الفصل الثالث :- هجوم ( الجزء الثاني )

306 13 47
                                    

فتحت إيروها عينيها بصعوبة .. كانت قد فقدت وعيها من أثر تلك الضربة و فقدت معها الذاكرة لبضع ثوان قبل أن تعي ما يحدث .. صرخت منتفضة " يا إلهي !" مبرزة كل الذهول الذي انتابها .. ما هذا التقلب المفاجئ في الأحداث ؟.. أوووه وا مصيبتاه ! .. أرجو أن ينتهي هذا على خير .. وضعت يدها على بطنها .. تبا ما هذه القوة التي ضربت بها حتى تسببت لها بهذا الجرح العميق .. أهذه دماء ؟! ..لكن مهلا ما هذا ؟ .. أين هي ؟..   غابة بأشجار ميتة .. لا أوراق فيها ولا خضرة .. مجرد سيقان كأعمدة تمتد لأمتار و أمتار و أمتار .. السماء سوداء .. مغيمة سوداء ..غاضبة بشدة .. يبدو أنها ستمطر قريبا و الضباب يغشى المكان .. ألا أحد هنا يتنفس سواك أنت و الغربان التي ما لبثت أن أوقفت صياحها في الأرجاء؟.. راحت هذه المذهولة تراقب ما حولها في بطء / حيرة لكن عساها فهمت شيئا .. وقفت على قدميها و قالت بضعف :" أين أنا ؟".. و لم تسمع ردا سوى لصوتها المرتد .. خائرة القوى .. لا جدوى ..أوليست هذه مهزلة أن تجد نفسها فجأة في أحد أفلام الرعب التلفزيونية ؟....   وضعت يدها على بطنها في ألم .. إنها تنزف .. ثم سارت بخطى بطيئة بعد أن قررت استكشاف محيطها ..  المكان مرعب .. مرت ثوان .. دقائق .. لم يتبدل من الغابة شيء .. و لا أمل كان قد ظهر ليريح أعصابها المنهارة .. لكن صوت ما .. صوت حل !.. شيء ما يدوي في السماء .. رفعت عينيها لكنها لم ترى شيئا بسبب الضباب .. اعتقدت للحظة أنها قد تكون الهالة لكن حضورها كان مختلفا .. للحظات سكون مرعب حل بالمكان جعل قلبها يضطرب أكثر و أكثر محتارة هل تهرب أم تبقى .. لم تعد تستطيع التركيز على شيء بسبب الخوف قبل أن يجذب انتباهها ذلك الغراب على الأرض نافقا و قد هبط من الأعلى .. ثم بدأت العشرات منه تتساقط كأنها السماء تمطرهم !.. تراجعت خطوات في قلق / خوف .. الأمر لم يعد  جيدا !.. حسنا عليها الفرار .. فوراااا !..ثانية .. ثانيتان .. و يفوت الأوان و ينقض !!!.. و تتطاير الدماء في الأرجاء ..
************ 
كانت قد فقدت الوعي مجددا .. و هاهي ذي تستفيق .. آآآخ .. و لكن ما هذا .. لقد صارت في مكان أخر .. و كأنه كهف .. و تلك بجانبها نار موقدة !..
  أخذت بضع ثوان تستعيد ثباتها قبل أن تنهض و تجلس مكانها و تجد ذلك العجوز قريبا يعزف الناي و هو يطهوا بعض الطعام في هدوء .. لا تدري و لكن كأن الطمأنينة حلت قلبها .. - عكس ما هو معتاد فقد كانت تضطرب دائما - .. نظرت حولها قليلا قبل أن تقول في تساؤل :" عفوا و لكن ما الذي يجري ؟" ..    أوقف العجوز عزفه ثم التفت نحوها و هو يبتسم في مودة و يقول :" الحمد لقد استيقظت .. كيف حالك .. هل جرحك يؤلمك ؟"..نظرت إيروها صوبه في ارتباك .. قبل أن تعاود النظر إلى بطنها لتجده مضمدا بعناية بقماش قديم لكن نظيف .. هتفت متسائلة :" هل أنت من قام بإنقا\ي و تضميد جرحي أيها العم ؟".. هز العجوز رأسه بإيجاب لتهتف إيروها ثانية :" شكرا جزيلا لك " .. اكتفى العجوز الابتسامة ردا لها ..حل الصمت بينهما طويلا قبل أن تباشر إيروها السؤال مجددا :" طيب .. آآآه .. إذن .. هل تستطيع إخباري ما هذا المكان ".. رد العجوز مباشرة دون أدنى تردد أو حتى علامات ارتباك .. عيناه مركزتان في الطبخ و تلك الابتسامة لا تزال على وجهه قائلا  :" بعد برمودا "انتفضت إيروها مكانها .. ماذا ؟.. كيف لها أن تطير بلكمة واحدة إلى أخطر مكان على وجه الأرض .. كلا كلا مستحيل حظها سيء لكن ليس لهذا الحد ..  هتفت في إنكار :" هل تمازحني .. كيف يمكن أن أصل إلى هذا المكان في رمشه عين ؟"..  رد العجوز بذات الهدوء و عيناه لم تبرحا موضعهما أبدا :" ذلك اسمه مثلث برمودا .. أما هذا فبعد برمودا "..رفعت إيروها حاجبيها في حيرة قبل أن تسأله ثانية :" و ما قد يكون هذا ؟"..رد العجوز و هو يحرك الحساء بعود ما :" مثلث برمودا على الأرض .. كما أنه مجرد تخاريف بشر لا أساس لها من الصحة .. أما بعد برمودا فهو الحقيقة و الواقع "..لم تكن إيروها قد فهمت شيئا .. بل إن كلامه قد زاد من حيرتها أكثر .. قالت و قد أصبحت عقدة حاجبيها أكبر من الحيرة :" لم أفهم .. أرجوك اشرح لي أكثر "..   ضحك العجوز .. ضحك طويلا .. كان قد بدأ بالقهقهة و الآن أصبح ضحكه جنونيا .. يا إلهي ما الذي يحدث ؟.. التفت صوبها و على وجهه شر العالم كله لينزع عنه ما كان يشبه الرداء و  تظهر آلاف السكاكين المعلقة في سلسلة تلتف حول كافة أرجاء جسده النحيل جدا .. استمر بالضحك مطولا قبل أن يصرخ في جنون :" لقد وقعت في هذا المكان منذ ما يعادل 50 سنة .. إن هذا المكان هو الواقع .. هو الحقيقة .. إنه السجن .. إنه العذاب الأبدي "..    حمل سكينين في يديه .. دسهما في الحساء في حركة غريبة !.. مهلا .. أكان يعد سما ؟.. ثم استدار نحوها و ذلك الوجه المخيف ينم على الشر .. وضعت يدها على خصرها لتسحب سيفها .. لكن رباه ؟!.. أين اختفى .. و كذلك الحقيبة الصغيرة التي كانت مربوطة على فخذها و التي تحتوي الكوناي قد اختفت .. لا شك أنه هو من أخفاها .. تبا له .. عليها أن تقاتل بدون أسلحة الآن .. هههه لم تعتد قبلا أن تجابه شيئا حادا بقبضتيها فقط .. حسنا ربما حان الوقت لذلك ..     ركض ذلك العجوز مهاجما و صرخاته مدوية .. حاول إصابتها بالسكينين .. لكنها كانت تتفادها بصعوبة بسبب إصابتها .. خطرت فجأة ببالها فكرة عظيمة عندما لمحت الجدار خلفها .. استدارت جهته و ركضت نحوه و العجوز خلفها بصدد مهاجمتها .. ما إن صارت أمامه مباشرة .. حتى رفعت إحدى قدميها لتباشر السير عليه .. خطوة .. خطوتين و العجوز متوقف مكانه يراقبها في دهشة  حتى استدارات في الهواء نصف دورة من الأعلى إلى الأسفل ثم الضربة الخاطفة قد وجهتها له خلف رأسه ليندفع و يرتطم وجهه بالجدار .. راح يتألم خصوصا من أنفه الذي بدأ ينزف .. لم تتوقف إيروها عند هذا الحد .. بل أخذت سكينيه المسمومين و رمتهما بعيدا وسط أغراضه المبعثرة لتبعد الخطر الأكبر عنها ثم ابتسمت في فخر .. أعتقد أنها أعجبت بنفسها بعد تلك الحركة الأسطورية حتى أنها قد قالت في ثقة :" أوووه هل يؤلمك أنفك .. آسفة أعرف نفسي قوية لكن لم أتصور أنني قد أكون كذلك لهذا الحد ..  "..    صاح العجوز و هو على الأرض رغم تأوهاته غاضبا :" أيتها المعتوهة .. ستدفعين الصاع صاعين "..   لقد بدأ يحاول النهوض .. تركت إيروها التفاخر جانبا و ركضت بسرعة صوب القدر الذي به السم  ثم صرخت :" شااااناااارو !" لتركله بقوة كأنما هو كرة قدم ليطير بعيدا مباشرة خارج الكهف .. كان هذا مريحا جدا بالنسبة لها أن تتخلص منه  ..  استدارت صوب ذلك المجنون لتجده قد نهض و على وجهه غضب لا يوصف مداه .. صاح بعد أن ذاق بها ذرعا :" هذا يكفي .. لم يعد للعب فائدة .. سأنهي أمرك الآن و بسرعة ".. ردت عليه إيروها بثقة و عيناها مرعبتان من الجدية :" أرني ما لديك أيها المعتوه "..    ركض نحوها .. سحقا رغم كبر سنه إلا لأنه يقاتل كمن في الثلاثين من عمره .. كان يوجه لها ضربات بسرعة فائقة لكنها تتفادها .. إلا أن هذا لا ينفي أنها كانت تخدش كثيرا و ذلك بسبب الجرح اللعين فقد عاد للنزف من جديد بسبب الحركة المتواصلة .. أخيرا قررت إنهاء هذا بسرعة .. بحركة خاطفة منها أمسكت بكلتا يديه من معصميه .. حاول الفرار لكن قبضتيها كانتا أقوى .. باعدت قليلا بين ذراعيه لتترك مسافة ما ثم في حركة سريعة ركلته بقدمها أسفل ذقنه في حركة غير متوقعة .. لم تكن قوية لكنها كفيلة بإفقاده الوعي .. قالت بعد أن مددته على الأرض باعتدال :" أنا آسفة أيها العم على هذه الضربة .. لا يسعني إلا ذلك فأنت تحاول قتلي و أنا لن أسمح لك بهذا .. كما أنك ضمدت لي جرحي و أنقذتني لذا سأبدو ناكرة للجميل إن قتلتك "..    و بذلك خرجت إيروها من ذلك الكهف تفكر في كل ما استنتجته من ذلك العجوز و المكان .. إذن هي الآن في بعد ما .. ربما كانت الغابة بوابة له .. فهذه الغابة و الأخرى مكانان مختلفان بالتأكيد .. لكن هذه فكرة ضعيفة .. بالتأكيد للهالة علاقة بالموضوع .. إضافة إلى هذا هناك مخلوقات غريبة كما هناك احتمالية لوجود بشر قد وقعوا هنا مثلها .. المكان خطر جدا .. لكن أسوء شيء هو عدم قابلية الخروج من هنا .. يا إلهي ..وهل ستبقى هنا حتى تشيب و تصير مثله مجنونة تطارد كل من يقع ناظرها عليه لتقتله ؟!.. لا لا من المستحيل أن تدع هذا يحدث .. عليها البحث عن الهالة .. بما أنها وقعت هنا بسببها  فأكيد حل الخروج لديها .. لكن .. أين ؟..
   لوهلة تذكرت أسلحتها .. صحيح عليها أن تستعيدها .. سارعت في العودة إلى الداخل .. سابقا لم تنتبه لطبيعة المكان لكن الآن هي ترى مكانا تعمه الفوضى بكل معنى الكلمة .. لكن هل كان له أن يكون غير ذلك في عالم مشوه كهذا ؟.. بالطبع لا .. أسرعت تبحث عن حاجياتها قبل أن يستيقظ العجوز .. لكن عبثا حاولت .. كأن الأرض انشقت و ابتلعتها ..
  تنهدت في يأس بعد محاولاتها الفاشلة في البحث .. نظرت يمينا في حنق لتجد شيئا غريبا .. أوووي .. ما هذا ؟..
   " هيكاروووو ".. " أنا لست هيكارو لتعذبيني ".. " هيكارو قد مات ، لما لا تفهمين هذا " .. " النجدة ".. " أنا و هيكارو مختلفان كليا .. ما هذا الغباء ".. " لما تبحثين عن هيكارو حقيقي .. أنا لا أصلح أرجوك "..
  كل هذه العبارات و أخرى كلها كانت منقوشة على الجدار .. لابد و أن العجوز هو من كتبها .. غريب .. من يكون هيكارو هذا ؟.. لقد فهمت أن الأنثى التي يقصدها بكلامه هي الهالة و أنها كانت تعذبه أو ما شابه .. أهذه رسائل لها .. تبدو كذلك .. لكن .. لما كتبها هنا .. و هيكارو .. من يكون ؟..
  لم تفكر كثيرا فقد بدأت تسمع أنات العجوز .. بالتأكيد هو موشك على الاستيفاق .. عضت بأسنانها في ارتباك لتقرر بعدها نسي أمر أسلحتها و الفرار قبل أن يجن مجددا و يقرر قتلها .. فالقتال مع إصابتها هذه لم تكن بالفكرة الصائبة .. ركضت مسرعة .. بينما هي تركض بين الفوضى لمحت شيئا مهما .. خريطة .. ربما تكون لهذا العالم .. حسنا لقد أخذتها ثم واصلت الفرار لتصل للخارج و تجد الصدمة هناك عند أول خطوة ..
  " ما هذا بحق الجحيم .. سأجن يا عالم ".. هكذا صرخت من الدهشة و هي ترى ذلك الفراغ الأبدي .. و اللاشيء يحيط بها في كل جانب .. لقد كان الكهف هو نقطة الوطئ الوحيدة .. أما الباقي ففراغ أسود يمتد إلى ما لا نهاية .. هذا لا يصدق .. بل لا يمكن أن يكون حقيقة .. بربكم أين هي بالضبط ؟..
   عبست في استياء .. ما الذي ستفعله الآن .. لا يبدو أن هناك من مخرج .. لكن إن كان المكان هكذا فكيف وصلت هنا بالأساس بل كيف وجدت نفسها في تلك الغابة منذ البداية .. وضعت يدها على رأسها محاولة التركيز وسط كل هذا الارتباك و الخوف .. لكنها لم تفلح و قد أصبحت عصبية فجأة .. و ها هي ذي الآن تسمع صراخ ذلك اللعين يأتيها قريبا جدا من الخلف .. ما لبثت تستدير خلفها متفاجئة حتى أحست يديه على كتفيها تدفعها محاولا إيقاعها في هذا الفراغ المبهم .. لكنها سارعت و تثبتت بطرف الأرض التي كانت و يا للغرابة تسبح في الفراغ ..
   ضحك العجوز بجنون قبل أن يصرخ :" لقد انتهى أمرك ".. ليدوس على يديها بقوة عدة مرات فتنفلت و تسقط و هي لم تتقبل بعد حتى الذي يجري الآن ..

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 07, 2018 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

حلم إيروها - رواية عن الأوتشيها -حيث تعيش القصص. اكتشف الآن