على قيد الأمل💛

145 4 3
                                    

سيارةٌ على حافّة الطريق ذا الليل المقمر تسير بعائلة ، ها قد ظهرت تلك الطويلة بثلاث عيون نعم .. إنها إشارة المرور ، وقد اصطفت السيارات عند مشاهدة الضوء الأحمر وكانت ضمنها تلك السيارة ، هاه .. تلك الابتسامة الغامضة التي تظهر من شباك السيارة المتعرق لشدة البرد ، فتاة شقراء بعيونٍ لامعة وأهدابٍ منعنسة ، فتاة الثامنة عشر من عمرها ،فتاة القوة والأمل ، فقد اندثرت وسط كل الحشد في داخل هذه السيارة ، كخاتمٍ من الألماس في علبةٍ وسيمة ، لكن ! انزاحت عن مخيلتي لحظة انبعاث الضوء الأخضر من تلك الطويلة .. وهنا الكارثة ..
فكانت الانطلاقة تلك ربما هي انطلاقة الجحيم ، فسرعان ما اصطدمت السيارة بشاحنة هائلة وسط المدينة الملعونة والحشود الكبيرة ، سرعان ماغاب ذاك الصوت الهادئ و أصبحت المدينة في صخبٍ هائل من العويل و الصراخ والويلات الكثيرة ، سرعان ما غاب ذاك الوجه الطفولي و الحركات البريئة ، سرعان ما انطفأت شمعة الكنيسة و بخور الجوامع ، لهذا الحدّ كانت المكابح قاسية حتى تقود تلك الجميلة إلى جحيم !
وماذا عن السائق المخمور الذي لاذ بالفرار لحظة وقوع الكارثة !؟
فعند اصطدام السيارة بتلك الشاحنة كان ضوء الشاحنة هو الضوء الاخير الذي شاهدته الفتاة بعينيها فقد فقدت بصرها ، وقد شُلّت وصار الكرسي المتحرك جزءاً من جسدها وتعويضاً عن قدميها ، فلحظة وقوع تلك الحادثة رميت الفتاة أرضاً و غابت عن وعيها وهي غارقة بالدماء بالكامل لكن ! هي المتأذي الوحيد ، لم يطال أفراد عائلتها سوى بعض الرضوض و الجروح السطحية ، وعندها قد أحاط بها العديد من الناس ومنهم شاب يرى حادثاً لأول مرة .. ما إن اقترب ذاك الشاب إلا وانهال بكاءً عليها، ماذا عنه ؟؟
اها إنه صديقها المقرب،فقد حملها مسرعاً لإنقاذ حياتها لكن تلك الحركة العشوائية هي التي شلت حركتها ، ركب سيارة أجرة و قال بصوتٍ يملؤه الحزن "إلى المستشفى بسرعة "
لم يفتر فمه عن الدعوات و التضرع .. أصبح يتأمل بوجهها المغطى بالدماء.. أين هي تلك الابتسامة الرقيقة ! افتحي عيونك لأطل منها على عالمٍ رائع .. ابقِ معي أو خذيني معكِ ، صديقتي كوني قوية كما اعتدت أن أراكِ .. و عاود التضرع ..
وصل المشفى وتم أخذها .. وكان الوضع مأساوي ، تمت إقالتها لغرفة العناية المشددة على سريرٍ كادت عجلاته أن تنكسر لسرعة الجري بها ، فعندما دخلت العناية كانت الغرفة تلك التي قضت بها سبعة أيام لم تفتح عينيها وغاب صوتها وضحكتها ، لكن لم يغِبْ صوت ذاك الجهاز الذي يدل على أنها مازالت على قيد الحياة ، وفي أيامها هذه في كل يوم كان يزورها الاصدقاء والأهل ، في اليوم السابع انجلى غمام الخطر عن تلك الناعمة ، لكن النتيجة محتومة قد شُلت أطرافها السفلية و أصبحت عمياء تماماً ، وفي المرحلة التالية دخلت الغرفة الخاصة بها في ذاك الجناح اللعين المقفهر الخالي من العافية بل إنه المكتظ بالأوبئة ، عندما فتحت عينيها لم ترَ شيئاً
صوت خافت ينبعث من عمقها بخوف "أمي .. أبي.. أشعلو الإنارة .. لما كل هذا الظلام ! "
ذاك التساؤل الذي ضرب قلب من حولها بإعصارٍ مدمر ..
وفي تلك اللحظة المناسبة دخل الطبيب ليجيب عن ذاك التساؤل الذي بات معلقاً وليس له إجابة
الدكتور "صباح الخير جميلتي ..صباح الخير لفتاتنا القوية .. الحمدلله على السلامة .. عزيزتي "
الفتاة خافت أكثر و أعادت السؤال مرة أخرى
الدكتور "عزيزتي من الآن فصاعداً سترين ظلاماً فقط لكنك ستكونين النور لهذا الظلام "
الفتاة "هذا يعني أنني عمياء ، لن أستطيع أن أرى شيئاً في الأيام المقبلة ، لن أذهب للجامعة بسبب اقدامي التي أقعدها القدر وعيوني التي لن ترى النور، أصبحت كائناً لا ينفع ، أين أحلامي التي أودعتها في العمل و الدعوات ؟ هه .. إنها لسخرية ، كل شيءٍ أصبح هباءً منثوراً ، فعن أي نور سأكونه للظلام أنا !؟ "
الدكتور "نعم .. أنتِ ستكونين نور الظلام ، فالظلام لم يسيطر على عينيكي فقط بل إنه سيطر على حياتك ، إلا أنك قادرة على إنارته ، فلولا العتمة لما كان هناك المسمى بالنور او الضوء "
الفتاة "فهمت .. لا أحد سيشعر كما أشعر .. لذلك أخرجوني حال شفائي فوراً "
وبعد خروج الفتاة من المشفى إلى البيت لم يتركها أصدقاؤها بل أنهم كانوا يزورونها بشكل دائم ، وذات يوم أتى صديقها الذي حملها و أقلّها للمستشفى وجلب لها بعضاً من الزهور الجميلة .. دخل غرفتها ..
كانت تجلس على الكرسي المتحرك بنظراتٍ بائسة ،
الفتى "صباح الخير ! كيف حال قطتي ! هااا هي الزهور لزهرتي الصغيرة .."
انتشر الصمت في أرجاء الغرفة لثوانٍ كاد دمع الصديق أن يتفجر .. إلا أنه تماسك
ردت عليه بسخرية "الزهور لزهرتي الصغيرة ! هه ..
انتبه جيداً فأنا لا أحب الشفقة من أحد .. و هل ترى زهرتك الصغيرة أنها بحالة تستطيع رؤية تلك الزهور !! هذا هراء يا صديقي "
خيّم الصمت المكان مرة أخرى ..
الفتى من هول صدمته كان محدقاً بها كطفلٍ سلبت منه الحياة أبويه او اغلى مايمتلكه .. و لم يتماسك في هذه المرة.. فأجهش بالبكاء ووضع رأسه في كلتا راحتيها .. وقال
"أيمكن للروح أن تشفق على نفسها ؟ .. أتيتك لأرى وجه الشمس المشرق ، لأرى من كانت أنيسة ليلي و ندى صباحي ، أتيت لأراكي "
فما استطاعت الصمود بعد ، مسحت على رأسه برفقٍ وقالت "ابقَ معي ، وخذني إليك او خذني معك ، ليس لي سواك .. ولا تصدقني في أي كلام أوجهه لك "
فكانت تلك الفتاة تعتبر أي لطف من أحد تجاهها شفقة ، نظراً لحالتها السائدة .. لكن ! هناك شخص واحد تثق به ، وهو صديقها نفسه و اسمه عُمَر أما بالنسبة لها فتدعى أمل ..
كان دائماً يأتي ليكون مرافقاً لها و يخفف عنها لتخرج من دائرة الصدمة هذه ..
ذات يوم جلسا على طرف نهر وسط حشدٍ كبير من العصافير و الاشجار ..
عمر " أمل .. ماذا عن الحلم ؟"
أمل "حلم ماذا ! هل جننت !! هههه أنا مشلولة الاطراف وعمياء وتقول لي حلم "
عمر "أمل .. أين هي كاتبتي المبدعة !! أين الفتاة القوية التي تريد أن يكون لها كتاباً باسمها !من الذي سيقف أمام الجمهور ليسمعنا كلماته العذبة ، أنسيتي !"
أمل "لم أنسَ يا عمر لم أنسَ إلا أنني أتناسى ، كيف يمكن للمرء أن ينسى حلمه الذي أصبح جزءاً منه !.. إلا أنني سأثير شفقة الجمهور .. فهل يا ترى سيصفقون لجمال حروفي ، أم أنهم سيشجعونني لأنني بهذا الوضع .. ههه.. لا أريد شفقة او تعاطفاً من أحد "
عمر " بإستطاعتك فعل المستحيل وتحويله إلى حقيقة ، أمل هل هناك أجمل من اسمك ! فتاتي الجميلة .. مازال في الحياة متسع للحلم و النجاح .. مازال هناك أمل و مازال هناك أنتِ .. و اعلمي صديقتي أنني دائماً سأكون إلى جانبك في أي شيءٍ تريدينه ، لكن ! أرجوكي كوني أنتِ و أثبتي للناس من هي أمل 👌"

أمل " من هي أمل !؟ " قالتها بتساؤل عميق و تفكير دقيق
عادت و قالت من جديد " نعم يا عمر ، إنها أمل ، ستعود من جديد ، لن أسمح لعلّاتي أن تقعدني لأبقى فريستها ، القوة ستولد من جديد وأنا سأولد من جديد "

و بعد هذا بفترة أصبح عمر يلازم أمل في أوقات فراغه و يكتب ما يجول في خاطرها من قصص و نثر وشعر ، ويقرأ لها بعضاً من الكتب و الروايات
فقد كان عمر الأقرب لها حتى من عائلتها
وفي إحدى الأيام بعد مضي سنة ونصف أُعلن بدار نشر عن مسابقة للكاتبين بأن يقدّموا أبياتاً شعرية عن مفهوم السعادة و الفائز سوف تتقدم دار النشر بطباعة لكتابٍ من تأليفه و نشره في مكتبات البلد والتكريم
وهنا جاءت الفرصة ، وما كان لأمل الا أن اغتنمتها، سارعت بالتقديم لهذه المسابقة فهي في الايام الماضية كانت قد ألفت كتاباً بعنوان "على قيد الأمل"
وهنا سارعت لنظم أبيات شعرية من أجل المشاركة ، و كالعادة كان عمر إلى جانبها فقد دعمها وساندها
حان موعد المسابقة دور من ؟؟
دور أمل ..
قد اصطحبها عمر بكرسيها إلى خشبة المسرح كي تقدم شعرها الذي دوّنه عُمر نقلاً عنها و حفظته كي تقدمه غيباً أمام الجمهور .. وهنا استرقت أنظار الجميع بشكلها .. فتاة مشلولة وضريرة تكتب شعراً وتشارك !! فقد بدت علامات الذهول على وجوه السامعين .. !!
بدأت أمل في إلقاء كلمات شعرها العذبة و قد توقفت عند البيت الأخير جعلها تذرف دموعها دون توقف
"فقدتُ قدماي في وغى الشلل
                                   ولم أفقد بصيص الأمل "
وهنا أمسكت بيدي عمر الدافئتين و قالت بصوتٍ جوهري قوي على سمع الملأ " الآن انتهى شعري ولكن كلماتي لم تنتهِ بعد.. فالحياة أمل وعمل "

وقف الجميع و صفقوا بحرارة .. و بعد التصويت قد فازت أمل .. و قد طُبِعَ كتابها و نُشر و تكرمت على خشبة دار الأوبرا بحضور عدد من الكتّاب و المسؤولين ..
وككلمة أخيرة لأمل عند تكريمها
قالت
" في الحياة لابدّ من الفشل أو الانهيار
لكن دائماً هناك الشخص الذي يكون بقربك .. يساندك.. يكون بمثابة ظلك..
يدفعك لترتقي بحلمك .. شخص وحيد سيكون وفياً صادقاً .. شخصاً يجعلك سعيداً في وضعك التعيس .. فالحياة لا تعطينا شيء مما نحب بل إن من نحبهم يعطوننا كل الحياة .. فلا تستسلموا ، وكونوا بمثابة الاعصار .. انتزعوا أحلامكم مهما كان وضعكم وكونوا على يقين أن هناك أمل .. والآن أقول من هي أمل ! *أنا أمل وأنا الأمل*
وأتقدم بخالص شكري وحبي لصديقي عمر الذي كان ظلي في كل زمان ومكان .. لك الحب .. دمتم بخير "

🎉 لقد انتهيت من قراءة على قيد الأمل 💛 🎉
على قيد الأمل 💛حيث تعيش القصص. اكتشف الآن