في تلك الليالي اللتي قضيتها وحيداً بعزلتي هارباً من كل شيء بعد أن تبددأت الاحلام و صارت حطام ، أصبحت كالعابد الزاهد الذي أعتكف في صومعته بعد أن فر من متاع دنياه من أجل أخرته ، أما أنا فلم أهرب سوا من الجحيم والى الجحيم ، الايام تمضي و الشمس تشرق و القمر يبزق وحياتي تمضي بلا معنى ، كل ماكنت أفعله هو بأن أتفكار فيما حولي و أغبط الاشجار على صمودها للمُهيب و الطيور على هجرتها كل ما ضاقت ضرعاً بديارها و الصخور على جمودها .
وفي أحد الأيام التي كنت أجهل أي أيام الاسبوع كان ، حل بي الضماء و اصابني العطش فبغيت الماء و ذهبت الى الموضع الذي أعتدت الشرب منه ، ولكن ما أن دنوت منه حتى بدأ و ظهر لي ذلك الضبع ذا أنياباً حاده و أعيان تستطع بالشر وقد جلس بجانب المياه منتظراً فريسة يطاردها الضماء فتقع في شراك أنيابه ، فأصبح ماحول المياه خالياً فلم تجرؤ الحيوانات على أن تقترب ولكنها ستهلك من الضماء وسيكون من السهل أصطيادها أو ربما موتها و نفوقها فتصبح فريسة جاهزه دون أن يرهق نفسه في مطاردتها ، لم أتجرى بأن أظهر أمامه ، وكل ماكنت أفعله هو أن جلست ساكناً منتظراً قدوم أحد الحيوانات من أجل أن يضحي بحياته من أجل البقية هنا فتكون مشكلة الجميع قد أنحلت ، لكن لا أحد يرغب بأن يكون الضحية ، فأنتصفت الشمس في كبد السماء و أزداد الحر و أشتد الضماء حتى كدت أن أهلكت .
وفي تلك اللحظات التي كنت أستغيث بها و أرجوا بأن يتقدم حيوان مسكين يفدي الجميع بروحه لهذا الضبع الكاسر ، شهدت ثعبان قد أنسل من بين الشجره التي كان الضبع يستظل بها عن لهيب الشمس دون أن يشعر به الضبع الذي كانت عيناه لا ترا حولها سوا المياه ولم تعبى بما أعلها و خلفها ، أرتمى ذلك الثعبان على الضبع وألتف حول رقبته وبدأ بلدغ الضبع دون توقف والضبع يحاول جاهداً أسقاطه لكن كل تلك المحاولات قد بأت بالفشل وماهي سوى لحظات حتى سقط و خر الضبع صريعاً ممداً بجانب المياه ، هذا ماكان من حال الضبع اما الثعبان بعد أن قتله ذهب الى المياه فشرب حتى أرتوا ثم أنهُ عاد وصعد الى أعلى الشجره التي كان بها ، ومهي سوى لحظات وقد بدأ لي بأن خبر موت الضبع قد أمتلى و سطع خبر هلاكه فالجبال فأتت الحيوانات كالأفواج وكانها ظهرت من العدم ، وكانها تحتفل بوفاة ذلك الضبع دون أن تعلم من فعلها فالثعبان عاد ألى مكانه دون أن ينتظر الشكر و العرفان ، وفي تلك اللحظات التي كانت الحيوانات تشرب من المياه ، عاد الثعبان لنزول وقد أدهشني ذلك وهو يتخفى بين الصخور حتى وصل ألى أحد الأرنب ولدغها حتى خرت صريعه دون أن تشعر بقية الحيوانات بها ، وفي لمح البصر أطبق عليها نابيه و ألتهمها ليعد من جديد الى أعلى الشجره .
فأدركت حينها أنه لم يتخلص من الضبع سوى لأنه قد أعاق مصالحه و حرمه من غذائه ، أما بموت الضبع فقد أسعد ذلك الجميع حتى تلك الارنب التي ألتهمها الثعبان بعد ذلك لأن الأمور قد عادت الى نصابها وبمكانهم شرب المياه التي لهم الحق بها ، موت الضبع كان هو الحل و الخلاص من تلك المشكلة ونهايتها الى الأبد وليس كما ظننت و تمنيت بأن يقدم أحد الحيوانات نفسهُ فداً لذلك الضبع ، ربما ذلك سيكون الحل لهذا اليوم وماذا عن الغد ؟
أن قتل الضبع كان حلاً مناسباً من ذلك الثعبان الذي قتل من أجل أن يصطاد و ينجوا ، فأدركت بأنني بهربي هنا و لجوئي قد أصبت بالضعف و الهوأن وأنني سأموت وحيداً خائباً أن بقيت هنا ، فقررت بأن أنهي و أتخلص من مشكلتي الى الأبد وذلك بالتخلص من يوسف ولن يحدث ذلك سوا بقتله ، وعند موته سوف تنتهي جميع مشاكلي ستعود الي حبيبتي وسينكف أهل القرية عن مضايقتي و أصحاب الدكاكين عن منعي و أزدرائي ، فعكفت على التفكير لساعات و أنا أجلس على قمة الجبل و أشاهد مباني القرية ومنها بيت شروق و قد قدم أليهم يوسف يطرق الباب و يفتح ويدخل ثم يغلق ، لقد أشتدت بذلك نار الغيرة وأهي أشد نيران الغيض ، فأنا الذي كنت أظن نفسي سعيداً بأنني أتسلل أليها مع شرفتها اليوم يفتح بابها لرجلاً أخر ، وبعد ساعات من التفكير أهتديت الى فكرة ستجعلني أقتله دون أن يشعر أحداً بذلك وبأنها جريمة قد خططت و نفذت ، ولكن كل ماكان يعيقني هو بأنهُ دائماً كان محاطاً بالخدم الذين يتبهى بهم ، كل ماكنت أحتاجه هو ان ينعزل عنهم ولو للحظات فوجدت بأن لا أحد قادر على ذلك سوا فيصل ، هكذا أكتمل كل شيء لجريمة القتل المقدرة ، شعرت بالقوة تتسل بداخلي و أن المارد قد أستيقظ بعد سبات .
هبطت الى القرية سريعاً و لبست أجمل الثياب التي أمتلكها وعدت الى هيئة السابقه التي كنت أمتلك يدي بها ، فذهبت نحو فيصل الذي كان في ذلك الوقت من كل يوم يجلس وحيداً في مقهى القرية الصغير ، ألتقينا وقد حاولت جاهداً بأن يبدو ذلك اللقاء كصدفه بلا موعد أو تفكير ، تبادلنا التحية وقد بدأت على محياه السعاده حينما شاهدني أسترددت بعضاً من نفسي السابقه ، تبادلنا الحديث و الضحكات ثم أنهُ أخبرني بأنني مدعوا لزواج أخته من يوسف ولم يتبقى سوا أياماً معدودات ، أبتسمت له و أظهرت فرحي وكتمت غيضي ، ثم أنني أعتذرت عن القدوم وأخبرته بأنني لن أكون في القرية حينها فقد قررت طرق ابواب السفر بحثاً عن علاج يساعدني على تحمل فقدان يدي ، سائه ذلك الأمر كثيراً ، ثم أنني في تلك اللحظة أسترجعت الماضي حينما كنت كنت كاملاً به و أنني أحن لتلك الأيام التي كنا بها أنا وهو ويوسف نصعد الى أعالي الجبال فنظل هناك حتى بزوغ الفجر ، فكملت حديثاً بعد أن أخرجت أهاتي لكن من المؤسف بأنها مُجرد ذكريات ولن تعود أبدا .
بعد أن شاهد الحزن الذي أصطنعته قد أمتلىء في عيناي و أظهرته على ملامح وجهي البائس ، مد يده و أمسك بيدي اليسرى وأبتسم أعدك بأنها ستعود و قبل سفرك سنلتقي جميعاً ونصعد الى أعلى الجبال كما كنا فالسابق ، وقد تكون الليلة الأخيرة التي نلتقي بها قبل سفرك و زواج يوسف الذي سينتقل الى العيش بالمدينة فهو دائماً مايشتكي من حياة القرية و أنها لا تلائمه .
كنت متأكد بأن يوسف سوف يقبل الدعوة ليس لرغبته باللقاء و أستعادة ذكريات الماضي فهو بالطبع لا يكترث لذلك وكل ما أراده هو قضاء الوقت بالتهكم و السخرية مني وقد أتت وسنحت له هذه الفرصه عبر هذا اللقاء الذي بلا أدنى شك يظن بأن اللقاء مجرد محاولة بائسه من قبلي من أجل أعادة العلاقات كما كانت و أن أستنجي و أطلب عفوة ولم يعلم أنني قد كتبت نهاية قصة صداقة ممتلئة بالتناقضات و الجدال في ذلك اللقاء .
ولقرب المقهى من دكان يوسف أستاذني فيصل بالذهاب أليه و أخبره بأمر الرحلة الأخيرة بين الأصدقاء الثلاث ، رحلة الموت و النهاية ليوسف و عودة الحياة ألي ، وبعد أن أنصرف فيصل نحو يوسف أردت بأن أحتسي القهوة بعد نجاح كل ماقد خططت و فكرت به ، تحركت نحو طابور الزبائن وقد وقف خلفي سيده مع أبنها الصغير الذي لم ينكف طوال اصطفافنا بأن تشتري له والدته قطعة الكعكة الأخيرة على رفوف البيع ، فكان كل ماتقدم زبون الى البائع وضع يده على قلبه مخافة أن يشتريها و يسبقه اليها أحداً قبله ، تقدم الطابور حتى حل دوري في الطلب من البائع .
- سيدي هل لي بكوب من القهوه المرة و ذلك الكعك من أجل أن يخفف مرارة القهوة !
شاهدت الصغير وقد أحتبست الدموع في عيناه وهو يشتم والدته ساخطاً بأنها سبب ضيع قطعة الكعك من يديه ، سلمني البائع القهوة و الكعك بعد أن قبض نقوده ، تحركت ذاهباً ولكنني توقفت أمام الصغير بعد أن جثيت على ركبتي وأبتسمت وحدثته .
- ايها الصغير هل تعلم لما ترك الجميع قطعة الكعكة ولم يلتفت لها أيً من الزبائن و ربما لم ينبهوا لوجودها وأخذتها أنا ؟
- لأن حديثك عنها جعلني أشعر باهميتها وأنجذبت نحوها وقد أزدادت بالانجذاب نحوها عندما شاهدت بأنها القطعة الأخيرة المتبقية على الرف ، أنها كالفرصة تتأتي مرة وأحده وعليك التمسك بها ، وعندما تسعى لشيئاً ما أو حلم تطارد طيفه عليك بأن لا تخبر أحداً بحلمك الصغير وأن تجعله ينمو بداخلك حتى تأتيك الفرصة و تحقق ذلك الحُلم ، أن أحلامنا أن أفصحنا عنها فقد حولنها الى كوابيس لمن هم حولنا ، سيحاولون جاهدين منعك من تحقيق ذلك الحلم بدلاً من أن يسعون خلف البحث و تحقيق أحلامهم .
لكنني سوف أمنحك هذه الكعكة لأنني لا أريد أن يسلب حلمك الصغير منك وسوف أكن صريحاً معك بأنها لم تروق لي بعكسك أنت الذي تظن بأن حياتك سوف تنتهي أن لم تحصل عليها ، تناولها يا صغيري و ستمتع بحلاوتها لعلها تبقى في ذاكرتك عندما تكبر وتكتشف مر هذه الحياة .
أخذ الصغير الكعكه بينما مضيت انا عائداً لطاولتي منتظراً فيصل ، لم أقلق من رد يوسف فقد كنت واثقاً بأنُ سوف يقبل حتى دون أن يلح عليه فيصل بذلك ، وبينما أن أرتشف فنجان قهوتي التي ستكون بطعم الأنتصار عاد فيصل و البسمه تظهر على محياه وقبل أن يصل الي بخطوات تحدث .
- لقد قبل يوسف امر الرحلة بل كان متشوقاً و سعيداً بها ، حتى بأنهُ أصر بأن تكون في مساء ليلة الغد .
لقد تم كل شيء وسقطت الضحية فالكمين الذي أعددته ، كنت أشعر بالسيطرة على كل ماهو حولي ، كل ماتبقى هو القتل و نهاية يوسف وسوف تعود المياه الى مجاريها .
أنت تقرأ
الجندي الذي وأجه الشيطـان !
Adventureجندي ينشى في حي فقير تحت وطاءة طبقة من الأغنياء ، يُستدعى للحرب و النضال من أجل الوطن و أثبات مقدرته على قيادة الجيش للأنتصار ، ليكتشف أن الجيش في خدمة الأغنياء فحسب ، ويحاول جاهداً أحداث ثورة وأن يقود الجيش بنفسه ، فيظل حائراً بين الحرب أو محبوته ا...