متى يعلنون وفاة العرب؟

2.3K 291 399
                                    


«جئنا لأوروبا

لكي نستنشق الهواء

جئنا...

لكي نعرف ما ألوانها السماء؟

جئنا...

هروبًا من سياط القهر والقمع.

ومن أذى داحس والغبراء..

لكننا لم نتأمل زهرةً جميلةً.

ولم نشاهد مرةً حمامةً بيضاء.

وظلت الصحراء في داخلنا..

من كل صوبٍ يهجم الجراد.

ويأكل الشعر الذي نكتبه.

ويشرب المداد.

من كل صوبٍ يهجم (الإيدز) على تاريخنا

ويحصد الأرواح والأجساد.

من كل صوبٍ يطلقون نفطهم علينا.

ويقتلون أجمل الجياد.

فكاتبٌ مدجنٌ.

وكاتبٌ مستأجرٌ.

وكاتبٌ يباع في المزاد.

وصار للبترول في تاريخنا، نقاد؟

يستعملون الكاتب الكبير. في أغراضهم.

كربطة الحذاء.

وعندما يستنزفون حبره.

وفكره.

يرمونه في الريح كالأشلاء.»

لماذا أصبح العرب مهزلة المهازل وأضحوكة الأمم؟ لماذا أصبح العرب في الحضيض والعالم في انتفاضة لارتقاء القمم؟

أين القلم لإثارة النقم واستحضار الهمم؟ أين الأديب الذي ثار وبأدبه انتقم؟ أين بقينا سوى على صفحات التاريخ، بين الأسطر نبكي على الأطلال ونفخر بالعدم؟

الإشكالية الأكبر التي نطرحها، من المسؤول عن أزهى انحطاط العرب؟ من فتح بوابة الزمن ليرجع الفكر العربي إلى أزمان سوداء في صفحة الإنسانية؟ أتقع المسؤولية على عاتق الحكام الذين قيل فيهم «ما حاجتنا لهم بعد هذا الهوان والتخاذل؟» أم على عاتق العربي الساكت عن حقه كشيطان أخرس؟

المعروف أنّ النظام الفاسد لا مكان له في مجتمع صالح، فكان عليه أن يُفسد الشعوب ليستمر ويدوم، فعلّم الناس على التبعية العمياء لأشخاص لا المبادئ، سمح لهم بالكلام بعد أن أصمّ آذانهم وأعمى بصائرهم عن أدنى حقوقهم. فصار الزعيم راعي الشباب والرياضة وهو على حافة قبره، الزراعة والصناعة وهو يقدس المنتجات الأجنبية، التربية والتعليم وهو ينشر الجهل من تحت الطاولة، حتى المعارضة يحدد ساعات الثورة ضدّه ومواقعها... فكيف سيثور شعب محشورةٌ في الزاوية، نائبه سارق وحاكمه مستبد ديكتاتوري تحت مسمى الديمقراطية، قاضيه فاسد، وشاعره يباع ويشترى؟

لطالما كان القلم فتيل الثورة، يشعله الأديب بسعير وطنيته ويحرق أكباد المتعدين، لكن مبراة أقلامهم سرقت وصار القلم للهو والمجون، ثم تثور عشرات لتطالب بحقوق أمّة وينطفئ ذكرهم بمرور ساعات؛ لأن الحاكم العربي يقتل المثقفين في دجى الليل والظلمات، فلا هو منهم ولا من رحمهم.

بالمقابل وإن تبدّل الحكّام، أيرتقي الفكر ويتخلص من غبائه المتجذّر حتى أعماقه؟ أتتغير القيم الثقافية والاجتماعية لتُبنى حضارة إنسانية؟ يُحكى أنّ قناة إسرائيلية قامت بعرض فيلمٍ إباحيٍ تزامنًا مع إقامة تجمّع شبابي للاعتراض على الاستعمار،
وما كان ردّ الشعب؟ القعود في المنازل لإشباع غرائزهم الحيوانية.

شعب حوّل الأغنام إلى سباع لا يملك حق الشكوى من البطش والافتراس.

السياسة تحتل كل شيء في حياتنا اليومية، حتى الأدب، فلم تكتف تلك الأيادي بأن تغزو حيزًا بالحياة الواقعية بل كثير من الكتّاب والشعراء استغلوا القلم ليحاربوا سياسات الدول، نزار قباني لم يكن شاعرًا للمرأة فقط بل للقضية أيضًا، ومحمود درويش هو رمز للريشة الفلسطينية، وغيرهم الكثير... وهذا يعكس جبروت الكتابة حتى لو كنتَ جبانًا؛ لأن معظم المثقفين لا بد أنهم يدركون الوضع الراهن لكنهم يتجاهلونه عمدًا، لماذا برأيكم ؟

لأن الانسان بطبيعته جشع، كل ما يختلج الفؤاد في هكذا حالات هو «اللهم نفسي»، فهل يستغني عن حياته وشبابه ويقضيها في المنفى أو السجن أو تحت التعذيب والتهديد أو حتى يُغتال بلا أدنى شفقة؟ أم يترك السياسة وشأنها كفأر جبان تخلى عن مسؤوليته أمام القضية ليضمن عيشه، وقد نكون ظلمنا بعض الكتّاب فهناك فعلًا من لا يفقه في السياسة ليكتب عنها -وهذا عذر أقبح من ذنب-. ولو أن بعض الكتاب لجؤوا للرمزية في إخفاء المقصد بل استخدموا الحيوان كيلا يفضحوا لسانهم الثائر، وتركوا أمر التحليل للقارئ ليوصل الفكرة دون المس بمكانته واستقراره.

إن مشكلة العرب الكبرى هي بساطتهم، بل بالأحرى سذاجتهم التي تسمح لهم الوثوق بالمراجع والتخليِ عن منطقهم. الدين نقطة ضعفهم والحكام أذكياء، رجال الدين يتحدثون بالسياسة القمعية والنووي والجهاد الذي لا يمت للجهاد بصلة في مؤتمراتهم لا عن الدين الطاهر الذي نعرفه، فانبثق الإرهاب وتبع أسماءنا كبصمة عار.

دعونا لا ننتظر الحكام ليعطونا حريتنا؛ لأنهم لن يفعلوا ولأنّ الحرية تؤخذ ولا تُعطى، فلنثق بأفكارنا وأهدافنا ونثور بالملايين، نطالب بحقنا في التعليم الصحيح، الطبابة والعمل، والأهم حقنا بالعيش.

الثورات الكبرى لا تنطلق شرارتها إلا بانفجار الأفكار، وبتحرر اليراع ليكتب كل ما في الخاطر، تذكروا أن الربيع العربي أصلًا لم يكن لولا كلمة الشباب وكتاباتهم.

ثوروا بالكتابة، فهي سلاحٌ ذو حدين قد تقتل فيه عدوًا أو قد تقتل شخصًا وفكرًا، أو تقتل نفسك ولو خطًأ!

وكما قال الشاعر:

«إذا الشعب يومًا أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر»

دعونا ننهض! قبل أن يعلن العالم وفاة العرب...

هذا الفصل من كتابة العضو هاء. ❤

تمرّد مقالاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن