المَشّنَقَة

90 9 6
                                    

{ بِسّمِ اللهِ الرَحّمَـٰن الرَحِيم }

فِي مكانٍ لا يدلُ أبداً علىٰ الإنسانيةِ ، مملوءٌ بأبشعِ المناظرِ التي تتمنىٰ يوماً أنْ تَراها .. حيثُ تستمعّ إلىٰ أصواتٍ وَ ضوضاءَ عاليةٍ صادرةً من غرفةٍ ضخمةٍ لا ترىٰ النُور فيها .

حشدٌ غفيرٌ يملؤُ تِلك الغُرفة .. بينما يوجدُ بِها مُختلفُ الأَلوانِ وَ الأَشّكال ، يوجدُ بِها الكِبارُ والصِغار .. الشِيوخَ والأطّفال ، وحتىٰ الفُقراءُ والأَغنِياء .

صحيحٌ بأنّهُم مُختلفونَ فِي كُلِ شَيئ ، إلّا كَونَهُم جَميعاً .. مُسلِمون ! ، لا يجعَلهم مُختَلفِين عَن بَعضهِم رَوحانِياً .

نَظر ذَلِك الفَتىٰ ، الذِي مازَالَ فِي رِيعانِ شَبابِهِ ، بِهدوءٍ إلىٰ أُولئكَ الذِينَ يَبكونَ ويصرُخونَ مِنْ أَعماقِ قَلوبِهم .. لأَنهُم عَلىٰ وَشكِ تلّقِي العِقابَ ، لكونِهم رَفَضو أَنْ يَترُكو دِينَهم مِثلَ مافَعل الآخرونَ عِندَّما أُحتِلَّت بَلَدّهم .

لَقَد تَعذبَ الكَثِيرُ مِنهُم وبدءَ عَددُّهم يَقلُ تدّريجياً ، وَ هذَا كَافٍ لِدَبِ الرُعبَ فِي أجشَانهم ، لَكنهُ لَا يَشعُرُ بالخَوفِ مِثلَهُم بَل .. بِالغَضّب .

وَفِي وَسطِ هَذة الضَوضاءَ الكَبيرَة ، إِسّتمَعَ الجَميعُ إِلىٰ صَوتِ صَريرِ ذَلِك البَابِ الضَّخم الذي لطَالَما حَبَسَهُم هُنا بِالأَيامِ والأَسابِيع ، وهَذا الصَوتُ يُعلن عَن أنَ هُناكَ فَريسَةٍ جَديدَةٍ ليُرضّو بِها جَشَعهُم الدَنيئ .

تَقَدّم رَجلُ لا يَبدّو عَليهِ الرَحمةُ أبداً .. يَرتدّي بِزَةٌ حَديديةٌ وعَلىٰ طوُلِها جَميع أَنواعِ السكاكِينِ والمُسدساتِ التِي ما أنْ تراهَا تَشعُرُ بِرَهبةٍ وفَزّعٍ شَديد .

وَجهُه حَادُ التَعابِير ، قاسِي المَلامِح .. وعلىٰ عَينهِ ندبةُ علىٰ شَكلِ بَرقِ صاعِق ، لَديهِ إبتِسامةٌ ماكِرَةٌ تَدُل علىٰ مَدىٰ خشُونَتهُ وقَسوتهِ اللامُتنَاهية .

بَدءَ يُلقِي بِبَصَرِهِ فِي أَنحَاءِ الغُرّفَة التي سَكَنها الهُدوءُ فَجأَةً مُنتَظرِينَ بِرَهبَةٍ ، علىٰ أحرَّ مِنْ الجَمر ، إِشارَتهِ التِي تَدُلُ عَلىٰ أَنَّكَ المُختار .

وَ أخِيراً بَعدَّ صَمتِ دَّامَ للحَظَاتٍ ، رَفّعَ الرَجُلُ إِصّبَعهِ بِبُطئٍ وقُلوبِ الجَميعُ تنبِض بقوَةٍ فَزَعاً وَ خوفاً .. حَتىٰ إسّتَقرَّ إِصّبعهُ علىٰ طِفلِ فِي التَاسِعةِ من العُمر يَكادُ لا يَتنَفّس بِسبب وقوعِ الإِختيارِ عليه .

" لا .. لَيسَ إبّنِي الصَغيرُ لا ! ، خُذّني مَكانهُ لَكِن أرجوكَ الرَحمة " صَرخَت سَيدَّة ، تَبدّو فِي الثلاثِينَ مِنْ عُمرِها ، بِهَلَعٍ وَ هِي تَتَمَسَّك بِطفّلِها الصَغيرُ الذِي تَرّتَجِف قَدّماهُ بِقوةٍ وَ كأَنَه فِي وَسطِ كَومَةٍ مِنْ الثَلجِ الأَبيَض .. مَع هُطولِ دُموعَهُ وتَمَسُكَهُ بِأُمهِ قَدرَ الإِمكان .

المشنقة |                                                  GALLOWSحيث تعيش القصص. اكتشف الآن