كنت ابتسم ليوسف دون أن أقول شئ فقط انظر إليه بعدم تصديق و سعادة بادية في عيني، و أعتقد أنه فهم ذلك لأنه ابتسم لي في المقابل... لم أكن أتوقع منه ابدا ان يلين لي بسهولة هكذا أو أن يكشف لي عن جانبه الساخر و العفوي بهذه السرعة... لم أتوقع أنه سيسمح لي أن اتخطي حدود جدرانه بهذه البساطة، و لكن كل ذلك يدل علي شئ واحد فقط... أنه ليس الشخص الذي يريد أن يكونه أمام الناس، فقط يفعل ذلك حتي يبعدهم عن طريقه كما قلت له البارحة.
"عرفت بقي إني كنت امبارح علي حق" تحدثت بفخر و انا ابتسم له بتحدي، و لكنه قهقه قليلا قبل أن يشير لي أن اركب سيارته... و لكنني لم أتمكن من التحرك من مكاني حتي... فقد اقتربت سيارة أخري من سيارة يوسف ثم توقفت و بعد ثواني وجدت زينة تتجرل منها ،فهي لم تكن مع امينة عندما عادت بالرغم من إنهما خرجا معا... و هنا لاحظت أن يوسف جاء بمفرده... كان السائق مع زينة اذا.
"انتي هتروحي دلوقتي؟" سألت زينة لتجعلني التفت لها و أجد ابتسامة صغيرة تعتلي وجهها.. "اه خلاص" اجبتها و انا ابادلها الابتسامة.. "حسن يروحك بقي النهاردة في طريقه" تحدثت و هي تشير إلي السائق... فنظرت له و ابتسمت ابتسامة صغيرة و هو اومئ رأسه لي في احترام.. "خلصت من توصيل لين النهاردة يا يا يوسف" أكملت و هي تنظر إلي يوسف الذي نظر لي بسرعو فبل أن يحول نظره إلى الأسفل... و لكن هناك شئ ما لم يعجبني بتلك الجملة، كلمة "خلصت" هذه ظلت معلقة في ذهني و أعتقد أنني لن أنساها بسهولة.
"تمام، تصبحوا علي خير" تحدثت بعد أن أبعدت تلك الأفكار من رأسي؛ فهذا ليس وقته.. "وانتي من أهله" أجاب كلاهما قبل أن أتوجه إلى السيارة التي كان يقودها حسن، و قبل أن اصعد إلي الداخل التفت إليهم مجدداً فوجدت زينة تسير ناحية باب المنزل و يوسف كان ينظر لي بابتسامة أسف علي وجهه مما جعلني احرك له اكتافي بمعني لا يهم ثم صعدت إلي داخل السيارة و ما هي إلا ثواني و كان حسن جالس في مكانه و يحرك السيارة لتبتعد عن المنزل شئ فشئ.
لم أعلم ماهو الشعور الذي كنت أشعر به الآن... هل أنا فعلاً محبطة لأنني لم أكن مع يوسف حالياً ؟ لا أعلم، و صراحة فقد كنت خائفة أن أعلم... لماذا سأكون محبطة مثلاً ؟! بالتأكيد لا، ما أشعر به لم يكن إحباط بالمرة... من الممكن أن أكون قد انزعجت مما قالته زينة قليلاً و من الكلمة التي استخدمتها في حديثها... و لكن ما شغل بالي كثيراً، هي طريقة التعامل بين يوسف و زينة... فهل هذا استقبال زوج لزوجته التي لم يراها طوال اليوم ؟! يوسف حتي لم يرحب بها! هل يعقل أن يكون لا يحبها ؟ إذا لماذا تزوجها من الأساس ؟! أو حتي لماذا لا يطلقها إن لم يعد يحبها ؟!
بدأت الأسئلة تشغل عقلي و أردت فعلا أن أسأل يوسف عن كل ذلك، و لكن و لأنني أصبحت أعلم يوسف إلى حد ما أعلم أنه لن يجيبني عندما أسأله، بل سيتجاهلني أو ينكر كل ذلك ببساطة... فيوسف لا يحب أن يتم سؤاله عن شئ بل يحب أن يتحدث هو من نفسه.
"عامل إيه بقي يا حسن" سألت السائق بلطف حتي لا اترك نفسي لأفكاري التى ستأكلني حية.. "انا تمام يا فندم.. اتمني حضرتك تكوني بخير" أجاب بنبرة لبقة للغاية و هذا جعلني أشك للحظة بأنه سائق.. "لا لا لا بلاش جو الرسميات ده.. انا لين و بس" قلت له بنبرة مرحة مما جعله يقهقه.. "بعدين انت عندك كام سنة ؟" سألته.. "٢٦" أجاب بنبرة أقل لباقة هذه المرة.. "طيب يعني كما أكبر مني بسنة، يعني المفروض انا ال اقول حضرتك و الكلام ده" قلت له بسخرية.. "العفو يا فن.. يا لين" قال بابتسامة علي وجهه استطعت أن أراها من مرآة السيارة.
كان الطريق إلى منزلي مليئ بالأحاديث الطريفة بيني و بين حسن، فهو شخص لطيف للغاية.. و بالطبع لم أستطع أن امنع فضولي و سألته بضعة أسئلة عن عائلته و دراسته و اصدقائه و ما شبه.. فعلمت منه أن والده المتوفى كان سائق عمي مراد قبل وفاته و بسبب قربهم الشديد من عائلة عمي المراد، لم يستطع هو أن يتخلى عنهم لذلك أصبح هو سائقهم و لكن هناك سائق آخر يعمل مكانه عندما لا يتواجد هو؛ لأنه يعمل موظف في أحد البنوك، حيث أنه كان في كلية تجارة... كما حدثني عن أخيه الصغير و أنه يفعل كل ذلك حتي يؤمن له مستقبل جيد، أما عن والدته فهي تعمل أيضا مع السيدة نازلي منذ وقت طويل.. فهي طباختهم التي لا يستطيعون الإستغناء عنها، هذا كان وصف حسن و انا وافقته الرأي لأنها فعلاً ماهرة في الطهي.. وصلنا خلال ٤٥ دقيقة بسبب الازدحام و انا ترجلت من السيارة بعد أن شكرته مع ابتسامة... فعلا أحببت صحبته، فهو شاب مهذب و لبق و طموح أيضاً.
أنت تقرأ
برنامج بدون موضوع
No Ficciónالماضي.... شئ ملازم لنا في كل حين و وقت، لا نستطيع أن نتخلص منه بسهولة و خاصة إذا كان يذكرنا بشخص فقدناه أو خطأ ارتكبناه أو حتي تجربة مأساوية من تجارب الحياة... وللأسف ليس لدينا أي حل سوي المضي قدماً في محاولة لنسيانه و لكن تكمن مشكلة أخري في الطريق...