رصاصة في قلب غصن الزيتون

74 10 1
                                    

كأنني أشتم رائحة حريق يشتعل في أشجار الزيتون

ليلة رأس السنة .. هي تلك الليلة الآن

تلك الأمسية الهادئة .. الكل حولي كانوا يودعون العام بالكثير من الآمال .. رغم أن الحرب في الحقيقة توحد جميع الأحلام في حلم النجاة .. صدقوني عندما أقول لكم أنني لا أعرف معنى ذلك لأنني بالكاد أكملت العاشرة ، أنا فقط سمعت تلك الكلمات من أبي
إنها نهاية الزمان بالنسبة لي و كان حلمي فقط الذي رافقني طول حياتي أن أكبر ..
صغيراً لا يمكنك أن تتحمل أن يكون الجميع أكبر منك ..أشارك أختي الكبرى الغرفة متمنياً من أعماقي في يوم ما أن تتجوز لتخلوا لي الغرفة
لكنني أتناسى كل ذلك لأحلم .. تحت دفء غطائي القديم مستيقظاً منتظراً تلك اللحظة في العام القادم الهدوء يعم المكان علي غير العادة بدأت أتفحص الأحلام التي يمكن لطفل في العاشرة أن يحلم بها في العام 1947 - 1948
لكن النهار بزع فجاً بشروق شمس كالغروب صفراء متوهجة .. إنها نيران إحتراق ..
كأنني أشتم رائحة حريق يشتعل في أشجار الزيتون
و أصوات الصراخ تشكل فوضي مخيفة .. لا تميزها صرخات إستغاثة أم هي صرخات تحذيرية
إنه الفزع .. تلك المرحلة التي توقف الزمن محاصراً روحي البريئة فيها ..
لا تعرفون ذلك الشعور بالتأكيد لكنني أخبركم أنه يتخطي الخوف بمراحل ضخمة..الفزع ..القلوب الصغيرة لا تحتمله .. لتنتفض بقوة و ترتعش أطرافك بقوة تماثلها و تقف شعيراتك و تشيب لأنك جبان خائف .. لأنه المجهول ..
تلك اللحظة التي إقتحم فيها المنزل جماعة من الكلاب الضالة المصعورة
تحتمي و تُكشِّر عن أنياب ليست لها ..
إنهم رجال فقط خلف بنادقهم .. و رجال فقط بها حين يواجهوا بها مدنيين عزّل
إقتحموا باب الغرفة لأري خلف الباب أبي ساقط علي الأرض يحاول النهوض ليباغتوه بالمزيد من الرصاصات و أختي تصرخ
و أنا أقف مفزوعاً أمام نهاية العالم تلك .. بالطبع إنها تمثل نهاية عالمي
و لكن توقفت بنادقهم و بدأوا يبتسمون
يبتسمون و ينظرون لأختي .. و في تلك اللحظة توقف الفزع بداخلي كنار إنطفأت فجأة .. باغتتها شجاعة في داخلي
لم أتوقعها أن تكون كذلك لكنها كانت متأصلة في عِرقي من الأساس .. إنها شيء في صميم تكويني .. تقاوم غريزة البقاء التي تعرفها الفطرة الحيوانية .. فإندفعت
إندفعت لأدافع عن أختي من نظراتهم فتوجهت إليّ رصاصاتهم
ذلك الوابل الذي خطف النور من عينيّ ..

كيف تعرف أنك ميت !؟! .. هل هذا هو الموت الذي أمر به .. يموت الشجعان في النهاية .. إنها اللحظة الأخيرة قبل إنقطاع الضوء عني
توقف الزمن حولي في النهاية .. أم أن تلك اللحظاات أطول من حياتي
و كأنني أرى حياة بسيطة فارغة من أي شيء يعكر براءتها ..
توقف الزمن أمام عيني أري أبي ينزف و لا أعرف ماذا حلّ بأختي هل ستموت مرة واحدة مثلي أم ستموت أكثر من مرة .. ماذا حل بأمي
لكنني تساءلت أيضاً هل دائماً يموت الشجعان ..
لكن إذا مات جميع الشجعان .. ماذا سوف يحدث هل ستتفحم أشجار الزيتون .. لا لايمكن أن يموت جميع شجعان العرب قبل إنتهاء تلك الكلاب
بل الشجعان لا يموتون من الأساس .. إنهم يستشهدون
و الشهيد لا يموت
الموتي هي تلك الكلاب .. لكنني أتساءل متي ستموت
بالتأكيد لن يأتي الصباح عليها إلا و العرب جميعهم مجتمعون عليها
و ستنتهى ذكراهم
إنه القدر .. وليس حلماً وردياً يحلم به طفل في العاشرة
و أعلم يقيناً أن أشجار الزيتون لن تظل تحترق طويلاً

رائحة إحتراق الزيتونحيث تعيش القصص. اكتشف الآن