مصر ، صيف 1966 ." عمل جيد ، ولكن مع هذا كان هنالك الكثير يبكون ، اظن أن الساحر أفضل من المهرج في النهاية."
لفظ كلماته بغرور يتجلى وسط حروفه بينما كان يتجنب النظر لوجه المهرج.
لم يلقى ردًا سوى إيماءة بسيطة و خطوات أقدامه التي تسير بعيدًا ، و كعادته ابتسم بجانبيه أثر فوزه النقاش - الغير موجود - للمرة المليون.
كان يعلم جيدًا أن الاطفال يبكون في عرضه هو كذلك، ولكنه كان يستغل ذاك المهرج ،و الذي كما يقول الناس عليه دائما..أخرق هادئ.
يسير للخارج بهدوء و بدون ان يشعر بشريٌ به ، يتسحب من بين الزحام و يفلت منه كشعرة من العجين ، و ثم يتنفس الصعداء بثقل.
" مر شهر آخر.." لفظ.
كان يمتلك أعين ناعسة ضيقة ، تلمع تارة و تنطفئ تارة ، و لم يكن لمعانها و إنطفائها سوى تعبير عن شدة فراغة مشاعر جامحة مسجونة.
بعمر الثامنة و العشرون كان الأشهر في مسرح "سيد درويش" ذا الشعبية الكبيرة في مدينته ، و كان الناس يتهافتون أثناء عرضه للأمام لتتسنى لهم رؤية ذاك المرهق و هو يقوم بتحركاته المعتادة.
فرغم أن عرضه كان ذاته كل مرة إلا أنه كان جذابً للكثير..و مثيرًا للضحك للجميع عدى الأطفال.
دفع باب منزله بخفة ليتجه مباشرةً نحو الحمام و يقف أمام مرآته بصمت..
يحدق..
نظرات مستكشفة فارغة، وكأن عيناه تستهزئ بما وصل له وجهه ، و تستره لكل هذا خلف ابتسامة نقشت بالمكياج فصارت جزء من وجهه.
او هذا ما كان يظنه الصامت كلما يصعب عليه مسحها بالماء ، او كلما يرمق نفسه بمرآة محل الفساتين فيجد أبتسامة خافته تشق خديه ، او عندما يسهل عليه رسمها في اليوم التالي وكأنه فقط يعيد تلوين خطوط ملتصقة به بالفعل.
في الحقيقة..كان يمقتها.
إنتهى من غسل وجهه فإتجه نحو سريره بالركن و أستلقى.
و بدأت اللعنة.
يتقلب يساًرا و يمينًا و ثم ينهض و ينام و ينهض ، و يستمع لهاته و هي تغني و يتنصص على جارته التي تعلم إبنتها كيفية صنع الخبز ، و ثم يسد أذنيه كي ينام..و يفشل.
لم يكن الصامت متزوجًا او مرتبطًا ، و لم يذكر من قبل أن إحداهم أرادت الإرتباط به قط ، ولكنه كان متأكدًا من أن الأرق واقع في غرامه.
أنت تقرأ
البلياتشو
Conto" كان يقف على المسرح وحيدًا..تتعامد الأضواء البائسة عليه بينما ترتطم الأيادي ببعضها بعنف مصفقة..و يهتز المكان بالصيحات المبتهجة. لقد كان يضحك بشدة على حاله..كانت تشق الضحكة خديه كشق الوجع لقلبه. و لم يرَ هذا أحد.."