(بقلم : نهال عبدالواحد)
مرت أيام و زينب تقيم مع ندى في بيتها و سيف وحده في شقته، تذهب أمه وتعود إليه وأحيانًا يجلسون معًا لتناول الطعام ربما ينجحا تلك المرة معها وتأكل وتعود للحياة من جديد.
كانت ندى تجاريهم بمرارة و أحيانًا أخرى تشرد منهم، وذات يوم جاء سيف عند ندى وكانت زينب معها، فأهدرت زينب: إيه يا حبيبي ناقصك حاجة أجهزهالك؟
أومأ سيف مردفًا: لا يا أمي همشي دلوقتي، أنا مسافر يا ندى.
تسآلت ندى بحنين: هتغيب!
أجاب سيف بإبتسامة: حسب التساهيل، دعواتكم.
تابعت ندى: ربنا يوفقك ويرجعك بالسلامة إن شاء الله!
قالت زينب: يارب يحميك يا حبيبي ويكفيك شر طريقك وشر ولاد الحرام ويرجعك سالم غانم يا قادر يا كريم!
قبّل سيف يدي أمه، التفت لندى واستطرد: ندى، قبل ماامشي عندي شوية كلام.
فذهبت معه وجلسا جانبًا.أكمل سيف: طبعًا كان تم التحفظ على كل ممتلكات يوسف وكنت بعمل محاولات عشان أرجعلك بيها فلوس والدك، وأخيرًا المحاولات تمت بنجاح ولسه الفلوس متحولة و حطيتها ف حساب بإسمك، اتفضلي ده رقم الحساب.
أومأت ندى بامتنان: ألف شكر ليك ولتعبك معايا، ياريت كان ينفع يرجعوا هم كمان...
وبدأت في البكاء.تنهدت زينب قائلة بحزن: لا حول ولا قوة الا بالله! جرى إيه يا ندى! أجلهم كده يا حبيبتي الأعمار بيد الله، مالناش حاجة ف نفسنا، والحمد لله إنك رجعتي بالسلامة.
تابعت ندى وسط شهقاتها: برضو أنا السبب.
فاقترب منها سيف وضمها إليه برفق ثم قال يرفع وجهها إليه: كفاية يا ندى، ماتحمليش نفسك فوق طاقتها هم ما كانوش زعلانين منك، كانوا زعلانين وخايفين عليكِ، حاولي تفرحي وتحسي بطعم الحياة.
قالت ندى: أنا آسفة، والله غصب عني.
فمسح دموعها بيده ثم قال مبتسمًا لها: وعشان كده اتفضلي يا ستي.
عقدت حاجبيها وتسآلت: إيه دول؟!
- فاكرة السنتر اللي كنتِ بتاخدي فيه كورس زمان؟
أومأت مجيبة بتهكم: آاااااه، لما كنت عايزة اشتغل معاك.
- مظبووووووط!
- إيه هتغامر و تخليني أتدرب تاني ولا إيه؟
- عشان نبقى صُرَحى مع بعض، أنا كنت عارف م الأول إنك مش هتنفعي، بس كنت بقول يمكن تحصل معجزة ولا حاجة، لكن طبعًا حتى لو حصلت المعجزة دي فلأ وألف لأ، مش متصور إنك ف مكان وهتتعرضي لخطر، وممكن ما بقاش معاكِ وابقى ف حتة تانية فمش هعرف اشتغل، وحتى لو معاكي، وجودك بصراحة بيشوش على دماغي.
فضحكت.تابع بابتسامته المعهودة: أحلى ضحكة دي ولا إيه! وحشتني الضحكة الحلوة.
فسكتت في خجل، ثم أكمل متابعًا: طلعت مهمات كتير وقليل وأصعب وأخطر من كده، وعمري ما اخدت الوقت ده كله، ربنا ما يعيدها أيام!
- يارب!
- مش متخيل يحصلك حاجة، مش متخيل تروحي مني، شوفتي! كنت هنسى المهم، السنتر ده كان طالب تيتشرز، وده ميعاد الإمتحان و الإنترفيو، فسيادتك هتذاكري بإستماتة ف كل الحاجات دي عشان تروحي الإمتحان ده وإن شاء الله تنجحي و يقبلوكِ، ندى! إنتِ محتاجة تخرجي برة الحيطان دي، مش بس حيطان البيت، حيطان الحزن اللي محاوطة نفسك بيها، اخرجي واشغلي وقتك، عيشي ف الحاضر مش الماضي، بصي لمستقبلك، كفاية باب الماضي ده اقفليه، الباب ده بيتفتح كل فترة لما نحن للغاليين اللي فقدناهم، لما نحب نعرّف أد إيه اتغيرنا، كنا إيه وبآينا إيه!
- حاضر هحاول...
- لا هتقدري، عايز أرجع ألاقي ندى، ندى المعدلة، اللي بتتعلم من أخطائها من غير ماتنهزم ولا تنكسر.
- تفتكر!
- إن شاء الله! ولينا كلام تاني لما ارجع إن شاء الله، مع السلامة.
وأمسك يديها وقبلهما، نظر في عينيها بعمق وقال: لا إله إلا الله!
أجابت بنفس نظرة عينيه: محمد رسول الله!
ووقف وسلم على أمه وانصرف.سافر سيف وجلست ندى بالفعل تذاكر، تجتهد وبالفعل ذهبت للاختبار و اللقاء الشخصي، قد اجتازتهما بنجاح وعملت كمعلمة للغة الانجليزية و استمتعت بالعمل كثيرًا، بدأت تشعر بكيانها.
استطاعت الخروج من تلك الحالة التي سيطرت عليها لفترة، كانت زينب لا تزال تعيش معها فكل منهما تجد ما ينقصها في الأخرى فندى تحتاج لأم بجوارها تؤنس وحدتها وتحكي معها، زينب تحتاج لإبنة تؤنس وحدتها خاصةً مع غياب سيف، كما أن زينب كأي أم تحتاج لإبنة في حياتها.
بمرور الوقت صارت ندى تناديها (ماما) وذلك أسعدهما كثيرًا وكانت زينب تدعو كثيرًا أن يجمع الله بين ندى وسيف فهي تعرف منذ زمن كم الحب بينهما وكانت ندى من حين لآخر تصعد وتجلس على سطح البيت تشتم الهواء، تحن إلى ذكريات قديمة، تحن إلى سيف، ذلك القلب الذي أحبها وتفانى في حبها، أنقذها من أوجاعها ومن مصائب كادت ستقع بها، ظل معها حتى عاد بها إلى هنا، الجميع قال أنها ميتة لا محالة إلا هو، وثق بشدة أنها ستنجو ولا يعلم كيف وثق هكذا، إنها الثقة في الله وحسن ظنه به، ولازال يساعدها لتسترد أموالها وتسترد نفسها، وههي الآن بدأت تشعر بعودة ندى للحياة من جديد، وعودة قلبها ينبض بإسمه من جديد، أجل لا زالت تحبه، بل لم تحب غيره، فهو الحب الأول و الأخير.
وذات يوم بينما ندى جالسة على سطح البيت تستنشق الهواء، ذلك الهواء الذي يداعب شعرها بهيئة جذابة تزيدها جمالًا.
وإذا بصوت يأتي من خلفها :ندى.... ندى...!!!
NoonaAbdElWahed
أنت تقرأ
(حبي الأول و الأخير ) By : NoonaAbdElWahed
Mystery / Thrillerالعمر ليس كله ربيعاً تتناوب عليه فصول السنة الأربعة فتلفحك حرارة الخيبات وتتجمد في صقيع الوحدة وتتساقط أحلامك اليابسة لكن حياتك ستزهر مجدداً لكن بعض البشر لا تفهم فتحتاج لدرس قاس وصفعة قوية ربما تفهم يوماً ما. -أرجوكي اسمعيني. =لا عايزة أسمعك...