قصة "وعد بالنسيان"
بقلم عبدالرحمن احمدكان ذلك اخر ما قاله لى اخى الصغير قبل ان يُقتل امام عينى ، كانت كلماته حبلاً يلتف حول رقبتى ، لا استطيع الهرب من نبرة صوته التى لا تريد ان تغادر رأسى ، كان يستنجد بى قائلاً :
- اخى !! هل سنموت ؟
لم استطيع سماع تلك الكلمات فنطقت بعينان دامعتان :
- ان الله معنا ، لا تخف اخى سنكون بخير
كنت انطق تلك الكلمات وانا اسمع صوت اطلاق النار فى كل مكان ، كانت النهاية ، كل ما اريده فقط ان ابقى اخى فى مأمن واضحى بنفسى ولكن حدث ما لم يكن متوقعاً ..
كنت اضم اخى خوفاً عليه من الموت ولكن اتت الرصاصة من حيث لا ادرى واستقرت في جسد اخى وتوقف صوت اطلاق النار وكأن اخى هو الهدف ...
صرخت بكامل صوتى باكياً
- اخى لا تتركنى ، لقد وصتنى امنا بأن اكون كل شئ لك وان احافظ عليك ، لا تتركنى
نطق اخى الصغير بضعف شديد :
- الان سأذهب الى امى وابى ، سننتظرك معاً
والتقط انفاسه الاخيرة واغلق عينيه معلناً وفاته ...
كل ما فعلته هو البكاء والندم ، الندم على طريق اتخذته منذ البداية ، طريق نهايته الموت او الموت ولكن لم اكن اعرف خيار موت اخى لذلك كان هذا بمثابة الصدمة ...
***
اشرقت الشمس معلنة عن امل جديد للبعض وخيبة امل للبعض وافاق حسام وقام بالاستحمام وخرج من غرفته التى يعيش بها بحثاً عن العمل .
وصل حسام الى مكان كبير وملئ بالرمال الكثيفة وبعد حوار مع احد الأشخاص اتجه ليحمل الرمال وينقلها الى داخل احد الفيلات التى تُبنى وظل على هذا الوضع طوال اليوم وفى النهاية استلم اجره من صاحب العمل ورحل ، رحل وهو يتألم بشدة بسبب عمله طوال اليوم ، اصبح ظهره يؤلمه بشدة ولكنه مضطر الى ذلك .
وصل حسام الى المنزل الذى يسكن فيه ولكن اوقفه مالك القهوة التى تقع امام المنزل ، اوقفه بهدوء قائلاً :
- امازلت تريد هذه الحياة الصعبة !! امازلت ترفض العمل معى ؟
ابتسم حسام ثم نظر الى الارض وعاود النظر الى كارم قائلاً :
- اعمل معك !! اعمل فى تجارة المخدرات ؟ ، انا لا اعلم لما انا ، لما اخترتنى من بين الجميع
ابتسم كارم قائلاً :
- لان لك سابقة فى هذا العمل ، اتتذكر !!
شعر حسام بالحزن ونظر إلى الارض قائلاً :
- نعم اتذكر ، كما اتذكر موت اخى الصغير بين يدى ، اتذكر جيداً لذلك عاهدت نفسى وعاهدت الله ان اتغير ، وعدت امى وابى واخى في قبرهما ان اتغير ... كان هذا وعد بالنسيان .. نسيان ما مضى وبداية سطر جديد فى تلك الحياة
صمت كارم لوقت قصير ثم نطق قائلاً :
- لم يعد فى حياتك شئ حتى تعمل بشرف من اجله ، انت الان وحيد وخسرت كل ما تملك ، خسرت اخاك ، خسرت اموالك ، خسرت منزلك واخيرا خسرت حبيبتك التى طالما احببتها وطالما خططت للزواج منها
ابتسم حسام مرة اخرى ثم نطق قائلاً :
- انا من تركت حبيبتى وانا من ابتعدت عن جميع الاماكن التي قد تجدنى فيها لانى لا اريد ان اجعل حياتها جحيماً ، انا اعلم انها تبحث عنى ولكنها فى النهاية ابنة هذا القاتل ، القاتل الذى تسبب فى مقتل اخى بسبب تركى العمل معه ولكنى اعلم ان لا ذنب لها فى ذلك
وضع كارم يده على كتف حسام قائلاً :
- سأنتظر منك تغيير رأيك ، اعلم انك ستوافق فى النهاية
ابتسم حسام ثم دلف الى داخل المنزل دون ان ينطق بكلمة واحدة وظل طوال الليل يفكر فى ما قاله كارم ثم خطر بباله شئ ....
مضى اليوم واشرقت شمس يوم جديد واتجه حسام الى الاسف ووصل الى القهوة ليجد كارم الذى وقف عندما رأى حسام يتحرك بأتجاهه
نطق كارم قائلاً :
- ارى ان لديك شئ لقوله
سارع حسام فى الرد قائلاً :
- اقنعنى حديثك بالامس وانا الان على اتم الاستعداد للعودة إلى عملى القديم
ابتسم كارم قائلاً :
- الان لنتحرك الى داغر ، انه ينتظرك بشدة وينتظر اليوم الذى تعود فيه الى العمل معه مرة اخرى ...
تحرك حسام بصحبة كارم واتجها الى قصر كبير واشار كارم الى احد الحراس الذين يتواجدون فى كل مكان ففتح له الباب وكان بأنتظارهم شخص تظهر على وجهه علامات الفرح والسرور فتوجه حسام اليه بخطوات هادئة ليقف امامه ...
وضع داغر يده على كتف حسام وضغط بسعادة قائلاً :
- كنت اعلم انك ستعود
ابتسم حسام قائلاً :
- اصبحت حياتى صعبة منذ تركى للعمل وخسارة اخى ، لم يعد لى شئ لكى اشقى فى سبيله كما اننى تذكرت سلمى وحبى لها
اصطحبه داغر الى الداخل ثم وقف ونظر اليه قائلاً :
- سيكون حفل زفافكما الاسبوع القادم ، هل انت سعيد الان ؟
ابتسم حسام قائلاً :
- نعم سعيد ، هل من الممكن ان اراها !!
اجابه داغر قائلاً :
- بالطبع ، ستجدها بأنتظارك بالاعلى ، عليك بالمحاولة معها فهى تكرهنى بشدة .. لتقل لها شيئاً
حرك حسام رأسه بالموافقة :
- سأحاول معها ...
صعد حسام للأعلى ليجد سلمى بأنتظاره فضمها بشوق شديد
نطقت سلمى بحزن شديد قائلة :
- ما الذى جعلك تعود مرة اخرى ؟
تعجب حسام من سؤالها فنطق قائلاً :
- ظننت انكِ سعيدة بعودتى !!
حركت سلمى رأسها بالرفض قائلة :
- انا سعيدة بسبب عودتك لى ولكن حزينة انك عدت للعمل مع ابى مرة اخرى ، عدت للعمل الغير مشروع ، للتجارة الفاسدة .. لقد اصبحت من رجاله وانا لا اريد ذلك الطريق لك ، انا اكره ابى بسبب هذا العمل وبسبب قتله دون وجه حق وكرهته اكثر عندما علمت بما فعله بأخاك ، انا لا اريدك ان تعمل معه ، دعنا نهرب ونرحل من هنا ، دعنا نذهب الى مكان بعيد حيث لايعرفنا احد
نظر لها حسام بحزن قائلاً :
- سيجدنا اباكى ، لو رحلنا سيجدنا بلا شك ... اود ان أسألك سؤال يتردد فى رأسى
تعجبت سلمى وحركت رأسها مستفهمة :
- ما هو هذا السؤال ؟
اجابها حسام قائلاً :
- لو أُتيحت لي الفرصة لقتل اباكِ هل سيجعلك هذا تكرهيننى ؟
حركت سلمى رأسها بالنفى قائلة :
- لو أُتيحت لك الفرصة لقتل ابى فأقتله ، انا اود الانتقام منه ، لقد كان سبباً فى موت امى وتدمير حياتى ، لا يكره احد اباه مثل ما اكره انا ابى
امسك حسام يدها قائلاً :
- لا اعلم ماذا افعل ، حاولت الابتعاد عن هذا الطريق كثيرا ولكن فى النهاية وصلت الى هنا مرة اخرى ، لا اعلم هل عدت لأراكِ ام عدت لكى انتقم لأخى ام عدت لأنتقم لنفسى ام عدت لأسير على دربى القديم ، انا فى حيرة من امرى
ابتسمت سلمى قائلة :
- افعل ما تراه صواباً ولكن حاول انت تكتسبنى ولا تخسرنى
نظر حسام اليها لبعض الوقت ثم تركها ونزل الى الاسفل ليجد داغر وكارم يضحكان بصوت عالٍ وانتبها لنزول حسام فصاح داغر قائلاً :
- حسام ، اقبل الى هنا ، اشتقت لحديثك الذى طالما اضحكنى وطالما افادنى
لم يتحرك حسام ونطق قائلاً :
- لماذا قتلت اخى الصغير ؟
ابتسم داغر قائلاً :
- لأننى احتاجك وكنت اعلم انك ستعود والطريقة التى ستعيدك تتضمن قتل اخاك
انهمرت دموعه قائلاً :
- ولكنه ليس له علاقة بكل هذا ، لماذا يدفع ثمن خطأى ؟
ترك داغر كأس الخمر الذى بيده ثم نظر الى حسام قائلاً :
- ما حدث انتهى ، لن يعيد هذا الحديث اخاك ، اترك الماضى وفكر فى حاضرك فقط
ابتسم حسام ابتسامة سخرية وبسرعة شديدة سحب سلاح احد الحراس الذين يقفون فى المكان واطلق النار عليه وانخفض بسرعة واطلق النار على جميع الحراس فوقف كارم ليسحب مسدسه ولكن سارع حسام واطلق عليه النار ليوقعه غارقاً فى دمائه ووجه سلاحه تجاه داغر ولكن تفاجئ بدخول الحرس الخارجى فأنخفض واطلق الرصاص على الجميع ووقف بكل جرأة وشجاعة وسحب مسدس اخر وظل يطلق الرصاص فى كل مكان حتى قضى على الجميع واثناء إطلاق النار هرب داغر ولكن اوقفه حسام برصاصة فى قدمه ليوقعه ارضاً ..
اقترب حسام من داغر ووجه السلاح تجاهه ولكن سمع خطوات خلفه فإلتفت ليجد سلمى تشاهد ما يفعله وتنظر الى والدها نظرة كره فنظر مرة اخرى الى داغر ونطق قائلاً :
- عندما اتيت الى هنا كنت اعلم ان من المستحيل الخروج من هنا اذا قمت بقتلك لكن الان مات جميع رجالك وانت الان تحت قدمى تنتظر الموت
نظر اليه داغر بخوف شديد :
- لا تفعل هذا يا حسام ، لطالما اعتبرتك ولدى
ابتسم حسام ابتسامة سخرية قائلاً :
- ولدك !! اضحكتنى ، تلك النهاية .. لا تحاول الهروب من تلك الحقيقة ، انت وامثالك لا يحق لهم الحياة ، الدنيا لا تدوم ...
لفظ حسام تلك الكلمات ثم اطلق الرصاصة الاولى
- هذه لأجل اخى
ثم اطلق الرصاصة الاخرى
- وهذه لأجل ابنتك
ثم اطلق الرصاصة الثالثة
- وهذه لأجلى
ثم القى السلاح وعاد الى سلمى التى كانت تبكى وضمها بشدة واخذها بعيداً ورحل عن هذا المكان ، ذهب الى مكان لا يعرفه احد فيه ليعيش مع حبيبته حياة سعيدة خالية من التهديد ومن الفساد
***
الان اشعر بالسعادة لأننى انتقمت لأجل اخى وخلصت العالم من شر هذا الرجل ، الان انا اعيش حياة سعيدة مع زوجتى وابنتى الصغيرة بعد ان قمت بالانتقام ...
الان لدى ما اعيش لأجله
اختيار القرار شديد الصعوبة ولكن ان كان هذا القرار صائباً سيمضى كل شئ على خير ...تمت
بقلم عبدالرحمن احمد