عزيزي الكاتب الاستاذ/ أحمد مجدي
طالعت بمزيج من الشغف و الحماسة تلك المبادرة التي اطلقتها عبر صفحتك الرسمية على موقع الفيسبوك الشهير؛ و التي تدعو فيها كل من مر بتجربة غير اعتيادية أو يملك خبرة خوارقية من أي نوع للتواصل معك و عرضها عليك؛ حتى تقوم بإعادة صياغتها و نشرها على المتابعين و القراء في شكل قصة قصيرة او رواية ما.
دعني أؤكد لك انني لم أكن يوماً أحد متابعيك، و ليس ذلك لعيب فيك و لكن ربما كان السبب هو أمر يخصني و يتعلق بشخصيتي؛ فأنا لم اكُ يوماً من المهتمين بالقراءة بشكل خاص أو من المثقفين على العموم، بل انني لم اكمل تعليمي اساساً، و خرجت من المدرسة قبل ان أحصل على الدبلوم، لأجرب حظي و أنزل الى السوق و اقتحم تلك المعمعة، على أمل أن أجد لي موضع قدم يضمن لي قدر معقول و شبه ثابت من الدخل، و الذي كنت اتحصل عليه لأنفقه بأكمله على المزاج.
اخترت مجال التجارة في الهواتف المحمولة، و قد راق لي ان تلك التجارة تتناسب مع طبيعتي الملولة و شخصيتي الثائرة، حيث تمتاز بدورة مالية سريعة و لا تلزمك بأوقات عمل محددة أو أماكن معينة لممارسة البيع و الشراء، بل و يمكنك بممارستها أن تحقق الصفقات الرابحة يومياً اذا ما كنت تتمتع بسرعة البديهة و القدرة على الاقناع، فتظفر بالأجهزة الممتازة بثمن بخس و تتخلص من الأجهزة التالفة بأعلى سعر، و هو ما برعت فيه بالفعل.
دعنا لا نطيل عليك أو على القراء و لندخل في الموضوع مباشرة، و أرجو أن تعذرني على الاطالة؛ فكثرة الاسترداد تعد من عيوب شخصيتي... اعتقد أنك تتساءل الآن عن مشكلتي؟ و سأجيبك بأنه ليس هناك مشكلة على الاطلاق!... لا ليست تلك الرسالة دعابة سخيفة، و لكني احببت ان اشاركك في تلك الأحداث الغريبة التي وقعت لي مؤخراً، و التي بدأت منذ قرابة الشهر تقريباً.
بدأ كل شيء في ذلك اليوم من منتصف شهر فبراير الماضي، و الذي كان يوافق يوم الأحد في أيام الاسبوع، كان الطقس سيئا للغاية، و كنا في ذروة واحدة من تلك النوات التي عادة ما تضرب الاسكندرية في الشتاء؛ لتصيب المدينة بالشلل و توقف حالنا جميعاً... لم يكن الجو مشجع على العمل أو الخروج من البيت أصلاً، خاصة أن اليوم هو الأحد و هو يوم الإجازة الرسمية للتجار و الذي تتوقف فيه حركة البيع و الشراء حتى تكاد تنعدم... الا ان أخوك كان مزنوق و في حاجة لقرشين حتى يقضي بهما مصلحة هامة، لذا لم اجد بداً من الخروج و تجربة حظي لعلي اظفر بأحد الزبائن النادرين في ذلك اليوم.
و هكذا تراني في عز البرد و أنا أقف وسط شارع (شكور) السوق الأشهر للمحمول في الإسكندرية و قد احكمت اغلاق الجاكيت الجلد، و تلفعت بالكوفية الصوفية، و أخذت أفرك كفي و انفخ فيهما؛ لعلي أظفر ببعض الدفيء و انا انتظر الزبون القادم، و لكن الجو كان سيء بالفعل و قد أوغل الليل، فبدا الشارع المظلم خالٍ أمامي على امتداد البصر، و كأنه شارع مهجور لا يعج بالحركة طوال الأسبوع... و بالرغم من أني شبح، ذو قلب ميت، و اعجبك، الا أنني شعرت بالقشعريرة تعتريني و انا اراقب ذلك الرجل المتشح بالسواد و هو يرنو نحوي بخطوات بطيئة مترددة و قد تلفع بكوفيته هو الأخر ليتقي البرد؛ فلم يظهر من وجهه سوى عينين زائغتين، تحسست مطواتي القرن غزال في جيب الجاكيت و بادرته بصوت خشن:
YOU ARE READING
حكايات من وراء الواقع
Horrorحكايات غريبه و مخيفة، قادمة من عوالم ما وراء الطبيعة و الميتافيزقيا و مبنية على أحداث حقيقية.