قصة (هروب مريضه )
اليوم وبعد مضي اعوام طويله قررت ان اذهب لألتقي بعائلتي من جديد ... يبدو لي الامر صعبآ بعض الشئ ... بل هو اصعب الامور التي مررت بها منذ ان تركتهم .... جميعهم يظنون اني سعيده في حياتي ... وان ابتعادي عنهم كان بمحض ارادتي ... انا الأن اقف امام الباب ... رعشة يدي تمنعني من ان ادقه ... لا ادري هل اخشي من المواجهه ... ام ان حبي لهم اقوي من ان اجرحهم بهذا اللقاء ... وقفت لبضعة لحظات في سراع بين عقلي وقلبي ... اريد ان التقي بهم ... كم اشتقت لابتسامات شقيقتي ... وتحكمات شقيقي ... امي كم اشتقت لان ارتمي بين احضانك يا امي ... وانت يا ابي ... لطالما كان نفورك وابتعادك عني سببآ لبكائي الدائم ...ولكن اقسم اني اشتقت لك ... ولكن لقد حسم الامر .. هذه فرصتي الأخيره .... يجب ان اراكم مهما كان الثمن ...اشتياقي لكم حتمآ هو اقوي من رعشة يدي ... دقه اولي وثانيه بل وثالثه ... ماذا حدث ... هل باتوا الان يكرهوني الي هذا الحد ...لا يريدون ان يلتقوا بي ولو لمره اخيره ... اعلم اني جرحتهم كثيرآ حين هجرتهم ... ولكن ماذا عني انا ... جرحي وحزني انا كانا اقوي من كل شئ ... هل كان يجب علي ان ابقي معهم واري في عيونهم نظرات الشفقه والعطف ... ام ارتمي بين احضان التحسر والمسكنه ... لن احتمل هذا ... كان يجب ان اغادر كما يجب ان اغادر الان ... وبالفعل عزمت علي الرحيل وخطوت اول خطوه لتعيدني الي الخلف فسمعت صوت يصدر عن منزلي الذي يفتح ابوابه لي الان ... عاودت النظر خلفي لأجد شقيقي الذي نظر لي بتكبر وكأنه لا يعرف من انا وقال بقوه غريبه في صوته ... من انتي يا فتاه وماذا تريدين ... نظرت له بصدمه كبيره وحدثت نفسي قائله ... يا اللهي ... ايعقل ان بضعة اشهر بسيطه كانت كفيله بان تجعله ينساني ... ام ان اثار مرضي غيرت ملامح وجهي الي حد جعله لا يتعرف علي ...ماذا افعل الان .... هل اعود ادراجي ... ام اخبره ان هذه هي انا شقيقته التي رحلت عنه بذاتها ... لا .... يكفي الي هذا الحد ... سأعود ... يكفي ان رأيت واحدآ منهم ...
لما عدتي من جديد ... وماذا تريدين
كانت هذه الكلمات التي خرجت من فاه شقيقي كفيله بأن تعيدني من شرودي علي صدمة معرفته لي ... تقدمت تجاهه بضعة خطوات لأنظر في عيناه في محاوله لأيقاف دموعي وقلت له ...((قصة هروب مريضه للكاتبه هدير مصطفى )).... لقد اشتقت لكم يا اخي ... اين امي ... وشقيقتي ... وابي ... لقد اشتقت لكم جميعآ ...اريد رؤيتهم للمره الأخيره ...ماهي سوي ثواني معدوده ليصيح اخي متحجر القلب مناديآ افراد عائلتي قائلآ ....
ابي ... امي ... اختي العزيزه ..بل والوحيده
اقبلوا جميعآ الي هنا .... لدينا متسوله تقف بالباب تريد رؤيتكم يبدو لي انها تظن انكم قد تتعرفون اليها ....فهل يا تري سبق ان رأيتوها في مكان ما سابقآ
جائت عائلتي ووقفوا جميعآ امامي وانا في حالة صدمه أثر ما سمعته من اخي لانظر في اعينهم جميعآ فأري ان ابي مازال ينظر لي بنظرات الاستنكار والنفور ذاتها ثم وجهه نظره الي اخي قائلآ ...
لا يا بني لم اتعرف عليها
ثم نظرت الي شقيقتي الصغري التي ربيتها علي يداي حيث كنت اهتم بها كأبنه لي بل كنت افضلها علي في كل شئ فبادلتني نظرتي بنظره طويله متفحصه كل تفاصيلي من اسفل قدمي حتي اخمد رأسي لتقول بقوه لم اعاهدها فيها من قبل
لا يا اخي العزيز لم اتعرف اليها ولكن اظنها تشبه فتاه كنت اعرفها في السابق ولكنها متوفيه الأن ... لم اصدق ما سمعته اذناي توآ فوضعت يدي علي وجههي وانا اتحسس تفاصيله بدقه فقد مضي وقت طويل جدآ منذ ان نظرت الي مرآتي فلا اعرف الان الي اي مدي تغيرت ملامحي ولا الي اي مدي تبدلت تفاصيل وجههي ... ولكني حتمآ ايقنت اني الان لست تلك الفتاه نفسها التي كانت يومآ فردآ من تلك العائله .... نظرت الي وجه امي فوجدت الدموع تنجرف من عيناها .... اظنها تعرفت الي ...او ربما تكون دموعها تلك ليست اكثر من اشفاق علي حال فتاه في مقتبل العمر تقف امام باب منزلها في حالة يرثي لها وقد اهلكها المرض ...لا ادري ما هي حقيقة الامر ... كل ما ادركه الان هو انني يجب ان ابتعد ... بضعة خطوات بعد ... بضعة خطوات لأبتعد عن هنا ... حسم الامر ويجب ان ابتعد ... ابتسمت لهم بهدوء وحملت نفسي كي اعود ادراجي من جديد ... ماعاد امامي الان سوي خطوه واحده فقط .... ان ابحث عن مكان كي ارقد فيه بسلام الي الأبد فقد تحققت امنيتي ورأيت كل افراد عائلتي .... عزمت الهروب مجددآ ولكن اوقفتني كلمات امي التي نادتني قائله ...(قصة هروب مريضه للكاتبه هدير مصطفى )...
انتظري يا عزيزتي ... اعلم انك تائهه ...وقد اضعتي وجهتك ... قد يتبرأ منك والدك ... ويزعم اخاكي انك توفيتي ... وتصدق شقيقتك تلك الأكذوبه ولكن ... ماذا افعل انا ... ايعقل ان اجبر عقلي الا يفكر فيكي ... ايمكنني ان اقتل حنيني لضمك بين احضاني ... كيف استطيع ان اقسو عليك يافتاتي .... انت فرحتي الاولي وبكائي الأخير ... منك سمعت كلمة امي لاول مره ... في انتظارك كنت احسب الساعات و الدقائق .... وبالرغم من هروبك وجلبك العار لنا مازال قلبي يحبك ...
فتحت امي زراعيها تدعوني كي ارتمي بين احضانها وهي تقول ...
تعالي يا فتاتي ... اقبلي لأضمك بين احضاني ... اشتقت كثيرآ لأشتم رائحتك ...
كانت كلمات امي تخترق قلبي الذي زادت سرعة نبضاته لأشعر بدوار الارض من حولي لأقع مغشيآ علي بعد محاولات عده مني للصمود ولكن هيهات فقوة مرضي اقوي مني بكثير ....لم اشعر بنفسي سوي وانا بين احضان امي علي اريكه داخل منزلنا الذي لطالما تمنيت ان ادلف اليه مرة اخري وانعم بدفئ احضان امي بداخله ... ولأول مره رأيت ابي ينظر لي بقلق وخوف وكأنه ينتظر ان يطمأن علي ... واخي يقف بجانبه وقد كادت الدموع ان تنهمر من عيناه ... اما شقيقتي الغاليه اقبلت علينا وهي تحمل كأس من الليمون البارد وتعطيه لي كي احتسيه ... كان هذا المنظر كفيل بأن يرسل الي قلبي شعور يوحي بأن عائلتي مازالت تحبني ولكن سرعان ما بدأ الألم يتسرب الي جسدي من جديد ... فحاولت جاهده ان اخفيه بشتي الطرق ...فوقفت علي قدمي وانا اتصنع الابتسامه والقوه قائله ...
لا تقلقوا مجرد ارهاق ... انا بخير تمامآ ... فقط اردت ان اعرف كم حبكم لي
نظر لي ابي غير مصدقآ لكلماتي فقال ...(قصة هروب مريضه للكاتبه هدير مصطفى )...
هذه المرة الاولي التي انظر فيها الي وجهك بتمعن ... ولكن هذا لا ينفي ان وجهك به شئ مختلف .... بعض الاصفرار ... بعض الالم ... لا اعلم ولكن مؤكد انكي تعانين من شئ ما
نظرت له وكأني اري انسان جديد علي لم اعهده من قبل فجاوبته بهدوء ورزانه ....
لا يا ابي ... كل ما في الأمر ان هذه المرة الاولي التي تنظر فيها الي تفاصيل وجهي بتمعن كما قلت والدليل اني اقف الان امامك بكامل صحتي وعلي اتم استعداد ان افعل اي شئ تمليه علي لأثبات كلامي
وبينما كنت اتصنع القوه كي اثبت مدي صحة كلامي وجدت شقيقتي تقف امامي قائله ...
اريدك ان تمشطي لي شعري كما كنتي تفعلين في السابق
نظرت لها بأبتسامه خفيفه وجلست واجلستها امامي وبدأت في تمشيط شعرها وكعادتي السابقه بدأت في اثارة غضبها بحديثي عن مدي جمال شعري الذي دائمآ ما اغير في تسريحته وفي منحه الوان جديده وفي خلال ثواني فوجئت بأمي وهي تنزع حجابي عن رأسي ... كانت تريد ان تتمتع هي الاخري بتمشيط شعري ولكن قد فوجئ الجميع ان رأسي ليس بها حتي خصله واحده من الشعر شهقة انفاسنا كانت دليلآ كافيآ علي مدي صدمتنا جميعآ حتي انا ..(قصة هروب مريضه للكاتبه هدير مصطفى )...ولم اشعر بنفسي سوي وانا اختطف من امي حجابي لأضعه علي رأسي بشكل عشوائي ... كنت أتمني ان انقذ ما يمكن انقاذه ولكن اتضح لي ان الأوان قد فات ... رأيت في عيونهم جميعآ كم هائل من الأسئله ويحتم علي ان اجيبها جميعآ فبدأت حديثي قائله .....
منذ ثلاث سنوات وانا بعيده عنكم من اجل هذا ... كي لا تكتشفون الامر واري في عيونكم تلك الصدمه التي اراها الان .... في اليوم الذي علمت فيه بمرضي ادركت ان كلآ منكم لن يحتمل الامر ... حتي ابي الذي لطالما كنت اري في عيناه نظرات الكره ... كنت اعلم ان في نفسه كان يتمني ان يكون اكبر اولاده ذكرآ كي يحمل اسمه ولكن الله خيب ظنه ورزقه بي فنفر مني ولكنه كان يحبني في اعماق قلبه ... كنت اعلم تمامآ ان امي اقوي من اي شئ الا ان تعرف ان ابنتها الحبيبه ...و فرحتها الاولي مريضه بالسرطان ... ولهذا السبب اخترت الهروب ... تركت كل شئ خلفي وذهبت بعيدآ ... كنت انتظر موتي يومآ بعد يوم ... مرت الايام وتبعتها الشهور والسنوات .... ثلاث سنوات وانا اتصارع مع مرضي واتمني ان ينتهي هذا الصراع سريعآ فقد سئمت ... سئمت من الداء والدواء الجميع يحتسون الادويه ليزداتوا صحة وعافيه وانا احتسي الدواء ليتساقط شعر رأسي ويهرم جلد جسدي ويتبدل حالي هكذا... حتي اليوم .... اليوم جئتكم بعد ان علمت اني لم يتبقي من عمري سوي بضعة ساعات ....
شهقه صدمه عارمه خرجت من صدر امي لتنظر لي وهي تقول بضعف وبكاء صامت ...
كنت اعلم ... ابنتي الحبيبه تعاني من شئ ما ... كنت اشعر بالألم وهو يعتصر قلبي ... لما فعلتي ذلك يا عزيزتي ... الم يخبرك قلبك ان قلب والدتك ينبض خوفآ عليكي ... الم تشعري ببعض الحنين الينا ... ايعقل هذا ...(قصة هروب مريضه للكاتبه هدير مصطفى )...
لا ادري ماذا خطر ببالي ... كل ما فعلته اني وقفت مستنده علي اخي الذي رأيت الدموع تنجرف من عيناه ألمآ علي حالي فمددت يدي لاجفف دمعاته منتقله الي عيون شقيقتي لأجفف دموعها هي الاخري لأقوم بضمهما الي صدري قائله ...))
اشتهي تناول واحدآ من اطعمتي المفضله من يداكي يا امي فمنذ ان حرمت منك وانا لم اتناولها .... ايمكنك احضار بعضآ منها من اجلي ...
وقفت امي وهي تستند علي اثاث المنزل حتي وصلت الي المطبخ لتحضر لي واحده من طبخاتها الشهيه التي لطالما كنت وماذلت اعشقها ولكن عذرآ يا أمي انني احتضر الان ... ليس بوسعي شئ ... لا اريدك ان تريني وانا اطلق انفاسي الاخيره بين يداكي .... اعذريني ... احبك جدآ ولا استطيع رؤية الدموع في عيناكي .... اخي العزيز ... ارجوك أعتني بأمي ... لا تكون يومآ سبب في حزنها .... اختي ... غاليتي ... يا ابنتي الاولي و الاخيره ... انتي عوض امي عني .. لا تدعيها تشعر بفقداني ... ولا تحزني لما دهاني هذا قدري وليس بيدي حيله .... ابي لا ادري ما علي ان اقوله لك ... فقط انا احبك ... احبك كثيرآ ... لا ادري ان كنت محقه ام مخطئه بشأن هروبي .... ربما لو كنت بقيت هنا لكنت تعالجت مبكرآ ... ربما لكان انقذني الطب وموسوعته العريقه ... ولكن حبي لكم ارغمني علي تحمل آلامي وعدم تقبل فكرة ان تتألموا بدلآ عني
....لا ادري ان كان ما اشعر به الان حقيقه ام ماذا ... انا فقط اتألم ... وبشده ... لا .. ارجوكم لا اريد ان استمع الي اصوات بكائكم وصراخكم... ابتسموا فقط ... ودعوني بابتسامه ... فانا لن احتمل رؤية دموع ايآ منكم .... امي .... حمدآ لله انك جئتي لي ... اريد ان اسقط بين يداكي ... وفي احضانك .... لآخر مره
______تمت بحمد الله _____
مستنيه ارائكم بقي