في صباحِ يومٍ باكرْ..
كان صوتُ حفيفُ الاشجارِ هادئاً...كَأنهُ موسيقى مُتناغِمة..
و زقزقةُ عصافير ..تُعانقُ بعضَها..أو تُقبلُ بعضها البعض..
وكانت رائحةُ الخشبِ الرّطبِ تَعِجُ في ارجاءِ المكانْ..
راحَ الندى يذوبُ شيئاً فشيئاْ...
ونسيمُ الهواءِ كان باردٌ عليلْ...يُداعبُ زُلْفَيّها المنسدلين ..
هناك...
حيثُ ضوء الشمسِ بدأَ يسقطُ في عينيها البُندُقُيتينِ..
وتارةٌ على انامِلِها..اناملٌ بدَت وكأنها شموع ..طويلةٌ ورفيعةْ..
هاي هي ترفعُ رأسَها ..
راقبتْ الشمسَ قليلاً..ثم خرجتْ منها نصفُ ابتسامةْ ..
بدا وكأنّهما يتحدثانِ الى بعضْ..
وكأنّها تقُولُ للشمسِ!..#رسل_جميل
دَعيني أُكملُ قِراءَتي يا شقية!.
ثم نظرتْ في الافقِ..أغمَضتْ عيّنَيّها..
وأخذتْ تتنفسُ بعُمقْ...وتَشِمُ حَوْلَها ..
وارْتَسمَتْ في وجهها ابتسامةٌ ساحرةْ..
اه.. ياالهي .!!
ما تلكَ الغمازتين!!
أهذه غمازتين؟؟..
ام نيزكٌ قد وقع وأثرَ حفرةً بتلك الجمال..
أو إنها قبلةٌ من ملائكةِ السماء كما يقال!!..
رِحتُ اراقِبُها من رُكنٍ قصيٍّ..حتى لا تلحظَ وجودي..
جالسةٌ كأِنّها تَملِكُ المكان..غيرُ مباليةً بأيِّ شيءٍ حوْلِها..
لا اصواتُ الاطفالِ العاليةَ..ولاحتى اصواتُ البواخرْ..
وهي تعبِرُ بالذهاب ِوالإيابْ..
وحتى طائرُ النورس!!..
كان ينزلُ مِراراً وتَكرارا على المصطبةِ حيثُ كانتْ تجلس.
محاولاً لفت انتباهها..
بدا كأنهُ غاضبٌ منها..فهيّ لم تُعِرْهُ ايَّ اهتمام..#رسل_جميل
كانت ترتدي فستاناً اخضراً تملأهُ الازهارُ الصغيرة..
ازهارٌ بكل الالوان..تكادُ تمتَزجُ مع الازهارِ حوْلِها..وتكْتَملُ لوحةُ الطبيعة..
وكانت ترفعُ شعرها بدبوسٍ ذهبيٍ على هيئةِ فراشة..
بدأَ فُضوليَّ يزدادُ شيئاً فشيئاً..
كم ودِدْتُ الاقترابَ اكثر ..
لكني فضلتُ البقاءَ في مكاني..واراقبُ هذا المنظر الساحر..
ياتَرَى مااسمُ الكتابِ الذي بينَ يدَيّْها؟!وعن ماذا يتحدث؟!!..
ِوكأنّهُ بحرٌ متلاطمُ الامواج..وكانت تَغوصُ فيه.
ترفعُ رأسها..تتنفسُ بعمقٍ..ثم ترجِعُ الى اعماقِهْ..
ٌتُبْسِطُ حاجِيبيّْها مرة..ومرةٌ اخرى تُقطِبُهما..
وتزِّمُ شفَتَيّها غضباً...
هاي هيّ تبتَسمُ الان..
ثمَّ تبدو عليها ملامِحُ التعَجُب..
لا!!..بلْ كانت حتى تُغازِلْه!!..
فقد مدّتْ يدَها ازالت الدبوسَ الذي كان يُمسِكُ شعرَها..
إنهالَ شعرَها اسوداً حريرياً طويلاً.
رمَقتُها بطرفِ عيْنِي ..لا اريدُ لفتَ إنتباهِها..
وفجأة!!..#رسل_جميل
ُ شَعِرتُ بالغضب!!..
وكأننِي بدأتُ اغارُ من الكتاب.!!..
فهي ..تلمِسْه بأصابِعِها الناعمةِ تلكْ!!
احياناً كانت تشِمُه!!..واخرى تحظُنْه !!!..
يا الهي!!..
ايُّ كتابٍ محظوظٍ هذا؟؟!..
بدأتُ اكلِّمُ نفسي!!..
لا.. بلْ مِلّتُ نَحوَها!!..لأُراقِبُها عن كثَبْ!!..
تمنيتُ لو كنتُ احدُ الاطفالِ الذينَ كانوا يحومونَ حوْلِها!!..
علّي اقتربُ منها لأَخطُفَ إسمَ الكتابِ..
او اجلسُ الى جانبِها وأُحادِثُها..
بدأت مشاعري تنتفض..مابين فضولٍ واعجاب..
فضولٌ لمعرفةِ إسمُ الكتابِ..وإعجابٌ لأنها سحرتني..
وكأنها الوحيدةُ التي كانت تجلسُ هناك ..
على الرغمِ من إن المكانَ كان مزدحمٌ جداً..
أُريدُ ان اقتربَ اكثر.. وبدأت الرغبةُ بالاقترابِ تزداد شيئاً فشيئا..
ثم وقِفتْ...
مِلتُ نحوها وبدأتُ أشقُ المكانَ مخترقاً كلّ ما يمرُ من أمامي..اطفالٌ ونساءٌ ورجال...
حتى إني اوقعتُ طفلاً وإنهالت عليّة أُمهُ بالصراخِ والشتائم..
ولم اكن مبالياً ابداً ..لااذكرُ ماقالته لي.. لكني اعتذرتُ منها واكملتُ طريقي مسرعاً .
ياالهي !!..
فتاتي قد همّت بالنهوض..!!واستعدت للمغادرة!!..
بدأت المسافةُ بيننا تبتعد..
هي تسيرُ وانا مسرعٌ خلْفها..
بدأت تختفي بين الزُحام..وبدت لي وكأَنها سرابٌ يتلاشى..
فتاتي لم اعرفُ إسمها ولا إسم كتابها..!!
بدأتُ أُبطأُ مسيري..لأني فقدتُ الاملَ بلحاقها..
وفجأةً..بدى الناسُ لي وكأنهم غمامٌ ينقشع..وانكشفَ الطريقُ من امامي ..
تسمرتُ في مكاني..وعينيَّ ترقبُ الافق..
بدأ قلبي يخفِقُ بشدة..ويديَّ ترتعش..
هل ما اراهُ سراباً ام حقيقة؟؟..
وجدتُ فتاتي واقفةٌ تنتظر.!!
لكن كيف؟؟!!..
منذُ متى وهي تلاحظُ وجودي؟؟وكيف عرفت بأني أُراقبها من هناك؟؟
ياالهي ..كيف لم انتبه لذلك؟؟!!
وجدتُها هي من كانت تراقب ولستُ انا؟!#رسل_جميل
إقتربت مني وابتسامةٌ عريضة تعلو وجهها..
احسَستُ وكأن جسدي قد شُلْ.. لستُ قادراً على الحراك..
هاي هي واقفةٌ امامي وتمدُ يدها لي..تَهِم بالسلام معرفةً بنفسها..
لوهلةٍ لم أُصدق عينيّ..ولم استطع ان اردُ عليها السلام..
لكن..
جاء صوتُها مدوياً في أُذني..وكأنها صفعتني!..
مرحباً..كيف حالُك؟؟
اجبت:بخير وانتي؟..
هي:بخير.
سادَ الصمتُ بيننا للحظاتْ ..ثم قلت لها بابتسامةٍ متسائلا:
لكن..كيف عرفتِ بأَنني أُراقبك؟؟..
هي:من النوارس..
انا:النوارس؟؟وكيف ذلك!؟
هي:أجلْ..من النوارس..فقد كانت امامي طوال الوقت وهي تَجوبُ فوقي..
لكن فجاة رأيتها تبتعد وعلمتُ ان شخصاً ما قامَ بإبعادِها او هرِبت منه مفزعة..
عندها لاحظتُ وجودكَ وانت تراقبُني..
انا:هكذا اذن ..طيورُ النورسِ قد فضحت امري..
صمِتُ..ثم قلتُ لها:
لما لا نجلسُ وتُحدثينني عن معشوقٍ بين يديك!؟؟..
هي:ضحكت.. ثم قالت:هي:ضحكتْ ..ثم قالت:اتقصدُ كتابي؟؟..
انا:نعم..فمنذ جلستُ وهو بين يديكِ .. تارةً تُشميه وتارة تَحظُنيه!!؟..
هي:بابتسامةٍ لطيفة:أجل.. افعلُ هذا دائماً مع الكتبِ القديمة.. فهي تستهويني جداً..وأجدُ فيها متعةً لم اعهدَها في كل الكتبِ الحديثة..
ثم انّ رائحتُها بالنسبةِ لي أَعبقُ وارّقُ من ايِّ عطرٍ اقتنيتُهْ..او شمِمْتهُ في حياتي..
انا:هكذا اذن..
وهكذا بدأنا اطرافُ الحديث ..ولم ننتهي حتى غابت الشمس..
ثم نهضتْ وهمتْ بالمغادرة ..
لكن..هل اراكِ مجدداً؟؟!..قلتُ لها وهي تنوي الرحيل..
هي:لا اعلم ..ربما في وقتٍ لاحق..حتى اجدُ معشوقاً اخر اغازله هنا..
ذهبتْ ومضى كلُّ واحدٍ منا في طريقه ..حاملاً معه لحظات لاتنسى ..ومشاعر لم تهدأ..
والغريب من هذا كلِّه..!!
لم اعرف لا اسمُها ولا حتى اسمُ كتابِها!!..
وحتى هي.. فلم تعرف اسمي!!..
كل ما عرفته هو ان فتاتي كانت عاشقةً للكتب...#رسل_جميل