إنعاش بعد فوات الأوان

الجزء الأول (على وتيرة واحدة)

    "لا تدخلي قلبي إن كنتِ لا تحتملين عواقب الحب."

نظرتْ بسمة لي نظرة مليئة بالحيرة والتساؤلات. فتابعتُ قائلا: "إن كنتِ ترفضين الهمّ والحزن والشوق والحيرة والخوف, فأنا أقول لك من الآن ارفضيني وبسرعة."

لم يُعجبها ما قلتُه, فظهرت تلك التقطيبة الجميلة بين حاجبيْها وقالت: "ما هذا الحب الذي ليس فيه شيء جميل؟"

ابتسمتُ ابتسامة جانبيّة وقُلت: "هه, ومن قال لكِ أنه يخلو من الجمال؟ فهناك الأمل والدفء والحنان والاحتواء والتفاهم والاكتمال."

أمسكتُ يديْها الدافئتين بكلتا يديّ الباردتين كالثلج وطبعتُ قبلة سريعة عليهما فطار عقلي وتأوّهت روحي من رائحة الياسمين على

 يديها. أغمضتُ عينيّ وأخذتُ نفَسا آخر منهما ثم قلت: "إنّ الحب يا صغيرتي له وجهين كالقمر. وجه مضيء وآخر مظلم. فهل أنتِ

على استعداد لتقبّله بكلتا جانبيْه والوقوف معي جنبا إلى جنب في هذه الرحلة الطويلة؟"

أجابت بسرعة: "نعم, إنّي مستعدة."

ثلاث سنوات من الحب الصادق القويّ المليء بالأحلام السرمدية.

تخرّجنا من الجامعة. وبعد تسعة أشهر من التخرج. تزوّجت بسمة من ابن خالها...!

فقدتُ إيماني بالحبّ وبالأنثى. كثُرت ديوني, اختفى أصدقائي, مات أبي. والآن أنا في الثلاثين من عمري. ما زلتُ أسكن مع أمي وأخي

الصغير الذي أصبح شابا ودخل الجامعة. ومازلتُ أستدين النقود من أمي إذا أتى العيد وأردتُ إعطاء بعض النقود لأبناء أختي كعيديّة!

صحيح أني تخرجت من الجامعة بتقدير امتياز في مجال الهندسة. لكن ولأني لم أجد عملا في مجالي رغم بحثي المُضني لمدة أربع

 سنوات واكتسابي لقب (عاطل) بجدارة, فقد قبلت بعملي هذا في شركة صغيرة تقوم بالحسابات براتب ينتهي في اليوم الثالث من الشهر. قدّمتُ على الفيزا لعدّة دول أجنبية هربا من وضعي المُزري لكن قوبلتُ بالرفض الدائم - يبدو أنّ جذوري مستأصلة جدا بأرض الوطن وتأبى الانتزاع - !

مات زوج أختي الأربعيني بحادث سيارة, فانتقلتْ أختي للعيش معنا برفقة أولادها الثلاثة وجنينها الذي شارف على الخروج إلى الحياة. وهكذا اضطررتُ إلى أن ألبس بنطالا أسودا وقميصا أبيضا بربطة عنق حمراء, وأن أتدرّب على موازنة أكواب النسكافيه والكابتشينو في الصينيّة بِيَدٍ واحدة. هذا هو عملي الإضافيّ في كافتيريا حتى الواحدة صباحا.