يمكنها ان تكون صعبة الارضاء مع بعض الاشخاص."
و اضافت موجهة كلامها للطفلة "إنه وقت النوم يا عزيزتى. و نحن لا نلعب في موعد النوم."
قال آشرون حين انضمت إليه في الممر "سأرتب الامور و اجد من يهتم بها ليلاً."
"لا حاجة لذلك."
"يمكنك دوماً ان تتفقديها إذا اردت إنما لا يجوز ان تتركى سريرك كل ليلة لتهتم بها.
ذكرته تابى بلطف "مازلت المرأة التى تريد ان تصبح امها. من واجبى ان ابقى حاضرة لـ ألبى حاجاتها. لا اريد ان يعتنى بها اشخاص آخرون طيلة الوقت."
"تعقّلى."
و توقف آشرون امام البابين اللذين يؤديان إلى غرفتيهما المنفصلتين قبل ان يضيف "هل ستنضمين إلىّ لما تبقى من هذه الليلة؟
السهولة التى طرح بها سؤاله هذا اربكت تابى لأنها افترضت ان سيفقد اهتمامه بها بعد ان يرضى فضوله. مقاربته هذه افرحتها و ازعجتها في آن واحد فهكست بتردد فيما يدها مطبقة على قبضة باب غرفة نومها "إذا انضممت إليك فلا بد من وجود قواعد."
رد آشرون متسائلاً "قواعد؟ هل هذه مزحة منك؟"
عارضته تابى بنعومة "لا, فانا نادراً ما امزح في المسائل الجادة. إذا اردت ان تسمع القواعدد فاسألنى."
اجاب آشرون من بين اسنانه المطبقة "انا لا اخضع لقواعد. لعلك لم تنتبهى لكنى لست طفلاً اساء التصرف!"
اقفلت تابى الباب بهدوء في وجهه.
كانت قد ارتدت احد اثواب النوم الجديدة قبل ان يُفتح الباب مجدداً. فاندست على عجل تحت الغطاء و التفتت إليه متسائلة.
سألها آشرون بحدة و هو يضع يديه على وركيه في وضعية ابرزت صدره المفتول العضلات "ما هى هذه القواعد اللعينة؟"
"اولاً اى علاقة بيننا يجب ان تكون حصرية و إذا اردت ان تقيم علاقات اخرى فعليك ان تخبرنى لننهى علاقتنا بشكل لائق. ما من اسرار, و ما من لعب من خلف ظهرى."
راقبها آشرون بعينين واسعتين عكستا عدم تصديقه لما يسمعه و قال "لا اصدق ما اسمعه!"
تابعت تابى كلامها و كأن الأمر لا يعنيها "ثانياً, عليك ان تعاملنى باحترام طيلة الوقت. إذا ازعجتك فعلينا ان نناقش الأمر إنما ليس في حضور امبير."
اخذ آشرون نفساً عميقاً و راح يتأملها بعينين مضطربتين "انت مجنونة.... و قد تزوّجتك!"
ارجفت تابى بثبات على الرغم من ان وجهها اصبح احمر اللون و اشتدت قبضتيها إلى جانبيها "ثالثا, انا لست لعبه تختارها ثم تضعها جانباً حينما يحلو لك. انا لست هنا لتسليتك حين تشعر بالملل. إذا احسنت معاملتىفسأعاملك بشكل جيد انا ايضاً, و لكن إن لم تفعل.... حسناً, فستتغير الرهانات كلها."
همس آشرون بغيظ "اذهبى إلى الجحيم و احملى قواعدك الثمينة معك."
لم تتنفس تابى مجدداً حتى صفق الباب خلفه. عندئذٍ, استندت إلى الخلف في سريرها, و هى تشعر و كأن جسمها حجر ثقيل رُمى من علو, و كأن معدتها مركب تتقاذفه الأمواج في ليلة عاصفة. حسناً, أنها طريقة للتخلص من آشرون من دون ان تفقد ماء وجهها, طريقة لتضمن ان ينظر إليها كند له. مال الذى كان بإمكانها ان تقوله خلاف ذلك؟ فالتورط في علاقة لا ضوابط فيها ليس اسلوبها في العيش و رجل متقلب مثله لن يكون سوى وصفة مؤكدة للوصول إلى كارثة. إنما, بعد ان عرف الرجل المتحرر, ساحر النساء, انها ستكون متطلبة جدا فسيحرص على ان يتجنبها من الآن و صاعداً.
و اى نوع من الحمقى هى كى تشعر بالحزن لهذه الفكرة؟
ستتغلب عن افكارها السخيفة عنه...... نعم, ستفعل لأن ما من خيار آخر امامها. ما تريده هى يختلف عما يريده هو, و من الأفضل بالتالى ان تنهى العلاقة قبل ان تسوء الأمور و تصبح مؤلمة و مهينة. هذا افضل بكثير.....
في منتصف الليل, ترك آشرون سريره و اتجه إلى الحمام ليأخذ حماماً بارداً. لن تهدأ إثارته كما انه ما زال يشعر بغضب شديد. قواعد, قواعد لغينة. هل عاد فجأة إلى مقاعد الدراسة؟ مع من تظن انها تتعامل. و لعل السؤال الأهم هو ما الذى تظن انها تتعامل معه؟ هل افترضت انها دخلت ذاك الفراش و بالتالى اشتركت في اللعبة كلها؟ يكفى ان تعطى المرأة مفهوما بسيط بسيط كـ الجنس لتعقده!
إلا انه كان غاضباً من نفسه بقدر غضبه منها. خطر له ان براءتها ستفضى إلى مشاكل و علم انه كان عليه ان يصغى إلى هواجسه و شكوكه. إنما, و كما لن يتوقف تدفق الدم في جسمه المتوتر و المتألم, بدا ان رغبته فيها لن تضعف. اراد ان يعرف كيف يمكن ان تكون و اكتشف ذلك و لعل الاسوأ هو انها مذهلة. و ماان توقف حتى رغب في معاودة الكرة..... مجدداً. و صر اسنانه البيضاء بقوة.
قالت تابى في اليوم التالى فيما امبير تلوح بمعلقتها في الهواء متجاوبة بفرح مع كلام تابي المحبب الدافئ "إذن, من هى اجمل طفلة في العالم؟"
كبح آشرون تنهيدة و جلس في كرسي إلى طاولة الطعام الموضوعة على الشرفة. الكلام إلى اطفال عند الفطور , هذا أمر آخر لا يروق له أدخلته إلى حياته. و خطر له بنفاد صبر ان ما يحبه في الصباح هو ممارسة الجنس و الصمت و بما انه لم يحصل على الاثنين فلا يتوقع منه احد ان يكون مزاجه جيد. و لم تساعده رؤية تابى في قميص احمر مخطط و سروال قصير يكشف عن الكثير من بشرتها البيضاء, حتى ان رؤية ذاك الوشم على ذراعها فيما هى تجلس في كرسيها فشلت في إطفاء نبض الرغبة المتسارع.
حاولت تابى ان تتأمل آشرون بشكل غير مباشر, فراحت ترمقه بنظرات من طرف عينيها بين الحين و الآخر لتعود و تشيح بنظرها سريعاً. بدا وسيما جداً, إنها لخطيئة ان يكون الرجل على هذا القدر من الوسامة التى تجعل عدم النظر إليه بمثابة تحدٍ. لم تستطيع سوى ان تُقدّر هذا الجسم الطويل, الممشوق و القوى, الذى بدا كتحفة فنية منحوتة بيدين ماهرتين. التمعت اشعة الشمس على خصلات شعره المجعدة فودت لو تنرر اصابعها بينها و لو تلامس ذقنه المصقول حتى توقظ تلك الابتسامة الرائعة مجدداً. هذه الافكار الخائنة جعلتها تضطرب فاشاحت برأسها بعيداً في محاولة منها لمقاومة الاغراء.
مدت امبير ذراعيها باتجاه آشرون و انحنت نحوه, فقال لها "ليس الآن عزيزتى. تناولى فطورك اولاً."
هذا اعتراف بوجود امبير إنما ليس بوجودها. لم تكن في الليلة الماضية سوى جسد إنما يبدو انها زهرة منسية غير مرئية هذا الصباح.
قالت بتهذيب "صباح الخير يا آشرون."
همس بصوت ناعم كـ الحرير و قد لاحظ لمعان عينيها البنفسجيتين الرائعتين حين رفعت نظرها إليه "صباح الخير. هل نمتِ جيداً؟"
رجت تابى كاذبة "نعم, نمت نوماً عميقاً."
و تساءلت لِمَ ايقظ فيها هذه الناحية التى ما ظنت يوماً انها تمتلكها.
سكبت القهوة فداعبت الرائحة الذاكية انفها مما ذكرها لسبب ما بـ صونيا التى اضحت حساسة لبعض الروائح حين حملت بـ أمبير. هذه الفكرة اثارت الذعر في نفسها فسألت بفظاظة "الليلة الماضية....."
و صمتت تنتظر انسحاب الخادمة و قد احمر وجهها و تسارعت دقات قلبها
"هل استعملت واقياً؟"
جاء رد فعله لا مبالياً على هذا السؤال الحميم, و قال و السخرية تتراقص في عينيه "اتظنين اننى غبى بما يكفى لاهمال مثل هذا الأمر الوقائى؟"
فاعترفت تابى بصراحة "اظن ان الانسان في حرارة اللحظة, و إذا رغب في شئ ما فقد يخاطر."
رفع آشرون حاجبه و اشار برأسه ناحية امبير معلناً "لي إذد ادى ذلك إلى اكتساب واحد من هؤلاء. الشغف لا يتحكم بىّ."
"او بىّ انا."
و طال الصمت المتوتر حول المائدة حتى دخلت المربية و رفعت امبير من كرسيها لتعيدها إلى غرفتها حيث من المفترض ان تأخذ حمامها.
آخذ آشرون نفساً عميقاً من الهواء الذى اضفت اشعة الشمس الدفء عليه, مدركاً ان عليه ان يتحدى مفاهيم تابى الخاطئة من اجل السلام و التفاهم بينهما. سألها و هو يهز كتفه في حركة عدم اكتراث "قواعدك؟ قواعدى؟ لم اتورط يوما مع نساء دبقات و فقيرات."
نزل هذا التصريح على تابى من العدم كحجر رُمى على زجاج و شعرت برأسها يدور و بعينيها تتسعان "هل تنعتنى بالدبقة و الفقيرة؟"
"ما رأيك؟"
هبت تابى من كرسيها التى وقعت و ارتطمت بالارض مُحدثة ضجة فيما وضعت يدها على الطاولة لتستند إليها. تملكها غضب شديد فصاحت به "كيف تجرؤ؟ لم اكن يوماً دبقة و لم احتاج يوماً إلى رجل!"
و رغم ذلك, كانت خطوتك الأولى هى محاولة تقيدى بقواعد. تريدين ضمانات و وعود بشأن مستقبل لا نعرفه كلانا. انا لا املك كرة بلورية."
بادرته تابى قائلة بشراسة "لا احب طريقة تصرفك!"
"لكنك لا تعرفين شئ عنى. لم اهتم لسنوات سوى بعملى و لا اترك امرأة من دون ان اُعلمها حين افقد اهتمامى بها."
و وقف ليشرف عليها و يتأملها بعينين قاسيتين و لامعتين قبل ان يضيف "لا يحق لكِ ان تتهمينى بالكذب و عدم الاخلاص انطلاقاً من افتراضات لديكِ بشأن طباعى."
صاحت به تابى بنبرة اتهام رافضة ان تعترف بأنه محق نوعاً ما "يا لك من متكلم..... ما كنت لأثق بكلمة واحدة تخرج من بين شفتيك!طط
اجابها آشرون بصوت كالفحيح "و الآن, من ذا الذى يطلق احكاماً مسبقة؟ ما الذى يزعجك أكثر فىّ؟ ثقافتى ام ثروتى ام اسلوب حياتى؟"
الشعور الغامر بالغيظ جعل جعل تابى تجمد مكانها و قد احمر وجهها لكن فمها الزهرى الناعم, لالممتلئ و المثير هو ما لفت انتباه آشرون
"ما يزعجنى فيك هو انك تعرف افضل من غيرك عن كل شئ!"
"اعلم اننا نقيضان و ان هذا الترتيب بيننا سينجح بشكل افضل لو التزمنا بالاتفاق الأولى."
انقلبت احشاء تابى كما لو انها نزلت في مصعد سريع جداً, و اشتدت كل عضلة من عضلات جسمها إلى حد آلمها و قالت "كان عليك ان تُبقى يديك بعيدتين عنى!"
رمقها آشرون بنظرة تقويم من عينيه اللامعتين و لوى فمه بابتسامة ساخرة قبل ان يقول "من المؤسف اننى لم استطيع....."
بعد هذا الاعتراف الأخير, عاد آشرون إلى جو الفيللا المبرد بفضل اجهزة التكييف و تركها وحدها لتتأمل المنظر الرائع.
امتدت تلال توسكانيا امامها في خليط رائع ملون من الغابات و بساتين الزيتون و كروم العنب. اخذت نفساً عميقاً مرتجفاً فملأ الهواء الحار رئتيها. انه يريد ان يعودا إلى شروط ذاك الاتفاق الأفلاطونى الذى ظنت انها تريده. إذن, لِمَ تشعر كأنها خسرت المعركة على الرغم من انها حققت هدفها؟ في الواقع, شعرت تابى بالألم و الهجر بدلاً من ان تشعر بالراحة و بالامان.

أكثر من حلم أقل من حب روايات عبير للكاتبة لين غراهامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن