أنت لا تفهم الأمر على حقيقته، أنا لا يخيفني الفشل، ولا يزعجني ضياع المجهودات سدى، ولا يعنيني في نهاية الأمر أن لا أحقق شيئا يذكر، ما هكذا تقاس الأشياء.. هذه مخاوف الأطفال والحالمين.. أما أنا فقد اعتدت ذلك.. لكن ما يرعبني حقيقة، هو اختفاء الرغبة.. هل تعلم ماذا تعني الرغبة لرجل مثلي؟ هل تتخيل أن أستيقظ يومًا ما فأجد تلك النار القلقة في صدري قد انطفأت؟ أو أن يختفي توهج عيني؟ أو أن أنظر إلى الناس والأشياء ببرود وكأنني ثور محنط؟ لا أعد نفسي شخصًا عاديًا.. ولا يهمني كثيرًا أن يراني الناس كناجح أو فاشل.. إن معظم عالمي يدور داخل نفسي.. ومعاركي أخوضها داخل عقلي.. وإن كان الآخرون رضوا بأن تضيع حيواتهم في مقابل القليل من الحديد والخشب والقماش والذهب الأصفر فأنا لم أفعل ذلك.. وإن كانت خطتهم تقضي أن يعملوا كعبيد لأربعين عامًا مقابل أن يمضوا شيخوختهم ممططين كفقمات فوق الأرائك فأنا لم أخلق لهذا.. ولم أسعَ يومًا للحصول على ما يجب الحصول عليه.. بل ما أحب الحصول عليه.. نعم لقد مررت بالحزن.. لكن الحزن لم يكن أبدا كهفًا أعتكف فيه.. بل جسرًا أعبره إلى ما سواه.. وإن كنت قد رأيتني محطمًا وبائسًا في لحظات ما, فلم يعن ذلك أبدا أن البحر الذي في داخلي قد هدأ واستكان.. أو أن الريح التي تعوي في داخلي قد صمتت.. إن الحزن ليس نقيضًا للحياة بل هو جزء منها.. وهل بإمكاننا أن نفرح دون أن يكون عندنا استعداد للبكاء؟ هل يمكننا أن نسعد برؤية مولود جديد دون أن نكون قادرين على الحزن لوفاة عجوز؟ أو هل يفرحنا انتشار شذى الأزهار ولا يحزننا جفاف النهر؟ لقد عشت حياتي كلها ممتطيا حصان الرغبة.. موجهًا بصري لا نحو ما أملك , بل نحو ما لا أملك.. حاملًا قلق الصياد الأبدي في قلبي وعيني.. مترقبًا أن يحدث شيء أو أن لا يحدث شيء.. منصتًا لكل صوت ولكل صمت.. ومحدقًا في كل ما أرى.. ولا يحركني في كل ذلك إلا شبقي.. بالإنسان والأشياء.. لذلك إذا ما رأيتني يومًا ما منطفئًا كموقد مهجور.. أو هادئًا ومستكينًا كساعة حائط.. فلك حينئذ أن تدفنني.. إن انعدام الاشتهاء هو الموت.
ديك الجن.
أنت تقرأ
اقتباسات | .Quotes
Diversosاقتباسات عشوائية. لا أقتبس شيء من الواتباد قطعيّاً جميع الحقوق محفوظة لأصحابها ولا شيء لي هنا.