(1)

168 20 24
                                    

بقلم:نهال عبد الواحد

هل فكرت يومًا أيها الغريب أن كل شئ يمكن أن ينتهي بين عشية وضحاها؟
لا بل قد ينتهي في طرفة عين، وتتغير الأحوال وتتبدل في أقل من الثانية.

وصل الاثنان اليوم بعد منتصف الليل كان يسندها طوال الطريق لكن قد خارت قواها عند باب الشقة فما أن طرق الباب حتى سقطت مغشيًا عليها من أثر تعب وإنهاك قارب ثمان و أربعين ساعة.

فحملها رغم إنهاكه هو الآخر مراعيًا يديها المربطتين، فتح الباب بسرعة فقد كان ينتظرهما آباءهما في قلقٍ مرعب، فالأخبار المروعة قد انتشرت في جميع القنوات و البرامج وقد انقطعت أي وسيلة اتصال.

ورغم هيئتهما المضطربة و المتسخة برماد الحريق وحجاب رأسها المتبعثر الخارج منه بعض خصل شعرها البنية على جبهتها الخمرية وعينيها العسلية مغمضة ومرتدية سترته؛ فواضح أن ملابسها التحتية ممزقة بفعل نار، وهو أيضًا شعره مبعثر وأجزاء من ملابسه ممزقة.

لم يسأل الجميع عن التفاصيل فكون أنهما قد وصلا البيت بسلام ولازالا على قيد الحياة هو أسمى الأمور ولا يهم معرفة أي تفاصيل الآن، وكل مافعلوه أنهم سجدوا لله شكرًا.

حملها هذا الشاب المنهك و وضعها في فراشها وكانت ترتجف بشدة فدثرها بأغطية وظل جوارها يربت عليها حتى هدأت وتأكد أنها في سبات عميق.

ولم لا؟ وهي أهم من لديه، مهجة قلبه و نور فؤاده، وزوجة المستقبل.

خرج الشاب من حجرتها ودون أي كلمة خرج من الشقة بأكملها، وما كانت سوى بضع خطوات وفتح باب شقته ودخل بها؛ فالباب وجه الباب.

دخل وأخذ حماما دافئًا ثم جاءت إليه أمه بصينية طعام فوضعته جانبًا ثم احتضنته بعطف وحب، قبلت رأسه ودموعها متساقطة أن عاد سالمًا إلى البيت فربّت بيديه على أمه، لكن لا قدرة له الآن بالتحدّث، كما لا شهية له لأي طعام وطلب من أمه أن تأخذ هذه الصينية مشيرًا لها بأن لا يقدر.

خرجت الأم تحمل الطعام و تقدر حالته الآن فحتمًا يحتاج أولًا للراحة.

استلقى في فراشه لينام بعد ذلك التعب المميت، لكن قد جفاه النوم رغم ذلك الإنهاك فكان يتقلب يمينًا ويسارًا ربما يرتاح وينام .

وبعد العديد من المحاولات الفاشلة جاءته فكرة ربما تنجح ويستطيع النوم بعدها، ماذا لو أفرغ كل ما بداخله حتى ينام بخفة؟

فنهض من مكانه، جلس على مكتبه وأحضر أوراقًا وقلمًا، ود لو كتب مذكراته رغم أنه لم يفعلها يومًا قبل ذلك لكنها الطريقة الوحيدة ليفضفض بها مع نفسه، فمن تسمعه لا تقوى الآن!

وبدأ يكتب لكن ماذا يكتب ومن أين يبدأ؟
كل الأحداث متشابكة ومتداخلة فلم يكتب سوى اليوم و الموافق، ثم حك طرف القلم في شعره الأسود القصير ثم في جبهته المائلة للإسمرار، وضيق عينيه الداكنتين كأنه عرف ماسيكتب ومن أين سيبدأ!

(إحتراق)      By:NoonaAbdElWahedحيث تعيش القصص. اكتشف الآن